هل يملك الكاظمي انتزاع القرار العراقي من إيران لصالح التقارب العربي؟

1

 
شهدت العلاقات العربية- العراقية تقاربا كبيرا خلال الأشهر الماضية، وتم توقيع العديد من بروتوكولات التعاون والاتفاقيات مع مصر والسعودية والأردن، لكن تطور علاقات بغداد مع عمقها العربي يكتنفه بعض المخاوف نتيجة الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقر.. فهل يستطيع الكاظمي حماية تلك الاتفاقات والانفراد بالقرار؟
وردا على هذا التساؤل، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي الدكتور أحمد الشريفي، إن: “التقارب العراقي مع المحيط الإقليمي العربي سواء كان مع السعودية أو مصر رغم أنه عودة للعمق العربي إلا أنه يحمل في ذات الوقت رسائل إلى إيران”.
 
واوضح في اتصال هاتفي مع “سبوتنيك”، أنه: “من يطلق عليهم حلفاء إيران في العراق أرادوا أن يختزلوا علاقة بغداد مع محيطها الإقليمي مع إيران حصرا، وإن توسعت تلك العلاقات تكون أيضا عبر طهران، هذه في الحقيقة معادلة اختزال للعراق واعتبار إيران بوابته في السياسة الخارجية، هذه المعادلة باتت مؤثرة في المشهد السياسي ومصدر عدم رضا أو نقمة جماهيرية للعراقيين عموما وللشيعة بشكل خاص”.
وأضاف: “لذلك هناك ضغط في الظاهرة الاجتماعية بالعراق على صانع القرار السياسي في مسألة الانفتاح، حيث نقيم في بعض الأحيان هذا الانفتاح، هل هو لضرورة سياسية أم تحت ضغط اجتماعي، وفي تقديري هو ضرورة سياسية وأيضا نزولا على رغبة العراقيين الذين ما عادوا يتحملون أن تكون بلادهم حصرا مع إيران”.
تراجع الرهان على الكاظمي
ويرى الخبير الاستراتيجي، أن العودة إلى العمق الاستراتيجي العربي هي مطلب من محركاته الظاهرة الاجتماعية ومن بعدها الظاهرة السياسية، مضيفا: “التقارب مع العمق العربي في تقديري هو لامتصاص نقمة جماهيرية ومناورة من قبل الكيانات السياسية على الرأي العام الذي بات ناقما على النظام السياسي عموما وعلى حلفاء إيران بشكل خاص، والكاظمي ليس مصدر رهان من الشارع، إدراكا من العراقيين بأن كل مخرجات سياسية عبر آليات المحاصصة تقدم مصالح الأحزاب على المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب العراقي”.
وأكد الشريفي، أن: “القناعات التي بدأت مع تسلم الكاظمي الحكومة اختلفت بشكل كلي، حيث أن الرأي العام الآن يجمع بمن فيهم من كانوا مؤيدين بالأمس للكاظمي باعتباره خيار أفضل لما هو موجود في المشهد السياسي، أصبحوا اليوم مقتنعين بأن الكاظمي يميل إلى الأحزاب ويلتف على إرادة الجماهير تحقيقا لرغبتهم، لذا نستطيع القول أن الكاظمي لا يعول عليه الشارع، وحتى الانتخابات القادمة ليست رهانا شعبيا بعد إقرار قانون الانتخابات ووضع عملية التقاسم الطائفي جغرافيا للعراق، فأدرك الجميع الحقيقة المسبقة بأن الانتخابات سيصبح وضعها بيد الإسلاميين وبالتحديد الإخوان المسلمين، سواء كان جناحهم السني (الحزب الإسلامي) أو الجناح الشيعي (حزب الدعوة) لم يعد مقبولا”.
انفجار قادم
وتوقع الخبير الاستراتيجي “أن لا تكون هناك استجابة جماهيرية للانتخابات المبكرة طالما أن المشهد السياسي يسير في طريق الالتفاف على إرادة الجماهير، وبدأت آليات التداول السلمي للسلطة توظف سياسيا وليس وطنيا، حيث تم تفصيل قانون الانتخابات على مقاس الأحزاب الإسلامية ذات الانتماءات الإقليمية، وتم اختيار أعضاء المفوضية من نماذج تابعة للأحزاب وليست مستقلة، وفي نفس الوقت، الأحزاب ليست ميالة للتنازل عن غرورها وتعاليها على الشعب العراقي، ولا زالت مصرة على نفس توجهاتها السابقة سواء فيما يتعلق بالفساد أو الإرهاب، وبالتالي آليات التداول السلمي للسلطة غير مطمئنة، والمشهد القادم إما رفض أو عدم استجابة للانتخابات المبكرة”.
 
