في معرضه بالقاهرةالاثنين – 18 رجب 1442 هـ – 01 مارس 2021 القاهرة: رشا أحمدما هو الفن؟ تتعدد التعريفات التي تجيب عن هذا السؤال الذي هو بلا شك ليس بالبساطة التي يبدو عليها، وبعيداً عن التعقيدات الأكاديمية المتخصصة، ثمة تعريف بسيط وواضح يحظى بشبه إجماع بين المتخصصين: إنه العمل الذي تتلقاه فتصبح في حالة شعورية ونفسية مختلفة تماما عما كنت عليه قبل عملية التلقي تلك.ويعد معرض «موعد ملون» للفنان التشكيلي العراقي نبيل علي والذي يستمر بغاليري «الكحيلة» بحي المهندسين (غرب القاهرة) حتى الثاني من مارس (آذار) المقبل، تجسيداً عمليا لهذا التعريف النظري… البهجة والرعب عنصران متناقضان يجمع بينهما الفنان الشاب في فضاء سريالي بخطوط قوية حادة على نحو يهزك من الداخل فيما يشبه الصدمة الجمالية والشعورية فتتبدد لديك حالة السكون والطمأنينة التي كانت تتلبسك منذ قليل.وجوه مشوهة لبشر أصبحت ملامحهم تجمع بين الخفاش والقرود ولم يعد يربطهم بالبشر سوى جسد مهترئ يتخذ وضع السقوط بالمعنى المجازي والحرفي معا. أحيانا تبدو هذه الوجوه متماسكة ولو ظاهرياً، تحاول أن تعطينا انطباعا خادعا برباطة الجأش، وفي أحيان أخرى، تطلق لنفسها العنان فتصرخ بقوة وقد تجمعت كل معالم الألم في ملامحها معبرة عن شيء ما، غامض وسري، أثار رعبها وأفقدها طمأنينتها فجأة!وإذا كان مصطلح «السريالية» يشير إلى حركة فنية تعني حرفيا «ما فوق الواقع» وتستهدف التعبير عما يجول في العقل الباطن من أفكار بشكل لا يخضع للنظام أو المنطق، فإن نبيل علي يعيد توظيف هذا الأسلوب انطلاقا من الواقع المعيش، إذ يتجلى هذا المعنى على سبيل المثال في تلك اللوحات التي تصور عجائز أو مرضى في أيامهم الأخيرة ومع ذلك نراهم يتشبثون بالكرسي، رمز السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية العامة وحتى لو تحول «الكرسي» إلى كرة من اللهب تحرقهم دون أن يشعروا.لذلك يقف زائر المعرض أمام شخصيات مشوهة تتظاهر بالبراءة، فتلعب لعبة القفز بالحبل أو تصنع دائرة طفولية متشابكة الأيدي أو تسافر ممتطية ظهر سلحفاة، لكنها في النهاية لا تتنازل عن أنانيتها الأبدية -ولا بد هنا من التوقف أمام تلك اللوحة التي تصور العراق على هيئة رجل هش رقيق ينبت له جناحان في ظهره ويمسك بلوحة تحتوي على بيانات الهوية ومنها «مواليد 4000 سنة قبل الميلاد».ولا يخفي نبيل علي أن هموم العراق حاضرة بقوة في هذا المعرض، مشيراً إلى أنه كفنان عراقي لا يملك رفاهية الإبداع الفني لمجرد الفن، فالواقع ببلاده يحاصره لا شعوريا حين يمسك بالفرشاة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المشهد اليومي في العراق لا يخلو من دواعي ومبررات الحزن والألم لا سيما على صعيد الانقسام الداخلي والصراعات شبه اليومية وهو ما ينعكس على أعمالي بقوة سواء بوعي مني أو بدون وعي».لكن الصورة ليست قاتمة هكذا طوال الوقت، فعلى الجانب الآخر يوجد العديد من اللوحات التي تحتفي بالبهجة وتبشر بالمستقبل عبر ألوان قوية ساخنة تبدو مثل شمس صغيرة تشرق بالأمل وخطوط ناعمة تذوب رقة، نجد مثل هذه الأصداء في أكثر من عمل كما في تلك اللوحة التي تجمع بين شاب وفتاة يجمع بينهما الحب وهما ينظران للغد بعين الرضا بينما حفنة من الجياد تركض فوقهما نحو المستقبل بثقة وثبات.وتعود «ثيمة» الحب للظهور مرة أخرى عبر نفس الثنائي وهما يركبان دراجة هوائية في نزهة تخترق الشوارع والبيوت، وتعود البهجة لتتجلى ثانية عبر حفنة من النسوة اللاتي يجمعن بين الجمال والشموخ ويسرن على الطريقة رافعات شعار «واثق الخطوة يمشي ملكا».يضم المعرض 30 عملا متفاوت الأحجام ما بين ضخم يشبه الجدارية ومتوسط وصغير، وتهيمن ألوان الأكرليك على الخامات في أعمال تمزج أحيانا ما بين السريالية والتعبيرية. ورغم النضج الذي يبدو عليه نبيل علي، ربما يكون مفاجئا للبعض أن الرجل من مواليد 1980 ببغداد حيث حصل كل من دبلوم معهد الفنون الجميلة ثم بكالوريوس الفنون الجميلة. وبالإضافة لعضويته في نقابة التشكيليين العراقيين، فإنه يعمل أستاذا في الجامعة المستنصرية وتحديدا في كلية التربية الفنية.وسبق لنبيل علي أن أقام في القاهرة معرضين شخصيين له، هما «قوارب ورقية» 2017 و«أسفار» 2020. وعن علاقته بالعاصمة المصرية، يقول: «القاهرة تمثل بالنسبة لي العاصمة الأولى للفن العربي بجميع أنواعه كما أنها نقطة الانطلاق نحو العالمية بالنسبة لجيلنا».
التعليقات معطلة.