2021-05-29
شفق نيوز/ اعتبر “معهد بروكينجز” الأمريكي، أن عملية “توفير الراحة” التي نفذتها الولايات المتحدة في شمال العراق (اقليم كوردستان) العام 1991، تشكل نموذجا لاستخلاص العبر في أي استراتيجية للتعامل مع الصراعات في العالم، وخاصة في الاعتماد على “شركاء مناسبين على الارض” مثلما حصل مع الكورد قبل ثلاثين عاما.
صدام والإبادة الجماعية
في تقرير كتبه الباحث رنج علاء الدين، وترجمته وكالة شفق نيوز؛ ذكر المعهد الاميركي ان نظام صدام حسين كان على وشك ارتكاب ابادة جماعية ضد كورد العراق، بعدما اجبره المجتمع الدولي على سحب قواته الغازية من الكويت في العام 1990، وكان النظام البعثي يسعى الى تعزيز قبضته الضعيفة على سكان البلاد، مضيفا انه ردا على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا “عملية توفير الراحة” في أبريل/نيسان 1991 لإنشاء وفرض منطقة حظر طيران فوق شمال العراق، وحماية السكان من قوات صدام.
التدخل الشهير
واعتبر التقرير؛ أن هذا كان يعتبر احد اكثر التدخلات الانسانية شهرة في التاريخ الحديث، برغم أنه كان ناقصا، حيث كان لا يزال بإمكان صدام نشر جيشه وكان الأمر متروكا للكورد لاحتواء قوات النظام ميدانيا.
الا ان التدخل الدولي أوقف الابادة الجماعية، ومكّن السلطات الكوردية من تقديم الخدمات وحماية المجتمعات المحلية، وخلق ملاذا للمدنيين في جميع انحاء العراق الذين تمكنوا من الوصول الى الشمال.
وتابع التقرير أنه “يمكن لمثل هذه التدخلات ان تؤدي الى منح فرصة انسانية للسكان المحليين، حيث يمنع الحلفاء الدوليون والميدانيون، الطغاة من ارتكاب الانتهاكات، كما يمنعون تحول الصراعات الى حرائق اقليمية”.
القوة لحماية المدنيين
وبرغم أن التقرير اعتبر أن فكرة استخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين ما زالت تشكل مثار خلاف بعد عقدين على ظهور مفهوم مسؤولية الحماية لان التدخلات يمكن ان تتخذ منحى سيئا، وقد يصعب تنفيذها، الا انه اكد ان عملية حماية شمال العراق، تظهر أن بالإمكان ادارة مخاطر وتحديات التدخلات الانسانية اذا تم تنفيذها مع القوى الحليفة.
وذكر التقرير؛ أنه عندما ألحقت الولايات المتحدة الهزيمة بقوات صدام في الكويت، اندلعت انتفاضات في شمال العراق وجنوبه ضد النظام الذي رد بالانتقام بوحشية.
وأضاف أن الولايات المتحدة لم تأت لمساعدة الجماعات في انتفاضتها، وان القلق كان يتعلق تحديدا من احتمال أن ينفذ نظام البعث ابادة جماعية اخرى ضد الكورد مثلما فعل خلال الثمانينيات، مشيرا إلى ان ملايين الكورد نزحوا باتجاه الحدود مع ايران وتركيا.
كما اشار الى انه تحت ضغط داخلي لحماية الكورد، فان دور بريطانيا كان حاسما في اقناع واشنطن بفرض منطقة حظر الطيران في سماء كوردستان، مضيفا أن بريطانيا حصلت على دعم فرنسا.
واعتبر أن الفهم المشترك للتهديدات والأولويات التشغيلية والقيادة الدبلوماسية أتاحت كلها تقاسم الاعباء التي خففت من التكاليف والمخاطر التي تتعرض لها الأطراف المتدخلة.
التفسير الفضفاض
وتابع ان الدور الاميركي كان ضروريا بسبب قدراتها العملياتية والدبلوماسية والسياسية والقانونية.
واشار الى انه قبل سنوات من مفهوم المسؤولية عن الحماية، كان هناك تفسير فضفاض للقانون الدولي، وتحديدا لقرار مجلس الأمن الدولي الذي يمكن أن يدعم التدخل. والقرار الأول كان يتعلق بقرار مجلس الأمن الرقم 678 الذي تم اعتماده ردا على غزو الكويت، والذي أجاز استخدام القوة “لاستعادة السلم والأمن الدوليين في المنطقة”.
أما القرار الثاني فهو قرار مجلس الامن المرقم 688 الذي اعتبر ان قمع المدنيين في العراق يهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة. وبرغم ذلك، رفضت روسيا فكرة فرض منطقة حظر الطيران فوق كوردستان من جانب مجلس الأمن.
