دعت الباحثة آنا بورشيفسكايا في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” الأميركي ادارة الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن الى تبنى سياسية استراتيجية تجاه العراق حيث يتزايد نفوذ كل من الصين وروسيا في هذا البلد.
وكتبت بورشيفسكايا انه مع اقتراب موعد تنصيب بايدن في 20 كانون الثاني/يناير 2021، ما يزال نهج إدارته تجاه العراق غير مؤكد، ففي التصريحات العلنية التي أدلى بها حتى الآن، لم يذكر الشيء الكثير عن العراق باستثناء التعهدات بإنهاء “الحروب الأبدية” وسحب القوات الاميركية من الشرق الأوسط مع الإقرار بضرورة إبقاء بعض القوات نظراً للتهديد الإرهابي في سوريا والعراق.
وتابعت الباحثة انه سيكون من غير الواقعي توقع أن يكون العراق على رأس جدول أعمال بايدن نظراً للأولويات الاميركية المحلية المهيمنة ورأس المال السياسي المحدود بشكل عام عندما يتعلق الأمر بالعراق. ومع ذلك، يرى بايدن، وأنتوني بلينكين، الذي اختاره بايدن وزيراً للخارجية ووُصف بأنه “أقرب مستشاريه وأكثرهم ثقة”، أن روسيا والصين تندرجان ضمن أولويات السياسة الخارجية، ولذلك لديهما فرصة لتبنّي نظرة استراتيجية طويلة تجاه العراق. ومع استمرار السياسة الخارجية الاميركية في التحوّل نحو المنافسة بين القوى العظمى، فلن يؤدي دعم الأمن والديمقراطية في العراق إلى كبح المطامع الإيرانية فحسب، بل طموحات روسيا والصين أيضاً.
واشارت الى أن الهدف الأساسي للمشروع الاقتصادي الصيني المعروف بـ “حزام واحد طريق واحد” هو جيوسياسي في النهاية – حيث تسعى الصين إلى إبراز دورها كقوة عظمى عالمية، مضيفة أن الشرق الأوسط برز في السنوات الأخيرة كأكبر مُورِّد للهيدروكربونات إلى الصين، هو ساحة استراتيجية جوهرية في المخططات الاستراتيجية العالمية لبكين. وتابعت أن بكين تتطلع بشكل متزايد إلى ترسيخ مكانة رئيسية لها في العراق – ليس فقط بسبب احتياطيات النفط الهائلة للبلاد، بل ربما الأهم من ذلك، موقعها الاستراتيجي، وهو أمر حاسم لتأسيس مركز مهيمن يربط طرق التجارة بين أوروبا وآسيا.
واوضحت بورشيفسكايا انه سبق للصين أن دخلت في شراكة مع إيران، مشيرة الى انه من خلال إلقاء نظرة سريعة على خريطة “حزام واحد طريق واحد” تُظهر هذه الخريطة أن إيران تشكل نقطة ارتكاز إقليمية رئيسية في هذه الخطط، مضيفة ان الصين بحاجة إلى العراق أيضاً.
ولهذا الغرض، كتبت الباحثة في المعهد الاميركي فقد عززت بكين وجودها بهدوء في العراق في السنوات الأخيرة حيث برزت الصين كأكبر شريك تجاري للعراق، متقدمة حتى على “الاتحاد الأوروبي” والولايات المتحدة، كما ان العراق هو أيضا ثالث أكبر مُورِّد للنفط الخام للصين بعد السعودية وروسيا، فيما تعمل الشركات الصينية في العراق، بما في ذلك في حقول النفط في الجنوب، وتنخرط في خدمات مثل صيانة محطات الطاقة.
ويلاحظ العراقيون أن بعض رجال الأعمال الصينيين يتحدثون العربية والكردية بطلاقة، وصولاً إلى اللهجات المحلية، الأمر الذي يبرز التزامهم (بالمهمة التي أُرسلوا من أجلها). ومن أوضح الدلالات على دور الصين المتعاظم في العراق أن رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي وقّع العام الماضي مذكرة تفاهم بقيمة 10 مليارات دولار مع الصين لتقديم القروض للعراق، وعُرفت باتفاقية “النفط مقابل الإعمار” – حيث سيقوم العراق بتزويد الصين بـ 100,000 برميل نفط يومياً مقابل مشاريع البنية التحتية التي تنفذها الشركات الصينية.
