العنف بين «حماس» وإسرائيل: السياق والمسار

2

بواسطة لوسي كيرتزر إيلينبوجنإيهود يعاريغيث العمري١٨ مايو ٢٠٢١

Lucy Kurtzer-Ellenbogen

لوسي كيرتزر إيلينبوجن

لوسي كيرتزر إيلينبوجن تدير “برنامج الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” في “معهد الولايات المتحدة للسلام”، حيث تركز على التفاعل بين المجتمع المدني لكل جانب وجهود بناء السلام والدبلوماسية الرسمية.

إيهود يعاريإيهود يعاري هو زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن

Ghaith al-Omari

غيث العمريغيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن.تحليل موجز

يبدو الشعور باليأس بين الإسرائيليين والفلسطينيين أقوى من أي وقت مضى، حيث يعتقد العديد من المواطنين من كلا الجانبين أن حل النزاع أمر مستحيل. وفي هذا الصدد، يناقش ثلاثة خبراء أسباب الأزمة وتداعياتها السياسية، من بينها خيارات واشنطن لخفض التصعيد.

“في 14 أيار/مايو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع لوسي كيرتزر إيلينبوجن وإيهود يعاري وغيث العمري. وكيرتزر إيلينبوجن تدير “برنامج الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” في “معهد الولايات المتحدة للسلام”. ويعاري هو “زميل ليفر الدولي” في معهد واشنطن ومقيم في إسرائيل، ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في “القناة الثانية” في التلفزيون الإسرائيلي. والعمري هو زميل أقدم في المعهد والمدير التنفيذي السابق لـ “فريق العمل الأمريكي بشأن فلسطين”. وفيما يلي ملخص المقرر(ة) لملاحظاتهم”.

لوسي كيرتزر إيلينبوجن

يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون معاناة شديدة، ويؤكد التكرار المأساوي المتأصل في هذه الأحداث على الحاجة الملحة إلى تحديد مسار للمضي قدماً. ومع ذلك، تُعتبر دورة العنف الراهنة فريدة من نوعها لعدة أسباب.

أولاً، يوجد حالياً فراغ سياسي لدى كلا جانبَي الصراع. فقد تفاقمت المكانة الضعيفة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بسبب قراره الأخير بتأجيل الانتخابات النيابية، مما أتاح لـ «حماس» الاستفادة من العنف وإضفاء الشرعية على نفسها باعتبارها “المدافع عن القدس”. وإلى جانب انتزاع المساعدات الاقتصادية والإنسانية من المجتمع الدولي، تسعى «حماس» جاهدة إلى الاستحواذ على عباءة القيادة الفلسطينية.

وفي موازاة ذلك، أُضعف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب الجولات الانتخابية الأربع والمطالب الصاخبة بشكل متزايد من حركة قومية يمينية متشددة. ولعل أفضل ما في الأمر بالنسبة لـ «حماس» هو أن عدم الاستقرار الداخلي بدأ يتزعزع الآن في مدن إسرائيلية مختلطة من السكان اليهود والعرب. في الوقت نفسه، لا يبدو أن توقيع “اتفاقيات إبراهيم” قد غيّر مواقف الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة أو تصرفاتها.

ثانياً، يبدو الشعور باليأس بين الإسرائيليين والفلسطينيين أقوى من أي وقت مضى، حيث يعتقد العديد من المواطنين من كلا الجانبين أن حل النزاع أمر مستحيل. وما يجعل هذا التوجّه أكثر إثارةً للقلق هو أن المواقف المتشددة هي السائدة بين الشباب.

وفي المرحلة الراهنة، تدرك إدارة بايدن أن هناك القليل من الفوائد السياسية التي يمكن جنيها من خلال الاستثمار المكثف للموارد الدبلوماسية الأمريكية في محاولة لحل النزاع، وأن الأولوية القصوى الآن هي وقف إطلاق النار. ومع ذلك، لا يزال على واشنطن أن تفعل ما في وسعها لوضع مسار واضح وبنّاء نحو حل الصراع في النهاية. وهذا يعني إعادة التفكير فيما يعنيه نزع صفة الأولوية عن القضية الإسرائيلية-الفلسطينية. وفي المرحلة القادمة، من الضروري أن تعمل الإدارة الأمريكية على تعيين موظفين مناسبين في المكاتب الحكومية، وإعادة إنشاء قنوات تواصل فعالة، وإعطاء الأولوية لإجراءات الوقاية من التصعيد. إن السماح بتفاقم الديناميكيات المتعلقة بالقدس وغيرها من القضايا سيؤدي ببساطة إلى استمرار دوامة العنف.

