محمد بن سعيد الفطيسي
تواجه معظم القوانين الخاصة بمكافحة جرائم الإرهاب وكذلك القوانين المتداخلة معها كقانون غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وقانون الجزاء أو العقوبات بحسب التسمية في مختلف دول العالم بلا استثناء العديد من التحديات والإشكاليات؛ أخطرها ذلك المتعلق بالجانب التشريعي أو السياسات الجنائية الخاصة بمكافحة الإرهاب. وهنا نطرح السؤال الآتي: لماذا هذا الجانب خصوصا؟
يمثل الجانب التشريعي أو القانوني في أي بلد واجهة العدالة والحرية لديها، والكيفية الحقوقية والإنسانية التي تتعامل بها مع سكانها أمام بقية الأمم؛ بل هو العقل البشري الذي تدير به أمنها واستقرارها ومصيرها كما يصوره فولجين في كتاب فلسفة الأنوار فيقول إن “القانون بصورة عامة هو العقل البشري لأنه يحكم شعوب الأرض قاطبة، وليست قوانين أمة من الأمم إلا حالة خاصة لتطبيق هذا العقل البشري، وإن مصير الأمم منوط بحكم القوانين لديها وبعدم معقوليتها”( 1)
إذًا لا بد من أن تكون معظم القوانين المتعلقة بمكافحة مختلف الجرائم مواكبة للفكر الجرمي وتطور الجريمة (الأدوات، الوسائل…إلخ)، على أنها كذلك لا بد ان تتعامل مع الجريمة والمجرم وفق ضوابط العدالة ومراعاة حقوق الإنسان والعديد من الأسس والقواعد الإنسانية؛ ولعل الجريمة الإرهابية في وقتنا الراهن تعتبر من أكثر الجرائم تطورا وتسارعا لاعتبارات عديدة ومختلفة، لعل أهمها قدرة هذا النوع من الجرائم على الاستفادة من التطورات التكنولوجية والصناعية وكذلك المتغيرات الداخلية للدول، يضاف إلى ذلك تداخل هذا النوع من الجرائم مع تلك التحولات والمتغيرات الدولية، خصوصا السياسية منها والاقتصادية والأمن الفكري كحقوق الإنسان والديموقراطية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وإذكاء الصراعات عبر تضارب المصالح وغير ذلك.
إذًا لا شك أن قوانين مكافحة الإرهاب تحتاج إلى إعادة نظر وتأهيل بشكل دوري ومستمر، وبتصوري الشخصي أن المدة المقبولة لذلك هي بين (3-4) سنوات على الأكثر؛ وسبب اختيار هذه المدد تحديدا هو ضرورة الموازنة بين تسارع الظاهرة الإرهابية وتطور أدواتها ووسائلها وأهمية وجود استقرار تشريعي إلى حد ما، وهذا الأخير لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافر البحث العلمي والدراسات الأكاديمية المتخصصة بالظاهرة الإرهابية عموما وجرائم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية على وجه الخصوص، وكذلك توفير الإمكانات المادية القادرة على تنفيذ نتائج تلك الدراسات على أرض الواقع، حيث إن هذه العوامل هي من يحقق ذلك الاستقرار والثبات والتوازن، وهو ما يحتاج في نهاية المطاف إلى وقت كافٍ لتحقيق تلك السياسات والتوجهات والأهداف.
على ضوء ذلك ترتكز أبرز الإشكاليات التشريعية والتحديات المتعلقة بالسياسة الجنائية الخاصة بقوانين مكافحة جرائم الإرهاب في ظل التطور المتسارع للظاهرة الإرهابية على الآتي، وهذه الإشكاليات والتحديات هي على سبيل المثال لا الحصر بكل تأكيد:
أولا: تسارع الظاهرة الإرهابية: يعد تسارع الظاهرة الإرهابية عموما وجرائم الإرهاب على وجه الخصوص؛ تحديدا جانب تطور أدواتها وأساليب ارتكابها من أبرز الأسباب والعوائق التي تواجه تطور وتأهيل قوانين مكافحة الإرهاب، فكلما تم تجريم أو احتواء وسيلة أو فكرة أو أداة أو توجه أو استراتيجية إرهابية من الناحية التشريعية، إلا وبرزت أخرى جديدة بعدها بفترة قليلة، كما أن التطورات الحاصلة على المستوى التكنولوجي أسهمت كثيرا في تعقيد هذا الجانب، الأمر الذي أخل كثيرا باستقرار التشريعات والقوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب.