اما بالنسبة الى روسيا، فانها بحسب تقرير “معهد واشنطن، تستمر في التركيز على مزاياها النسبية في العراق، أي على الأسلحة والطاقة والصلات مع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، ضمن الرؤية الأوسع لمنافسة القوّة العظمى مع الولايات المتحدة. فموسكو، مَثلها مثل الصين، ليست بالضبط في الصدارة في العراق، لكن مصالحها والتنافس على النفوذ سيستمران في هذه القطاعات.
واشارت الى انه في السنوات القليلة الماضية تم التركيز الكثير من الاهتمام على صفقة “روسنفت” الروسية في كوردستان، ومن المؤكد أنها مهمة من الناحية الاستراتيجية؛ لكن هذا ليس كل شيء. وتهتم شركات الطاقة الروسية الأخرى مثل “لوك أويل” أيضاً بتوسيع مشاركتها. والأهم من ذلك، أن الصين تنظر إلى روسيا كنموذج عسكري، وليس عكس ذلك، وفي النهاية، تتعاون روسيا والصين أكثر بكثير مما تتنافسان؛ وكلاهما شريكان أيضاً مع إيران.
ومن جانبهم، بحسب بورشيفسكايا ، يواصل العراقيون النظر إلى روسيا على أنها دولة تتفهم خطر الإرهاب السني. كما أنهم يرون أن كلاً من الصين وروسيا أكثر استعداداً للمخاطرة من الغرب عندما يتعلق الأمر بالعمل في بيئات خطرة وغير مستقرة، حتى وإن كانوا يفضلون رؤية المزيد من الانخراط الاميركي، والغربي على نطاق أوسع.
ولهذا تساءلت الباحثة في “معهد واشنطن”: ماذا يعني كل هذا بالنسبة للولايات المتحدة؟
وقالت “أولاً، في حين أن واشنطن قد تعتبر الشرق الأوسط على أنه تشتيت الانتباه عن منافسة القوة العظمى، إلّا أن كبار منافسي اميركا ينظرون إلى المنطقة ككل، والعراق على وجه الخصوص، عبر منظار استراتيجي واسع – فالعراق بالنسبة لهم بمثابة جائزة”.
ثانياً، كتبت بورشيفسكايا “إن النفوذ المتزايد لتلك الأطراف الفاعلة في العراق سيتيح لها رسم معالم البلاد – وبالتالي المنطقة بأكملها – وفقاً لقيمها ومصالحها، والتي تتعارض مع قيم الغرب ومصالحه”.
وخلصت الى القول إن مشاكل العراق عميقة، ومع ذلك تتمتع البلاد بإمكانات مذهلة للنمو لتصبح واحدة من أكثر الدول تطوراً في المنطقة، وبالتأكيد، لا تريد طهران بزوغ عراق كهذا، لكن حتى موسكو وبكين لا تريدانه في النهاية، طالما أن مصالحهما مضمونة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا، كونها شريكاً تجارياً مهماً للعراق، تساهم أيضاً في انعدام الأمن في العراق. إن السماح لإيران وروسيا والصين بالسيطرة على العراق لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، فهذه الدول لن تستثمر في أهم موارد العراق – أي شعبه”.
وقالت بورشيفسكايا “ليس ثمة ما يدعو إلى أن يكون العراق على رأس أولويات السياسة الخارجية الاميركية، لكن الاستثمار في أمن العراق ووحدته وديمقراطيته سيُظهر حنكة سياسية حقيقية. ومع استمرار موجة الاستبداد في المنطقة في التنامي، سوف يسهم الانخراط في ضمان المصالح الأمنية والجيوسياسية للولايات المتحدة والتي ستتردد أصداؤها إلى ما هو أبعد من العراق”.