والجدير بالذكر أن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل أضاعت فرصاً لتمكين عباس وتشجيعه ليكون بديلاً معتدلاً عن «حماس» – وهي مشكلة ازدادت تعقيداً بسبب عدم قدرة واشنطن على التعامل مباشرةً مع «حماس». ولكي تكون إدارة بايدن وسيطاً فعالاً، عليها الانخراط بشكل وثيق مع الفلسطينيين، وليس مع إسرائيل فقط. ومن جانبهم، على الإسرائيليين معالجة الحماسة القومية لجناحهم اليميني المتطرف.

إيهود يعاري

تختلف هذه الجولة من القتال [عن سابقاتها] لأسباب عديدة. أولاً، كان الطرفان مستعدين للمواجهة. فقبل ثلاثة أسابيع حذرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الحكومة [في القدس] من استعداد «حماس» لشن هجمات؛ ونتيجة لذلك، نظر نتنياهو وحكومته في القيام بعمل عسكري استباقي ولكنهم قرروا عدم فعل ذلك. وعلى الجانب الآخر، لعب قائد «كتائب عز الدين القسام» محمد الضيف دوراً رئيسياً من خلال توجيهه قوات «حماس» بشكل مستقل.

ثانياً، امتد الصراع إلى عرب إسرائيل الذين يشكلون حوالي 20 في المائة من سكان البلاد. فقد انجرّ الكثير من الشباب العرب الإسرائيليين إلى دوامة العنف، ودُمّرت العديد من الأعمال اليهودية.

ثالثاً، كان للصراع تداعياتٌ فورية على السياسة الداخلية الإسرائيلية. فمن خلال التحريض على المواجهات، ساهمت «حماس» في إسقاط “ائتلاف التغيير” الناشئ المناهض لنتنياهو بقيادة نفتالي بينيت ويائير لابيد. ومن المفارقات أن الفلسطينيين قد يكونون هم الذين منحوا نتنياهو فترة ولاية إضافية، لأن تشكيل حكومة بديلة أصبح غير مرجح الآن.

ونشأ الصراع جزئياً بسبب سلوك الشرطة الإسرائيلية، التي منعت الشبان الفلسطينيين من التجمع عند بوابة نابلس بعد موعد الإفطار في رمضان. وكان هذا القرار خطأً ارتكبه مفوّض شرطة عديم الخبرة. وكانت الإجراءات اللاحقة التي اتخذتها الشرطة لمنع الشبان الفلسطينيين من إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة في محيط المسجد الأقصى أكثر روتينية، بينما كانت القرارات التي اتخذها نتنياهو مع تطور الوضع معتدلة ومسؤولة إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك، ما أن احتدم الصراع، استخدمه نتنياهو لمصلحته.

وفي هذه المرحلة، كانت «حماس» قد تكبدت خسائر عسكرية فادحة لم تذكرها وسائل الإعلام الأمريكية بشكل كامل. ولا يُعرف عدد القتلى من مسلحي الحركة بشكل إجمالي، لكن عندما أعلنت إسرائيل عن [قيامها] بعملية برية في قطاع غزة وحرّكت الدبابات والمدفعية والمشاة على طول الحدود، خرج المئات من عناصر «حماس» من مخابئهم ولقوا حتفهم. كما تضررت معظم مواقع إنتاج الصواريخ التابعة للحركة، ودُمّرت معظم مقراتها تحت الأرض.

ومن غير المستغرب أن «حماس» ما زالت تريد وقف إطلاق النار من أجل الحفاظ على هيمنتها على المشهد الفلسطيني. وعندما يحين ذلك الوقت، يجب أن تكون شروط وقف التصعيد واضحة لكلا الجانبين. ومع ذلك، فأثناء كتابة هذه السطور من المرجح أن يستمر القتال لبضعة أيام أخرى لأن «حماس» لا تزال تريد إصابة هدف استراتيجي إسرائيلي كبير. لكن بسبب شدة الهجمات التي تتعرض لها، فإن خياراتها محدودة للغاية في هذا الصدد.

ويُعرب الكثير من المراقبين عن تقديرهم للمقاربة التي تتبعها إدارة بايدن حتى الآن، على الرغم من أنه لا يجدر بالولايات المتحدة الانخراط في مفاوضات وقف إطلاق النار. ومن جانبهم، يجب على المسؤولين الإسرائيليين إخبار الوسطاء بأنهم سيعيدون تقييم الترتيبات القائمة مسبقاً، بما في ذلك تمويل قطر والأمم المتحدة لغزة. أما بالنسبة للخطوات المقبلة للسلطة الفلسطينية، فلا يبدو أن عباس ومَنْ حوله مهتمون بحل الصراع لأنهم غير قادرين على التوصل إلى حل وسط حول قضايا الوضع النهائي. وبالتالي، يجب على الجهات الفاعلة الإقليمية والولايات المتحدة الاستعداد لمرحلة ما بعد عباس.

