تخضع منصات التواصل الاجتماعي للمساءلة بسبب تزايد المخاوف التي تتعلق بالرقابة والتضليل والتلاعب بالرأي العام خلال أعمال العنف الأخيرة في كل من إسرائيل وفلسطين.
ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال أعمال العنف الأخيرة التي جدت في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، أثبتت منصات التواصل الاجتماعي أنها سلاح ذو حدين. دخل قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الساعة الثانية صباحا يوم الجمعة، ولكنه لم يأتي قبل التصعيد المدمر الذي قتلت خلاله الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة ما لا يقل عن 243 فلسطينيا، من بينهم 66 طفل، بينما استهدفت الصواريخ التي أطلقها الجيب الفلسطيني المحاصر مواقع في إسرائيل وأسفرت عن مقتل 12 شخصًا في إسرائيل، مقابل سقوط 29 فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
خلال الأسبوعين الماضيين، كان المجال الرقمي مصدر اهتمام العالم. فقد أتاح مجالا للتوثيق المباشر والصريح للحقائق على أرض الواقع، ووسيلة لنشر المعلومات في العديد من الأشكال والصيغ المختلفة، ومنصة لتضخيم رسائل وحركات التضامن. ولكن مثلما وقع توظيف هذه المنصات لغاية نبيلة، وقع استغلالها أيضا لأغراض دنيئة.
تعرض عمالقة التكنولوجيا لتدقيق مكثّف، حيث اتّهمُت هذه الشركات بمراقبة المحتوى الفلسطيني مقابل الفشل في حظر المعلومات المضللة والسماح بالتحريض على العنف. كما وقع التلاعب بالمنصات واستخدامها كوسيلة للدعاية الحكومية.
كشف موقع “ميدل إيست آي” عن خمس طرق وقع من خلالها توظيف منصات الاتصالات الرقمية وإساءة استخدامها في ظل تصاعد الاحتجاجات والعنف في إسرائيل وغزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية المحتلة.
الرقابة الفلسطينية
تزامنت أعمال العنف والوحشية في الأيام القليلة الماضية مع أمثلة متكررة على القيود المفروضة على المحتوى وعمليات حظر الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي.
بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى في تنفيذ عمليات الحظر مع حملة المقاومة لقرار الإخلاء الوشيك الذي يهدد ست عائلات في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة – والذي كان بمثابة المحفز لحملة القمع الأخيرة التي شنتها القوات الإسرائيلية على الاحتجاجات – ولكنها وجدت نفسها في قلب اتهامات بالرقابة.
في السابع من أيار/ مايو، أفاد موقع “ميدل إيست آي” بأنه أثيرت مخاوف بشأن حذف المحتوى المنشور على منصات التواصل الاجتماعي وتعليق الحسابات التي تضامنت مع هذه القضية.
تم حظر حساب منى الكرد، الصحفية المقيمة في حي الشيخ جراح والتي تواجه تهديد الطرد من منزل عائلتها، على إنستغرام لفترة وجيزة لأنها وثقت الانتهاكات اليومية التي كانت تحدث. كما حُذف محتوى حساب شقيقها محمد الكرد بتعلّة أنه يروّج “لخطاب الكراهية”، على الرغم من أنه قال إنه كان يصور ببساطة عنف الشرطة دون إضافة تعليق نصي.
اشتكى سكان حي الشيخ جراح من أن قصصهم على إنستغرام تحظى بمشاركة قليلة وعدد مشاهدات أقل لأسباب غير مبررة. وفي الوقت نفسه، حظر فيسبوك بشكل مؤقت أكثر من 130 ألف مستخدم بسبب مشاركة هاشتاغ “أنقذوا حي الشيخ جراح” بتعلة أن ذلك “مخالف لمعاييره”.
أثيرت تساؤلات على تويتر أيضا عندما تم تعليق حساب الصحفية الفلسطينية مريم البرغوثي أثناء تغطيتها لمظاهرة تضامنية لحي الشيخ جراح في الضفة الغربية المحتلة. وفي وقت لاحق، أخبر تويتر مجلة “فايس” بأن هذا القرار اتخذ عن طريق الصدفة – رغم أنه فشل في توضيح الجزء المحدد من شروط الخدمات التي اعتُقد في البداية أن البرغوثي قد خرقتها.
