أضواء كاشفة: حتى نعبر الأزمة بسلام
ناصر بن سالم اليحمدي:
مرَّت أيام عيد الفطر هذا العام مثل سابقتها وسط العزلة والتباعد الاجتماعي والإجراءات الاحترازية المشددة لتجنب العدوى بفيروس كورونا الشرس، واقتصرت التهاني والتبريكات عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي بالصوت أحيانا وبالصوت والصورة أحيانا أخرى، ومع ذلك لم يفتر الأمل في قلوبنا أن تشهد الأعياد والمناسبات القادمة تقاربا اجتماعيا وعودة للمَّة العائلة حول طاولة واحدة وفي مجلس واحد.
المؤسف أنه رغم كل هذه الاحترازات من قبل الكثير من أبناء الشعب الوفي ما زالت هناك قلة لم تلتزم بالإجراءات الوقائية، وخاطرت بحياتها وحياة الآخرين من أجل الحصول على متعة اللقاء والشعور بفرحة العيد فأصيبت بالفيروس، وتحولت فرحتها لحسرات وندم بدليل إعلان وزارة الصحة عن تسجيل 45 حالة وفاة جديدة و2788 إصابة بفيروس كورونا خلال إجازة عيد الفطر، وهو ما أصابنا بالحزن والقلق، فهذه الأرقام مرتفعة والمبرر الوحيد لها هو ربما التهاون في الالتزام بالإجراءات الاحترازية خلال إجازة العيد والأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك.
إن الدولة منذ بداية الأزمة وهي تسعى جاهدة لاحتوائها، وتعاملت معها بحرفية عالية، وجهودها في هذا المجال ملموسة وواضحة للعيان، ويكفي أن اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا “كوفيد19″ قررت حظر إقامة التجمعات أيا كان نوعها، سواء كانت أعراسا أم مجالس عزاء؛ لأن التجمعات بصورها المختلفة تسهم في تفشِّي العدوى مهما حرص المشاركون فيها على ارتداء الكمامات أو التعقيم كل فترة.. فقد سمعت من صديق لي أنه يريد أن يذهب لتقديم العزاء في وفاة أحد أقاربه وعندما طالبته بعدم الذهاب حتى لا يصاب بالعدوى قال لي إنه سيرتدي الكمامة، وسيحمل زجاجة كحول يستخدمها بين الحين والآخر اعتقادا منه أنه بهذه الطريقة سيقي نفسه من العدوى رغم أن ذلك غير مضمون بالمرة.
لا شك أن مثل هذه العقليات تسهم في تفشِّي المرض خصوصا مع ظهور سلالات جديدة من الفيروس أشد فتكا وعدوى، وتحتاج إلى التحوط أكثر حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة، فالموجة الثالثة تتصاعد بشكل حاد والأوضاع حرجة وتحتاج لتكاتف الشعب مع الدولة حتى تعود منحنيات الإصابة إلى الهبوط مرة أخرى.
لقد بح صوت اللجنة العليا وهي تدعو للالتزام بقراراتها الصارمة للغاية، ومع ذلك ما زالت هناك فئة من المستهترين لا تعير التعليمات الاهتمام الكافي، وتتساهل في الالتزام بإرشادات السلامة والوقاية، وهذا يتطلب زيادة الوعي المجتمعي بخطورة الوضع الذي نعيش فيه إلى جانب تشديد الرقابة من قبل الجهات المعنية خصوصا على التجمعات حتى نستطيع محاصرة الجائحة والحدَّ من خسائرها.. فالوضع خطير ويحتاج من الجميع التضحية حتى نعبر الأزمة بسلام.
* * *
المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون من قبل العدو الإسرائيلي الغاشم على مرأى ومسمع من العالم أجمع وصمة عار على جبين الإنسانية.. ونداءات الشجب والإدانة والمطالبات الشفوية بوقف هذه المجازر والتي خرجت على استحياء من معظم دول العالم لم تهز لكيان الاحتلال الإسرائيلي شعرة، فهي ما زالت ماضية في غيها وطغيانها وتشن غاراتها يوميا والتي يقع ضحيتها العشرات من أبناء فلسطين المناضلين والمرابطين دفاعا عن حقهم المشروع في الأرض والديار.
لقد أطلقت إسرائيل حربها المستعرة ظنا منها أنها تستطيع من خلالها أن تجبر الفلسطينيين على مغادرة أرضهم، واعتقدت كذلك أن صواريخها الذكية وجيشها المدجج بأحدث الأسلحة يستطيع أن يرهب الفلسطينيين العزل المستضعفين، وأنهم سيفرون خارج الأرض خوفا من تلك الأسلحة وهربا من الموت.. وتناست أن العزيمة التي في قلوبهم وحبهم الشديد لوطنهم ودفاعهم عنه حتى آخر قطرة من دمائهم والحق الذي يمتلكونه في الحفاظ على أرضهم أقوى بكثير من تلك الأسلحة، فهي لن تستطيع سلب حقوقهم مهما اتبعت من أساليب وحشية ترقى لجرائم حرب من هدم للبيوت وقتل للبشر واستهداف للعزل والنساء والأطفال والشيوخ وتدنيس للحرم القدسي الشريف.. فعزيمة الفلسطينيين لا تلين وصبرهم لا ينفد وحتما سيأتيهم النصر يوما.
إن إسرائيل تثبت دوما أنها لا تستفيد من دروس التاريخ.. فالفلسطينيون منذ أن جثا الاحتلال الغاشم فوق صدورهم لم يستسلموا يوما أو تفتر عزيمتهم وما زالوا صامدين حتى الرمق الأخير من حياتهم، وبالتالي فإن اتباع وسائل القوة الغاشمة لن تجدي نفعا معهم والحل هو إعادة الحق لأصحابه والجلوس حول مائدة المفاوضات وتمكين الفلسطينيين من دولتهم المنشودة، أما عدا ذلك فغير مقبول ولن يحل الأزمة بل ستزداد تعقيدا مع مرور الأيام.
على إسرائيل أن تعي جيدا أن فلسطين باقية ما بقيت الأرض، وأنها لن تموت مهما استخدمت من أسلحة فتاكة لأنها في قلوب المسلمين جميعا وليس الفلسطينيون وحدهم فدماء الشعوب الإسلامية تغلي في كل مكان بالكرة الأرضية والمليارات من رسائل الدعم التي حاولت إدارات وسائل التواصل الاجتماعي حجبها تؤكد على أن المسلمين لم ينسوا يوما فلسطين وحرمها القدسي الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
إن ما ترتكبه إسرائيل من مجازر لن يشوه صورة الفلسطينيين كما تسعى عبر أبواقها الإعلامية المأجورة التي تتهمهم زورا وبهتانا بالإرهاب، بل سيظهر وجهها القبيح وانعدام الإنسانية من مبادئها.. لذلك على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في أسرع وقت ممكن، وإجبار إسرائيل على وقف عدوانها الهمجي والضغط لمنح الفلسطينيين دولتهم المعترف بها دوليا وعاصمتها القدس الشرقية.. هذا إذا كان ما زال هناك بقية من ضمير عالمي.