غيث العمري

تقف ثلاث ديناميكيات رئيسية وراء هذه الجولة من الصراع وتكلفتها البشرية الفادحة. إحداها هي مدينة القدس حيث بدأ التصعيد في حي الشيخ جراح والبلدة القديمة وجبل الهيكل/الحرم الشريف. وتبقى القدس قضية تعبئة أساسية، وقد استغلت «حماس» هذه الحقيقة وقدمت نفسها على أنها حامية المدينة.

والدينامية الثانية هي أن أحد أسباب قيام «حماس» بالتحريض على العنف هو نزع الشرعية عن عباس واكتساب المزيد من السلطة. ويخلق العنف سرديته الخاصة، ومن الصعب مواجهة هذه الديناميكية على المدى القصير.

والدينامية الثالثة هي أن الضفة الغربية كانت هادئةً إلى حدٍّ كبير في بداية الأزمة ولكنها دخلت الآن حلبة الصراع. ويعتبر الهدوء النسبي هناك لافتاً لأنه ينبع من تعاون أمني متأنٍ وعوامل أخرى. ومع ذلك، أثار قرار عباس بإلغاء الانتخابات استياءً شعبياً ساعد في تمهيد الطريق أمام العنف المتنامي. وقد قُتل سبعة فلسطينيين في الضفة الغربية حتى كتابة هذه السطور، وليس واضحاً ما إذا كانت هذه حادثة منعزلة أم بداية منحى معين.

وفي النهاية، سيتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، لكن توقيته سيكون رهناً بأهداف دبلوماسية وسياسية. وثمة هدفان حيويان في هذا الصدد، هما: ضمان عدم تمكن «حماس» من ادعاء النصر بمصداقية حالما يتوقّف القتال، وجعل مصر الجهة الفاعلة التي تحقق وقف إطلاق النار. بعد ذلك، يجب على الأطراف المعنية التعامل مع القدس على أنها بؤرة توتر دائمة، ويشمل ذلك التعاون الوثيق مع الأردن. كما أن الخلاف المتعلق بحي الشيخ جراح له دور محوري ويجب التعامل معه.

أما بالنسبة لـ “اتفاقيات إبراهيم”، فلم يكن الهدف من اتفاقيات التطبيع الناشئة بين إسرائيل والدول العربية هو حل الصراع الفلسطيني، ولذلك من المرجح أن تبقى سارية. ومع ذلك، سلّطت الأزمة الضوء على أهمية العلاقات القوية مع صانعي السلام القدامى في القاهرة وعمّان. يجب دمج هذه العلاقات مع المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية الأحدث التي رعتها “اتفاقيات إبراهيم”، ويفضَّل أن يتم ذلك بطريقة تعود بالفائدة على المصريين والأردنيين.

إن الولايات المتحدة في موقف صعب، حيث تواجه ضغوطاً لقيادة مساعي وقف خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه تذكير شركائها بمصالحها الخاصة. لكن لا يجدر بواشنطن أن تدع نفسها تنجر عميقاً في المساعي الدبلوماسية الرفيعة، وبدلاً من ذلك، يجب أن يقدم فريق الرئيس بايدن دعماً سياسياً متوازناً للطاقم المحترف المسؤول عن التعامل مع هذه المسألة، وضبط انخراطه بما يوفر مساندة أفضل للعناصر العملياتية. وتعمل الجهات الفاعلة في المنطقة على مراقبة الأوضاع لمعرفة ما إذا كانت واشنطن قادرة على إدارة الصراع، وسوف تحدد النتائج انطباعاتها عن إدارة بايدن.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تركّز الخطوات المستقبلية على دعم السلطة الفلسطينية، التي تحتاج إلى سردية سياسية مقنعة تُظهر للرأي العام الفلسطيني أن التعاون مع إسرائيل وتبنّي الدبلوماسية يمكن أن يؤدي إلى نتائج. فاستراتيجية «حماس» تقضي باستمالة الحركة القومية الفلسطينية، وتعمل بعض الجهات الفاعلة الإقليمية على تغذية هذه الدينامية. يجب على المجتمع الدولي إعادة التأكيد على أن «حماس» ليست الممثلة عن الشعب الفلسطيني. وأخيراً، يجب على الحكومة الإسرائيلية التعامل مع قضايا القدس بقرارات ووعي سياسي على مستوى عالٍ بما يكفي لمنع التصعيد في المستقبل.

التعليقات معطلة.