حيث ظهرت لنا العديد من الأدوات الحديثة التي أسهمت في تطور جرائم الإرهاب مثل طائرات الدرون والطابعات ثلاثية الأبعاد وأدوات المحاكاة الحاسوبية، هذا بالإضافة إلى استغلال الأدوات والتقنيات غير المجرمة أصلا في ارتكاب جرائم إرهابية مثل استخدام الحاسب الآلي والأدوات المنزلية، وكذلك المواد التجارية والزراعية وما إلى ذلك.
ثانيا: إشكاليات حقوق الإنسان والردود المفرطة في الجانب الوقائي والتجريمي: تعد حقوق الإنسان وتحقيق العدالة من أبرز التحديات والإشكاليات التي تواجه قوانين مكافحة الإرهاب، حيث إن العديد من هذا القوانين والتدابير الوطنية هي إما فضفاضة بشكل خطير أو مبهمة أو متطفلة، وبدلا من توفيرها قدر أكبر من الأمن، تعرض هذه القوانين والتدابير الحقوق الأساسية للانتهاك”( )، ولعل أبرز تلك الردود المفرطة في جانب حقوق الإنسان كما توردها أغلب منظمات حقوق الإنسان الدولية ترتكز على تلك التدابير المتعلقة بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب وإشكالية تعريف الإرهاب وجانب التدابير الوقائية المتعلقة بحظر السفر وسحب الجنسية وتوسع سلطات الشرطة والأجهزة الأمنية، وفي الجانب التشريعي تبرز إشكاليات الحبس الاحتياطي وأوامر التقييد واحتجاز المتهمين وما إلى ذلك.
ثالثا: تحديات جانب البحث العلمي الخاص بدراسة الظاهرة الإرهابية: كما سبق وأشرنا أن من أهم إشكاليات وتحديات الظاهرة الإرهابية هي تسارع تطورها في مقابل تعقيد الإجراءات الخاصة بتطور التشريعات المتعلقة بمواجهة جرائم الإرهاب، يضاف إلى ذلك نقص الدراسات والبحوث المعمقة الخاصة بدراسة الظاهرة الإرهابية، تحديدا تلك التي تبحث في التحديات المعاصرة وتستشرف التطورات المتسارعة لها، ولعل أبرز تلك الجوانب التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتعمق والفهم، الجوانب النفسية والإعلامية والتطورات الخاصة بالتكنولوجيا وثورة المعلومات.
رابعا: ضعف الاهتمام بالسياسة الجنائية الوقائية والتأهيلية بمكافحة الإرهاب: من الجوانب التي تحتاج كذلك إلى نوع من الاهتمام خلال المرحلة القادمة، هي جانب الاهتمام بالسياسات الجنائية الوقائية أو التحوطية في مكافحة الإرهاب، أي تلك السياسات التي ترتكز على نصوص قانونية تسعى إلى توقي وقوع الفكر الإرهابي والتحوط من الجريمة الإرهابية، كذلك جانب السياسة الجنائية التأهيلية للمجرم الإرهابي، سواء كان ذلك في المؤسسة الإصلاحية أو العقابية أو بعد الخروج منها؛ ورغم المخاطر التشريعية التي يمكن أن تنتج عن الإفراط في جانب السياسة الوقائية، حيث يمكن أن يتم انتهاك حقوق الأفراد والدخول في إشكاليات دستورية وغير ذلك، إلا أن هذا الجانب مهم للغاية خلال الفترة القادمة، وهو ما سبق وأشرت إليه في جانب ضرورة موازنة هذا المطلب مع حقوق الإنسان، فما يؤسف له أن أغلب قوانين مكافحة الإرهاب غنية بنصوص التجريم والعقاب، ولكنها تفتقر إلى حد بعيد إلى تلك النصوص الوقائية أو التحوطية والاستباقية والسياسات التأهيلية.
• خلاصة: بات من الضروري في ظل التحولات والمتغيرات الدولية المتسارعة، أهمية إعادة النظر في قوانين مكافحة الإرهاب التي لم يتم تأهيلها بشكل مقبول على أقل تقدير خلال 4 سنوات على أعلى تقدير، مع ضرورة فتح مجال أوسع عند اتخاذ ذلك القرار لمزيد من الدراسات والنقاش العلمي والاستشارة المتخصصة من ذوي خبرة في مختلف المجالات الأكاديمية، خصوصا المجال النفسي والإعلامي والتكنولوجي.