وبكل الاحوال فمن الجانب الدبلوماسي، فان الوجود الاميركي في التحالف أتاح لدول اخرى المشاركة، بما في ذلك استراليا وبلجيكا وهولندا والسعودية وتركيا وايطاليا. واضاف ان هذه النقطة كانت مهمة بشكل خاص فيما يتعلق بتركيا، اذ انه على الرغم من تحفظاتها الاولية على الحكم الذاتي للكورد في العراق، أصبحت تركيا بمثابة منصة ترتكز عليها منطقة الحظر الجوي، مشيرا الى ان تركيا لم تكن عاملا مخربا للحملة الانسانية وتعطيلها، ورأت في التدخل الدولي فرصة لتخفيض والسيطرة على تدفقات اللاجئين الى حدودها.
فوائد الحظر الجوي
إلا أن التقرير؛ اعتبر أن منطقة الحظر الجوي لم يكن هدفها منع جميع أعمال العنف والاشتباكات العسكرية، لكنها منعت صدام لأكثر من عقد من ارتكاب جرائم جماعية.
وذكر التقرير؛ بأن التحالف الدولي لم يمنع نظام صدام من مهاجمة قوات البيشمركة، وادى اشتباك بين البيشمركة وقوات صدام بعد فترة وجيزة من دخول منطقة حظر الطيران حيز التنفيذ الى سقوط 500 ضحية.
كما ذكر بتصريحات للرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الأب، اشار فيها ضمنيا الى قيود التدخل ومعايير منطقة حظر الطيران. وفي اشارة الى الابادة الجماعية التي ارتكبها نظام البعث واستخدام الاسلحة الكيماوية، قال بوش “ان صدام حسين، بعد أن تعلم درسه مرة واحدة، نأمل ألا يشرع في ارتكاب مذبحة” كالتي دفعت التحالف الى ارسال جنوده الى شمال العراق.
صمود القوات الكوردية
واشار التقرير الى ان القوات الكوردية برهنت على قدرتها على الصمود في تمردها المستمر منذ عقود ضد صدام حسين، إلا أنها كانت في أحيان كثيرة معرضة للتدخل من قبل صدام وايران وتركيا، فضلا عن الاقتتال الداخلي بين الفصائل. الا انه اضاف انه برغم ذلك، فقد “تبنى الكورد الحكم الذاتي بنتائج مشجعة، على الرغم من التهديد اليومي بالغزو من قبل نظام البعث واللاعبين الإقليميين المتنافسين الذين كان سعيهم خلف أجندات متضاربة في الشمال و يعتزمون منع كوردستان من الازدهار.
واضاف انه بتخلصها من تهديدات صدام باستخدام تفوقه الجوي لشن هجمات عسكرية ضدها، كرست السلطات الكوردية الموارد المتأتية عن بيع النفط كجزء من برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة، في المشاريع التي وافقت عليها الأمم المتحدة، بما في ذلك المدارس والعيادات الطبية والبنى التحتية. اما في باقي انحاء العراق، فقد اختلس صدام الاموال لدعم النظام البعثي بدلا من تلبية الاحتياجات الانسانية للمواطنين.
حلفاء محوريون
ولفت التقرير إلى ان تجربة الكورد في التسعينيات تظهر أنه في ظل بعض الظروف، فإن الأطراف الفاعلة على الأرض، بما في ذلك الاطراف المسلحة غير الحكومية، وحركات التحرر الوطني والعشائر، والجماعات الاجتماعية والدينية، لديها القدرة على توفير الخدمات الأساسية والأمن، والقيام بذلك بشكل أساسي كحلفاء محوريين للجهات الدولية التي تتدخل لاسباب انسانية.
ودعا التقرير الى وضع مبادئ توجيهية ثابتة وقابلة للتنفيذ للدعم الدولي للجهات الفاعلة غير الحكومية التي تعمل معها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وتابع أنه رغم احتمال وجود أهداف متباينة، فإن هذه المبادئ التوجيهية تساهم في توضيح التوقعات.
الخيارات المقيدة
واشار الى انه في الأزمات الواسعة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، كانت خيارات واشنطن مقيدة بعدد كبير من الأطراف الفاعلة المتباينة المنخرطة في الصراعات التي تجتاح المنطقة. واوضح ان هذه النزاعات تتداخل في بعض الحالات، وتتبلور من خلال عوامل عابرة للحدود الوطنية، والحرب بالوكالة، وانتشار الميليشيات والجهات الفاعلة المسلحة الاخرى غير الحكومية، مع مئات الالاف من المقاتلين المسلحين الذين لا يخضعون للمؤسسات الوطنية.
وخلص تقرير “معهد بروكينجز” الى القول إن الاستجابة لهذه الأزمات تتطلب “استراتيجية تركز على تحديد الشركاء الملائمين على الارض”، وان منطقة حظر الطيران العام 1991 فوق كوردستان، تظهر أن الولايات المتحدة بإمكانها العمل بفعالية مع الشركاء الملائمين على الارض وكذلك الحلفاء الدوليين في الاستجابة الانسانية وفي جهود تحقيق الاستقرار المحلية.