محاكمة الموقف الاردني من احداث فلسطين الأخيرة

1

جهاد المومني

الأحد 23 أيار / مايو 2021.

تعالوا نحاكم الموقف الاردني من انتفاضة القدس وجرائم اسرائيل في غزة ، هذا الموقف الذي يتعرض للانتقاد والتشويه وللكثير من الدس والتشكيك على قاعدة ان ارخص الكلام في هذا الزمن هو مجاني العرض على منصات التواصل الاجتماعي حيث تقوم الثورات وتحرر الاراضي وتسقط الانظمة دون ان يتحرك ( الناشط ) عن مقعده ،فما اسهل المطالبة بفتح الحدود الغربية مع دولة الاحتلال ،غير ان الاصعب من ذلك اجتياز الحدود والاقدام على مواجهة ،وما اسهل المطالبة بشن حرب على اسرائيل لكن من الذي سيدفع الثمن ويتحمل النتائج ، والأسهل من ذلك كله المطالبة بطرد السفير وقطع العلاقات مع اسرائيل والغاء اتفاقية وادي عربة ،ولكن من سيتحمل نتائج مثل هذا القرار البسيط بالنسبة للمواطن العادي المتوهج حماسة لفعل اي شيء للرد على اسرائيل ولكنه القرار الصعب بالنسبة لأي مسؤول يعرف تبعات القرار وصداه على مستوى العالم ،هل سيجتمع مجلس النواب ليقرر الغاء الاتفاقية كما اقرها قبل اكثر من نصف قرن ،ماذا لو فعل الاردن ذلك وقررت اسرائيل التصرف مع الاردن على هذا الاساس واكتفت برد لا يكلفها اكثر من مجرد قرار ادانة من العالم الذي يدعي التحضر واحترام حقوق الانسان وضمن الاتفاقية المبرمة بين الاردن واسرائيل ،ماذا لو اقدمت اسرائيل على قطع مياه طبريا المسروقة اصلا عن الاردن والتي نحصل عليها بضمانات ورقية ضمن الاتفاقية ،او قررت الولايات المتحدة – وهذا ما ستفعله بكل تأكيد – قطع المساعدات المالية عن الاردن ومعظمها مشروط بوجود اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية.
قد تدفعنا الحمية الى الغضب وادعاء القبول بتحمل أي ثمن لقاء نصرة اهلنا في فلسطين بالقوة وليس فقط بالمواقف السياسية غير المكلفة كما هي مواقف الكثير من الدول العربية ،مع ان المواقف الاردنية لم تكن في يوم من الايام مجرد كلام وبيانات صحفية ،والاردنيون يصدقون القول عندما يتدافعون للقتال الى جانب اخوانهم العرب ،ولنتذكر مواقفهم من العراق في العام 1991 ،ولنتذكر ايضاً مواقف الدولة الاردنية في تلك الايام والسنوات العصيبة التي تعرضنا فيها الى حصار اميركي حقيقي ولم تشفع لنا علاقاتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ،في تلك الازمة الخانقة اتفق الموقفان الرسمي والشعبي كما هما الآن مما يجري في فلسطين ،لكن مرة اخرى ارخص الكلام هو المجاني ،وارخص المواقف تلك التي لا ترتب على اصحابها اية مسؤولية على عكس المسؤولية التي تتحملها الحكومات ،فالمواطن يستطيع ان يطالب بما يراه ويشعر به بمشاعره وليس بعقله وهذا حق له ،اما الدولة المسؤولة فتتصرف وفق مصالحها ومصالح شعبها حتى لو كانت تتعرض هي ذاتها الى حرب حقيقية وليست مجرد حرب باردة كالتي تشنها اسرائيل وحلفاؤها العرب على الاردن .
من قال ان اسرائيل لا تريد من الاردن ارتكاب الخطاً الاستراتيجي بالغاء اتفاقية وادي عربه من جانب واحد ،ومن قال ان اسرائيل لا تريد قطع القنوات الدبلوماسية مع الاردن تحديداً ،الدولة العنيدة في مواجهة مخططاتها بالطرق الدبلوماسية الاكثر الحاقاً للضرر باسرائيل امام المجتمع الدولي وفي مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الاميركية بل وفي عقر دارها امام معسكر السلام الاسرائيلي .