يمثل الجانب التشريعي أو القانوني في أي بلد واجهة العدالة والحرية لديها، والكيفية الحقوقية والإنسانية التي تتعامل بها مع سكانها أمام بقية الأمم؛ بل هو العقل البشري الذي تدير به أمنها واستقرارها ومصيرها كما يصوره فولجين في كتاب فلسفة الأنوار فيقول إن “القانون بصورة عامة هو العقل البشري لأنه يحكم شعوب الأرض قاطبة، وليست قوانين أمة من الأمم إلا حالة خاصة لتطبيق هذا العقل البشري، وإن مصير الأمم منوط بحكم القوانين لديها وبعدم معقوليتها”( 1)
إذًا لا بد من أن تكون معظم القوانين المتعلقة بمكافحة مختلف الجرائم مواكبة للفكر الجرمي وتطور الجريمة (الأدوات، الوسائل…إلخ)، على أنها كذلك لا بد ان تتعامل مع الجريمة والمجرم وفق ضوابط العدالة ومراعاة حقوق الإنسان والعديد من الأسس والقواعد الإنسانية؛ ولعل الجريمة الإرهابية في وقتنا الراهن تعتبر من أكثر الجرائم تطورا وتسارعا لاعتبارات عديدة ومختلفة، لعل أهمها قدرة هذا النوع من الجرائم على الاستفادة من التطورات التكنولوجية والصناعية وكذلك المتغيرات الداخلية للدول، يضاف إلى ذلك تداخل هذا النوع من الجرائم مع تلك التحولات والمتغيرات الدولية، خصوصا السياسية منها والاقتصادية والأمن الفكري كحقوق الإنسان والديموقراطية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وإذكاء الصراعات عبر تضارب المصالح وغير ذلك.
إذًا لا شك أن قوانين مكافحة الإرهاب تحتاج إلى إعادة نظر وتأهيل بشكل دوري ومستمر، وبتصوري الشخصي أن المدة المقبولة لذلك هي بين (3-4) سنوات على الأكثر؛ وسبب اختيار هذه المدد تحديدا هو ضرورة الموازنة بين تسارع الظاهرة الإرهابية وتطور أدواتها ووسائلها وأهمية وجود استقرار تشريعي إلى حد ما، وهذا الأخير لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافر البحث العلمي والدراسات الأكاديمية المتخصصة بالظاهرة الإرهابية عموما وجرائم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية على وجه الخصوص، وكذلك توفير الإمكانات المادية القادرة على تنفيذ نتائج تلك الدراسات على أرض الواقع، حيث إن هذه العوامل هي من يحقق ذلك الاستقرار والثبات والتوازن، وهو ما يحتاج في نهاية المطاف إلى وقت كافٍ لتحقيق تلك السياسات والتوجهات والأهداف.
على ضوء ذلك ترتكز أبرز الإشكاليات التشريعية والتحديات المتعلقة بالسياسة الجنائية الخاصة بقوانين مكافحة جرائم الإرهاب في ظل التطور المتسارع للظاهرة الإرهابية على الآتي، وهذه الإشكاليات والتحديات هي على سبيل المثال لا الحصر بكل تأكيد:
أولا: تسارع الظاهرة الإرهابية: يعد تسارع الظاهرة الإرهابية عموما وجرائم الإرهاب على وجه الخصوص؛ تحديدا جانب تطور أدواتها وأساليب ارتكابها من أبرز الأسباب والعوائق التي تواجه تطور وتأهيل قوانين مكافحة الإرهاب، فكلما تم تجريم أو احتواء وسيلة أو فكرة أو أداة أو توجه أو استراتيجية إرهابية من الناحية التشريعية، إلا وبرزت أخرى جديدة بعدها بفترة قليلة، كما أن التطورات الحاصلة على المستوى التكنولوجي أسهمت كثيرا في تعقيد هذا الجانب، الأمر الذي أخل كثيرا باستقرار التشريعات والقوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب.
