العراق بحاجة الى حلول ستراتيجية لتجاوز ازمته المالية

1

مظفر عبد العال

تجارب البلدان التي عانت ومرة بازمات مالية و ضائقات اقتصادية تحدثنا ان هذه البلدان عملت على وضع خطط ستراتيجية طويلة الامد وتحملت ما تحملت من اجل انقاذ شعوبها من نتائج الازمات وما يترتب عليها من مشكلات اقتصادية واجتماعية غيرها الكثير وتدخلت الدول بكامل ثقلها لمعالجة الازمة ،
واذا ما استثنينا الازمات العربية التي تمثلت في المديونية العربية بكامل ثقلها و عاش العالم العربي النموذج السلبي، سواء على الصعيد القطري أو الإقليمي، ولعل فشل مشروع التكامل أو التعاون الاقتصادي العربي هو أوضح دليل على سلبية العرب في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، فهناك إجماع على أن التكامل الاقتصادي العربي هو الحل الأمثل لمعظم المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة.


ومع ذلك بقيت الإرادات السياسية للدول العربية تحول دون الوصول لنجاح أولى خطوات التكامل الاقتصادي العربي، وهي منطقة التجارة العربية الحرة، فلا زالت التجارة العربية البينية تشكل 8% – 10% من إجمالي التجارة الخارجية العربية، وكان الإنجاز الأكبر في تجربة منطقة التجارة العربية الحرة هو القوائم السلبية للسلع التي أعدتها كل دولة لكي لا تدخل في حيز الاتفاقية، فأصبحت الاتفاقية كأن لم تكن.

إضافة إلى الأزمات السابقة تعاني الدول العربية من أزمة المديونية وانعكاساتها المركبة، إذ تتراجع الآمال في تراكم رأسمالي حقيقي يدفع باتجاه استثمارات لها عوائد مالية ترتقي بالصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي في الدول العربية.

وبهذا يمكن توصيف الأزمة المذكورة على أنها واحدة من أكبر المشكلات الاقتصادية في الوطن العربي، لما لها من انعكاسات متشعبة تلقي بعبئها على كاهل الموازنات لهذه الدول وتعطل الاستثمارات الحقيقية لهذه البلدان ، نقول اذا ما استثنينا البلدان العربية نجد ان مثل هذه الازمات مرت حتى على دول كبرى وعانت منها وسخرت امكانياتها من اجل المعالجة بتدخلها المباشر

الازمة العقارية في امريكا:

في امريكا شكلت الازمة العقارية اكبر كارثة اقتصادية التي خرقت وعطلت اكبر اقتصاد لاكبر دولة في العالم لولا تدخل الحكومة بدات الفقاعة في عام 2004 عندما بدأت بنوك وول ستريت التجارية إقراض ذوي الدخل المحدود مبالغ باهظة من أجل شراء منازل ومن ثم كانت البنوك الاستثمارية تقوم باقتراض مليارات الدولارات وتقوم بشراء العديد من هذه القروض العقارية من بنوك أخرى ثم تقوم بتوريق هذه القروض (اي جعلها اوراق مالية قابلة للتدوال داخل البورصة) فقامت بنوك الاستثمار بعد ذلك بتجميع هذه الاوراق المالية المدعومة برهونات العقارية في ما يسمي بـ CDO و هي عبارة عن تجميع هذه الاوراق المالية وبيعها لبنوك استثمارية أخرى وصناديق استثمار وتحوط و مستثمرين من جميع انحاء العالم وهي تباع اصلا على شكل شرائح متفاوتة المخاطر وبطبيعة الحال تكون البنوك الاستثمارية قد باعت هذه الاوراق المالية بأسعار اعلى بكثير من سعر الشراء ثم تقوم بسداد الديون وعمل ربح عالي جدا ثم يقوم المشترون بتأمين هذه الاوراق عن طريق ما يسمي ـ CDS و هي بوالص تأمين على هذه الاوراق في حال حصول تعثر أو عسر مالي وهكذا دخلت شركات التأمين في هذه الفقاعة أيضا لكن عندما بدأ ذوي الدخل المحدود الإعسار قامت البنوك بأخذ المنازل لبيعها وهو ما خلق عرض للمنازل أعلى من الطلب فهوت اسعار المنازل وفي بداية عام 2008 بدى واضحاً أن شيئاً ما سيصيب وول ستريت وفي مارس كان بنك الاستثمار بير ستيرنز على شفى الهاوية فقام البنك العملاق جي بي مورغان بشراء المصرف المنكوب بـ دولارين للسهم رغم أن سعر السهم كان ثلاثين دولاراً في البورصة وفي صيف عام 2008 كان كل الناس ينظرون لليمان براذرز على أنه سيأتي تالياً وبالفعل أعلن ليمان افلاسه في سبتمبر 2008 و هو ما جعل الحكومة الأمريكية تتدخل لإنقاذ كبار المصارف وشركات المال الأمريكية مثل سيتي غروب وبنك اوف أمريكا ووويلز وغيرها من البنوك وشركات التامين .