ان اي محلل سياسي سيجد نفسه بالمنطق يميل الى هذا الاعتقاد لدرجة القناعة بأن اسرائيل تتحين فرصة اقدام الاردن على تسليم ورقة الاتفاقية والعلاقات الدبلوماسية مهما كانت هشة كي تتخلص من قيد ملزم لها باحترام حقوق الاردن والتي هي بالمحصلة تتوائم مع حقوق الشعب الفلسطيني ومصالحه في قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
ان ما تفعله اسرائيل كل يوم هي عمليات استفزاز متواصلة من خلالها تحقق أكثر من هدف ،اولها دفع الاردن الى حافة الهاوية واحراجه امام شعبه وامام الفلسطينيين بمحاولات نزع قدراته وتأثيره على الصعيدين الاقليمي والدولي ، وقد تكون اسرائيل قد نجحت في هذه الغاية خلال هذه الحرب على غزة ،لكنه نجاح مؤقت فالاردن يملك جذوراً عميقة في علاقاته مع دول العالم المؤثر ولسوف يستعيد الاردن دوره كاملاً ولن تكون اسرائيل قادرة على الاطاحة بدور الاردن وهيبته واحترام العالم له ما دام الدولة التي تتمسك بالسلام العادل لجميع الاطراف وبالحق الفلسطيني بموجب قرارات الشرعية الدولية ،الهدف الثاني لاسرائيل اضعاف ثقة الاردنيين بموقف دولتهم وزعزعة هذه الثقة باستمرارها انتهاك حرمة المقدسات والاعتداء على المصلين والاقتحامات اليومية للمسجد الاقصى وكل هذا بهدف ايصال رسالة الى الاردنيين بأن حكومتهم غير قادرة على حماية هذه المقدسات وبالتالي تشكيل حالة من الضغط الشعبي المتواصل لاجبار الاردن على التخلي عن ذراعه الاقوى وهي الدبلوماسية والحنكة السياسية التي يستغلها جلالة الملك من اجل افشال المخططات التآمرية الكبيرة على القضية الفلسطينية ، وما تدبره اسرائيل لتحريك الغضب الشعبي ،اضافة الى دسائس ذراعها الاستخباري على السوشال ميديا ، ليس أكثر من مجرد استفزازات هي اقصى حدود ما تستطيع فعله امام قوة اتفاقية السلام المتضمنة اعترافها بالوصاية الهاشمية على المقدسات وهذه الاتفاقية تضمنها القوة العظمى الوحيدة في العالم الولايات المتحدة الاميركية التي تحرك اسرائيل كيفما تشاء ولا تستطيع اسرائيل تجاوز نفوذها عليها .
قد تتحين اسرائيل الفرصة لإقدام الاردن على ارتكاب خطأ كالغاء الاتفاقية من جانب واحد ،عندئذ سنكون المذنبين امام كل العالم الذي لم يقف معنا الا لأننا وقعنا اتفاقية سلام هي في محصلة الامر لصالحنا وليست لصالح اسرائيل التي لا تريد السلام لا مع الاردن ولا مع سوريا ولا مع لبنان لكنها حتماً تريد هدنة كي تتمكن من قضم الارض وتهويد القدس والتنكيل بالفلسطينيين واجبارهم على القبول بالامر الواقع ،نحن نتمسك بما يخدم مصالحنا ومصالح الاشقاء الفلسطينيين من اتفاقية السلام ،فلا تطبيع ولا علاقات طبيعية مع الكيان المحتل لكن هناك التزامات لا تحترمها اسرائيل الا مرغمة ما دمنا نتمسك بالاتفاقية ونضعها امام الاميركيين كلما ارتكبت اسرائيل حماقة او انتهكت بنداً من بنودها، فاتفاقية وادي عربة هي بمثابة قيد الكلب الذي يمنعه من التعرض للجيران والاعتداء عليهم ما دام قادراً على ذلك ،وهذا القيد يوثقه الى واشنطن التي تمسك بالطرف الآخر .

التعليقات معطلة.