حيث ظهرت لنا العديد من الأدوات الحديثة التي أسهمت في تطور جرائم الإرهاب مثل طائرات الدرون والطابعات ثلاثية الأبعاد وأدوات المحاكاة الحاسوبية، هذا بالإضافة إلى استغلال الأدوات والتقنيات غير المجرمة أصلا في ارتكاب جرائم إرهابية مثل استخدام الحاسب الآلي والأدوات المنزلية، وكذلك المواد التجارية والزراعية وما إلى ذلك.
ثانيا: إشكاليات حقوق الإنسان والردود المفرطة في الجانب الوقائي والتجريمي: تعد حقوق الإنسان وتحقيق العدالة من أبرز التحديات والإشكاليات التي تواجه قوانين مكافحة الإرهاب، حيث إن العديد من هذا القوانين والتدابير الوطنية هي إما فضفاضة بشكل خطير أو مبهمة أو متطفلة، وبدلا من توفيرها قدر أكبر من الأمن، تعرض هذه القوانين والتدابير الحقوق الأساسية للانتهاك”( )، ولعل أبرز تلك الردود المفرطة في جانب حقوق الإنسان كما توردها أغلب منظمات حقوق الإنسان الدولية ترتكز على تلك التدابير المتعلقة بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب وإشكالية تعريف الإرهاب وجانب التدابير الوقائية المتعلقة بحظر السفر وسحب الجنسية وتوسع سلطات الشرطة والأجهزة الأمنية، وفي الجانب التشريعي تبرز إشكاليات الحبس الاحتياطي وأوامر التقييد واحتجاز المتهمين وما إلى ذلك.
ثالثا: تحديات جانب البحث العلمي الخاص بدراسة الظاهرة الإرهابية: كما سبق وأشرنا أن من أهم إشكاليات وتحديات الظاهرة الإرهابية هي تسارع تطورها في مقابل تعقيد الإجراءات الخاصة بتطور التشريعات المتعلقة بمواجهة جرائم الإرهاب، يضاف إلى ذلك نقص الدراسات والبحوث المعمقة الخاصة بدراسة الظاهرة الإرهابية، تحديدا تلك التي تبحث في التحديات المعاصرة وتستشرف التطورات المتسارعة لها، ولعل أبرز تلك الجوانب التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتعمق والفهم، الجوانب النفسية والإعلامية والتطورات الخاصة بالتكنولوجيا وثورة المعلومات.
رابعا: ضعف الاهتمام بالسياسة الجنائية الوقائية والتأهيلية بمكافحة الإرهاب: من الجوانب التي تحتاج كذلك إلى نوع من الاهتمام خلال المرحلة القادمة، هي جانب الاهتمام بالسياسات الجنائية الوقائية أو التحوطية في مكافحة الإرهاب، أي تلك السياسات التي ترتكز على نصوص قانونية تسعى إلى توقي وقوع الفكر الإرهابي والتحوط من الجريمة الإرهابية، كذلك جانب السياسة الجنائية التأهيلية للمجرم الإرهابي، سواء كان ذلك في المؤسسة الإصلاحية أو العقابية أو بعد الخروج منها؛ ورغم المخاطر التشريعية التي يمكن أن تنتج عن الإفراط في جانب السياسة الوقائية، حيث يمكن أن يتم انتهاك حقوق الأفراد والدخول في إشكاليات دستورية وغير ذلك، إلا أن هذا الجانب مهم للغاية خلال الفترة القادمة، وهو ما سبق وأشرت إليه في جانب ضرورة موازنة هذا المطلب مع حقوق الإنسان، فما يؤسف له أن أغلب قوانين مكافحة الإرهاب غنية بنصوص التجريم والعقاب، ولكنها تفتقر إلى حد بعيد إلى تلك النصوص الوقائية أو التحوطية والاستباقية والسياسات التأهيلية.
• خلاصة: بات من الضروري في ظل التحولات والمتغيرات الدولية المتسارعة، أهمية إعادة النظر في قوانين مكافحة الإرهاب التي لم يتم تأهيلها بشكل مقبول على أقل تقدير خلال 4 سنوات على أعلى تقدير، مع ضرورة فتح مجال أوسع عند اتخاذ ذلك القرار لمزيد من الدراسات والنقاش العلمي والاستشارة المتخصصة من ذوي خبرة في مختلف المجالات الأكاديمية، خصوصا المجال النفسي والإعلامي والتكنولوجي.