وما دامت مقاييسنا لها علاقة بطبيعة وعلاقة بلدنا ببلدان اخرى مشابهة نجد ان ما مرت به بلدان اسيا ليس ببعيد عنا

ازمة الاسيان :

بدات الأزمة أول الأمر في تايلند في أعقاب انهيار عملة البات التايلندي، إذ أجبرت الحكومة على تعويم البات بعد أن اختفت العملات الأجنبية التي كانت توازن معدَّلات تحويل العملة، لتنقطع الرابطة بين البات التايلندي والدولار الأمريكي. كانت هناك جهودٌ حثيثة لدعم البات التايلندي في وجه انعدام التوازن المالي الشديد، والذي كانت تجارة العقارات الحقيقية أحد أسبابه البارزة. كانت تايلند تتحمَّل في ذلك الحين عبء ديون خارجية، ممَّا قاد الدولة إلى حالةٍ من الإفلاس، ليتبع ذلك انهيار عملتها.انتشرت الأزمة لاحقاً، وبدأت عملات كامل جنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية واليابان بالسقوط، و انخفضت أسعار البورصة المالية وكافَّة المنتجات، مقابل ارتفاعٍ هائل في القروض الخاصَّة. كانت أكثر البلدان تأثُّراً بالأزمة المالية الآسيوية هي إندونيسياوكوريا الجنوبية وتايلند، تليها بدرجةٍ أقل ماليزيا والفلبينولاوس وهونغ كونغ، وكذلك الصين وتايوان وسنغفورة وبرونايوفيتنام، وقد عانت جميعها من انخفاض الطلب والثقة في السوق على مستوى المنطقة بأسرها.

ارتفعت نسبة الديون الأجنبية بالنسبة للناتج المحلي الإجماليمن 100% إلى 167% في اقتصادات اتحاد دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الكبرى بين عامي 1993 و1996، لتجتاز 180% خلال أسوأ مراحل الأزمة. ارتفعت النسبة في كوريا الجنوبية من 13% إلى 21%، ووصلت فيما بعد حتى 40%، فيما أن الدول الصناعية الجديدة الشمالية الأخرى كانت نسبتها أفضل بكثير .]

رغم أنَّ معظم حكومات آسيا سنَّت ظاهرياً سياسات ماليا لمكافحة الأزمة، فقد أطلق صندوق النقد الدولي برنامجاً كلفته 40 بليون دولار أمريكيٍّ لدعم اقتصادات إندونيسيا وتايلند وكوريا الجنوبية، وهي أكثر الاقتصادات تأثُّراً بالأزمة، حيث كان الهدف من هذه الخطوة كبح الأزمة عن التحوُّل إلى أزمة مالية عالمية. رغم ذلك، لم تساعد هذه الجهود كثيراً بإعانة اقتصاد إندونيسيا المحلي، وقد اضطرَّ إثر ذلك الرئيس الإندونيسي سوهارتو إلى الاستقالة في 21 مايو عام 1998 بعد ثلاثين عاماً من الحكم المتواصل، وذلك إثر احتجاجات عارمةٍ أعقبت ارتفاع الأسعار في البلاد. بدأت آثار الأزمة بالانخفاض مع عام 1998. في العام ذاته، انخفض معدل نمو اقتصاد الفلبين إلى قرابة الصّفر. لم تستطع سوى سنغافورة وتايوان الاحتماء إلى حدٍّ ما من الأزمة، إلا أنَّ كليهما واجها أضراراً كبيرة، خصوصاً سنغافورة الواقعة بين ماليزيا وإندونيسيا المتضرّرتين. رغم ذلك، رأى الاقتصاديون إشاراتٍ بحلول عام 1999 إلى أن اقتصادات آسيا آخذةٌ بالتعافي.منذ الأزمة المالية الآسيوية، بدأت اقتصادات آسيا تعمل على موازنة نفسها عبر المراقبة المالية المستمرَّة.