وحول مصير عملية التقارب مع الدول العربية في ظل المشهد الحالي قال الشريفي: “في الحقيقة الفعاليات والاتفاقات السياسية التي تجري مستوى العلاقات الخارجية لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا بوجود إرادة سياسية حرة مستقلة نزيهة تعمل وفق إطار الثابت الوطني، وهذه غير موجودة، لذلك إذا تحدثنا عن رغبة إقليمية للتقارب مع بغداد فقد تغلق الأبواب، لأن المفاتيح بيد الأحزاب والتي تتحكم في فتح وغلق مسارات التقارب في الوقت الذي تريد، لذلك لا نراهن كثيرا على الفعاليات التي تجري إدراكا منا بأنها رغبة للالتفاف وإظهار حسن النوايا أمام المجتمع الدولي الذي بات ضاغطا أيضا على المنتظم السياسي، وفي تقديري لا يوجد شىء مطمئن، لأن صانع القرار السياسي واهن ويمكنه التنصل عن التزاماته ولا يمتلك رصيدا جماهيريا، ومدعوم من أحزاب تتأثر بالتوازنات الإقليمية، ويمكن أن تقلب معادلة الاتفاقيات لصالحها”.
وأوضح الخبير الاستراتيجي أن: “هناك حالة إحباط لدى الرأي العام العراقي وأنه سيصل إلى مرحلة انفجار في ظل أزمة باتت تضرب في عمق خصوصية المجتمع، على سبيل المثال، تأخير رواتب المتقاعدين والرعاية الاجتماعية والموظفين بسبب الأحزاب القابضة على موارد الدولة ولا ترغب في التنازل عنها لإعطاء حقوق المواطنين، وفي نفس الوقت الحكومة عاجزة عن انتزاع حقوق المواطن الذي يسرق من قبل الأحزاب، هذا العجز من جانب صانع القرار السياسي يجعل الشارع محبطا ويدرك أن الأحزاب التي لها امتدادات إقليمية هى الأقوى لأنها تمتلك المال والإعلام والسلاح، لذا أتوقع أن تشهد المرحلة القادمة حالة من التمرد على النظام السياسي تبدأ بمقاطعة الانتخابات وقد تنتهي بأعمال عنف غير مسيطر عليها”.
إيران والقرار العراقي
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد والسفير السابق بالخارجية العراقية الدكتور قيس النوري: “أصبح عراق اليوم ساحة تجاذب من قبل القوى الإقليمية، حيث تشهد علاقاته الخارجية تذبذب على حساب ثبات العلاقات وفق المصلحة الوطنية العراقية، وتمارس إيران سلوكا يديم التأزم السياسي في إطار لعبتها الإقليمية، خاصة تجاه القوى العربية ومنها النظام السعودي في إطار التنافس الاقليمي”.
وأضاف في اتصال مع “سبوتنيك”: “تحاول السعودية عبر وسائل متعددة سحب العراق من دائرة النفوذ الإيراني، لكن دون أن يدرك النظام السعودي شدة الارتباط العضوي بين نظام بغداد وطهران، مما يجعل من شبه المستحيل توصل بغداد إلى اتخاذ قرار بمعزل عن التأثيرات الإيرانية، وبما يلبي المصلحة الوطنية العراقية”.
وأكد النوري: “ليس في المنظور قدرة الكاظمي الذي هو ناتج عن حالة الارتباط مع إيران أن يوظف التوجه السعودي لصالح قرار مستقل، الكاظمي جزء من المكان الإيراني الفاعل في الشأن الخارجي، وكذلك السياسة العامة الداخلية للعراق، لهذه الاسباب لا اعتقد نجاح أي مسعى عربي دون معالجة لب الأزمة العراقية المتمثلة بالنفوذ الإيراني المتحكم في العراق”.
 
وخلال اجتماع مشترك أمس الأربعاء،أكد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عزم البلدين تعزيز العلاقات بينهما في المجالات كافة، والمضي بها قدماً لتتناسب مع طموحات ورؤى القيادتين بما يحقق المصالح المشتركة، ويعزز أمن واستقرار المنطقة، ويدفع بعجلة التنمية لما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقين ويحقق رفاهيتهما.
وشدد بن سلمان على أهمية الاجتماع بين السعودية والعراق، لافتاً إلى أن الروابط بين البلدين “كبيرة جداً وعميقة جداً ومهمة، ويجب العمل على تحقيقها”، وقال مخاطباً رئيس وزراء العراق إن “البلدين متجاورين، وكلنا عرب، ونتبع نفس الدين، ولدينا نفس المصالح، ونفس التحديات، فأنا سعيد جداً بتطوير العمل معكم ومع العراق”.
وأشار بن سلمان، والكاظمي، إلى أهمية التعاون في مجالات الطاقة وتبادل الخبرات وتنسيق المواقف في المجال النفطي ضمن نطاق عمل منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك بلس”.
وشهد اللقاء استعراض أعمال الدورة الرابعة لمجلس التنسيق السعودي – العراقي، وما تمخضت عنه الدورات الثلاث السابقة من اتفاقيات ومذكرات تفاهم، تصب في صالح تعزيز العلاقات بين البلدين، واعتماد نتائج أعمال المجلس في دورته الرابعة، وما توصلت إليه اللجان المنبثقة منه.

التعليقات معطلة.