سياسات المواجهة

نتيجة لعنصر المفاجأة في هذه الأزمة فقد فشلت الكثير من الدول في تعاطي ايجابي يتماشي مع الظرف الطارئ، وقد إنقسمت هذه الدول بين فريقين :

الأول: ركز على الحلول الداخلية و مواجهة الأزمة بسياسات تقشف داخلية وحماية للعملة الوطنية من خلال تثبيت سعرف الصرف ،ودعم الصناعات المحلية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومن أمثلة هذه الدول ماليزيا حيث نجحت رغم التحديات في التقليص من آثار الأزمة.

الثاني : ركز على قروض صندوق النقد الدولى رغم سياساته المجحفة التى تصاحب تلك القروض ، ومن الدول التى سلكت هذا الطريق أندونسيا ، و كوريا الجنوبية ، و الفلبين. هذه القروض تسببت في الكثير من اللغط و أدرت للمزيد من التوتر السياسي أنتهي في أندنوسيا بإغلاق 16 مؤسسة مالية و بنك ثم تلى ذالك إستقالة سوهارتو الذي حكم أندنوسيا 32 سنة كما ذكرنا ذلك سابقا .

كيف واجهة ماليزيا الازمة

كانت ماليزيا إحدى الدول القليلة في جنوب شرق آسيا التي استطاعت تقديم إستراتيجية سريعة لمواجهة الوضع الجديد.

في إبريل سنة 2009 وأمام حشد كبير من طلاب جامعة بكين – بالصين خاطب رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد الحضور قائلا : لقد شكلت الأزمة الإقتصادية 1997-1998 عامل تحد حقيقي لإقتصاديتنا وجعلتنا نعيد النظر في إستراتيجياتنا الإقتصادية وحتى إندماجنا في الإقتصاد العالمي.

إن كل المؤشرات التي وقفنا عليها تقول ان السبب المباشر لأزمة 1997 التي عمت دول الاسيان كان التلاعب الكبير بالعملات من طرف المضاربين في السوق المالية لقد أدى هذا التلاعب إلي فقدان العملة المحلية لقيمتها وضعف قوتها الشرائية، تجارة العملات يجب أن تقتصر على التمويل التجاري فقط كما يجب علي البنوك أن تحدد سقف للإقتراض. ثم يسترسل قائلا : من الدروس المهمة التي قدمتها أزمة 1997 أنه علي الآسيويين أن لا يتقبلوا الإستراتيجيات الغربية كما هي؟ بل يجب أن تخضع لإختبارات وإنتقادات وإذا أثبتت فشلها أو عدم صلاحيتها لوضعيتنا رفضناها.

في ماليزيا كانت أولي الخطوات للتخفيف من آثار الأزمة هي تثبيت معدل الصرف من خلال منع المضاربين من المتاجرة بالعملة المحلية ، على الرغم من أن هذه الخطوة تعتبر خاطئة من منظور البنوك الغربية إلا أنها ساعدت في تطوير المشاريع الإقتصادية وحفزت المستثمرين على الدخول في السوق من دون خوف من إنهيار العملة في أية لحظة.

كما رفضت ماليزيا مقترحات صندوق النقد الدولي والتي منها زيادة فائض الميزانية لرفع معدلات الفائدة وكذالك رفض القروض المقدمة من البنك على أساس أن شروطها تجعل الإقتصاد الماليزي يدار من داخل مكاتب صندوق النقد الدولي وليس من الماليزيين أنفسهم.

استطاعت ماليزيا تقديم إستراتيجية سريعة للحد من آثار أزمة 1997-1998 وعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية كانت لها نتائج ايجابية مع بعض الثغرات إلا أن بعض المحللين يرون أنها كانت إستراتيجية قوية أسست على قرارات جريئة.

يري مهاتير أن النتائج الكارثة لإنهيار النظام المصرفي الغربي يجب أن يكون درسا لنا جميعا وأن نعمل على تطوير منظومتنا المصرفية بما يتماشي مع وضعيتنا، ثم يضيف قائلا: قد نكون حققنا نجاحا في المحافظة على توازن إقتصادي في عالم تعصف به الأزمات من كل جانب لكن هذا لا يعني أن إستراتيجيتنا المتبعة كانت مقدسة بل بالعكس مهما كانت النتائج يجب دائما أن نخضع هذه الإستراتيجيات للمزيد من النقد والدراسة والتمحيص وهذه الرؤية هي التي مكنت النمور من تجاوز ازمتهم التي كادت ان توقف عجلة النمو الاقتصادي في تجربة اسيان التي ما زالت تعد مفخرة لبلدانها في مواجهة التحديات الاقتصادية وفهم كل العوامل التي ادت الى الازمة بوعي اقتصادي ورؤية سياسية فريدة .

العراق امام الازمة :

من خلال معرفتنا لتجارب تلك البلدان وما مرت به وبضوء تلك المؤشرات لابد من دراسة اوضاعنا بعناية مستفيدين من تجارب تلك الدول على شرط ان تكون اجراءاتنا وطنية خالصة تدرس بعناية مصلحة البلد اولا وهنا لابد من اتخاذ الخطوات التالية :

اولا : تنسيق عمل دوائر الدولة ذات النفع العام مقابل اجور تحصل عليها الدولة ذلك بتكليف موظفين صادقين ثقات مفاتيح خير و تدبر من اجل مصلحة بلدهم وتعظيم الايرادات مقابل تقديم الخدمة.لتدخل الدولة بكل ثقلها المالي والبشري في تطوير الخدمات مقابل اجور تجبيها من تقديم الخدمة على سبيل المثال انشاء شركات اتصالات حكومية وطنية لخدمة الناس وتطوير قطاع النقل والمواصلات العام والخاص

ثانيا : تجنب السعي بالحصول على قروض اجنبية ومن البنك الدولي قدر الامكان لان في ذلك سلب للارادة الوطنية وتكبيل البلد بديون مشروطة.قد لا تقدر على سدادها والتعامل مع القروض بعناية ودقة ايا كان مصدرها خارجي ام داخلي .

ثالثا : ضبط ايرادات الدولة في المنافذ البرية والجوية والبحرية وتشكيل هياة وطنية تشرف عليها وتخطط من اجل تعظيم المواد وحمايتها حتى وصولها ال خزينة الدولة.

رابعا:ايقاف العمل بمزاد العملة مؤقتا و تحديد سعر الصرف لمنع التلاعب حتى تجاوز الازمة وتبعاتها.مع حماية تامة لاصحاب الدخل المحدود من الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية ،بمعنى ان تتم دراسة اوضاعهم المعاشية مع التغيير المطلوب فعله في موضوعة بيع العملة وارتفاع سعر الدولار مثلًا

خامسا : محاولة الاكتفاء الذاتي من السلع الزراعية وتشجيع المنتج الوطني الزراعي وتشجيع المزارعين العراقيين وتهيئة الاجواء لاستثمارات قادمة للبلد مفتوحة وليست محدودة على دولة دون اخرى مثال تركيا والسعودية ودول اخرى كالمغرب ومصر وتوظيف العمالة العراقية

سادسا : تشجيع الصناعة الوطنية بكل اشكالها ونوع ملكيتها وادارتها وحجمها و تقديم القروض الطويلة والقصيرة الامد في السداد.

سابعا: تفعيل دور مجلس الخدمة من اجل استيعاب اعداد البطالة وتقليصها قدر الإمكان وتوزيع الاختصاصات على الوزارات المعنية القطاع العام و مؤسسات القطاع الخاص والزامها بتعيينهم في الدرجات الشاغرة حسب الكفاءة وليس القرابة للمسؤول

ثامنا : تسهيل مهمة الاستثمارات الاجنبية وانهاء الاجراءات باسهل واقصر الطرق وقطع الطريق امام الفاسدين من استغلال المستثمرين الراغبين بالعمل في العراق وتوفير بيئة نقية لهم امنية واقتصادية .

تاسعا: انشاء صندوق دائم للاستثمار من عائدات البترول يسمى صندوق الاجيال تحدد نسب الادخار به حسب الاسعار السائدة ويباشر العمل فورا في دعم وتشغيل المصانع المعطلة والورشات والمعامل الخاصة والحكومية ،شرط ان لا تستخدم عائدات هذه المشاريع الا من اجل التوسع وزيادة النشاط الصناعي

وفي الختام لابد من توفر الارادة الوطنية الفاعلة والتي تتمثل في دائرة محددة من الاختصاصات سميها ما شئت هيئة دائرة تضم الاختصاصات المختلفة تاخذ على عاتقها دراسة احتياجات البلاد الاساسية و تنظيمها حسب اهميتها ودراستها ميدانيا وفتح ابوابها امام المواطنين والاستماع الى آراءهم وما لديهم من حلول ووضع الحلول العلمية وليس الاعلامية فقط على اهمية الثانية وبالتالي العمل بشكل ستراتيجي في وضع الخطط والبرامج والارقام وتحمل الجهات المعنية المسؤولية في التنفيذ والتخطيط معا .كما لا ننسى مشاركة القطاع الخاص بكل طاقاته المتاحة .

التعليقات معطلة.