في تصريح لها لموقع “ميدل إيست آي”، قالت مروة فطافطة، مديرة سياسات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “أكسس ناو”، إن “القيود والرقابة لها تأثير بعيد المدى على قدرة الناس على التواصل والتنظيم وتبادل المعلومات. فعندما يقع حظر حسابك أو حذف المحتوى الخاص بك، من الواضح أن هذا ينتهك قدرتك على ممارسة حقك في حرية التعبير على الإنترنت”.
تجاوزت القيود على هذه المنصات حملة دعم حي الشيخ جراح. ففي الوقت الذي اقتحمت فيه الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى لقمع المصلين بوحشية في آخر أيام شهر رمضان، تبع ذلك مزاعم تتعلق بالرقابة.
وقع حظر وسم “الأقصى” بشكل مؤقت على إنستغرام بسبب ورود تقارير تفيد بأن “بعض المحتويات قد لا تتوافق مع المبادئ التوجيهية لمجتمع إنستغرام”، وذلك وفقًا للإشعار الذي تلقاه المستخدمون. وزعمت شركة فيسبوك، المالكة لإنستغرام، أن عمليات حذف المحتوى حدثت بسبب “مشكلة تقنية عالمية واسعة النطاق لا تتعلق بأي موضوع معين”. مع ذلك، يبدو أن الوسوم قد حُظرت لأن نظام تعديل المحتوى بالمنصة ربط عن طريق الخطأ الأقصى – ثالث أقدس موقع إسلامي – بمنظمة إرهابية، وذلك وفقا لبلاغات الموظفين الداخلية التي اطلع عليها موقع “بزفيد”.
علّقت العديد من الجماعات الحقوقية على ذلك بأن أي رقابة يمارسها عمالقة مواقع التواصل الاجتماعي من شأنها أن ترقى إلى مستوى تدمير الأدلة التي توثق جرائم الحرب، والتي تراقبها المحكمة الجنائية الدولية حاليا لتتبع أعمال العنف الأخيرة. بصرف النظر عن “الخلل” الذي يُزعم أنه وقع، قد يكون استخدام كلمة “صهيونية” سببا محتملا آخر لحذف بعض المحتويات.
فقد وجد تقرير صادر عن موقع “ذي إنترسيبت” أن سياسة فيسبوك لحذف المحتوى الذي يستخدم عبارة صهيونية بشكل متزامن مع كلمة “يهودي” أو “اليهودية” أثبتت مدى صعوبة تطبيقها. ووفقًا لأحد المشرفين على المنصة، لم تترك المبادئ التوجيهية “حيزا كبيرا للمناورة لانتقاد الصهيونية”.
وسط كل مخاوف النشطاء الفلسطينيين، طلبت الحكومة الإسرائيلية عقد اجتماع الأسبوع الماضي مع كبار المسؤولين التنفيذيين في تيك توك وفيسبوك. حثّ وزير العدل بيني غانتس شركات مواقع التواصل الاجتماعي على حذف المحتوى الذي يحرّض على العنف والاستجابة بسرعة لنداءات مكتب الشؤون السيبرانيّة الإسرائيلي.
تشرف وحدة الشؤون السيبرانيّة الإسرائيلية، التي تعمل ضمن وزارة العدل، على مراقبة المحتوى الفلسطيني بشكل منهجي وإرسال شكاوى لعمالقة التكنولوجيا. ووفقا لتقرير صادر عن المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي “حملة”، قَبِل فيسبوك 81 بالمئة من طلبات حذف المحتوى التي قدمتها هذه الوحدة.
حسب ما قالته منى شتيه من منظّمة “حملة” لموقع “ميدل إيست آي” فإن “هذا دليل يؤكد أن التمييز الرقمي الذي نتعرض له نحن الفلسطينيون في الفضاء الرقمي ليس نتيجة خلل تقني، بل نتيجة جهود ممنهجة من قبل السلطات الإسرائيلية لإسكات أصوات نشطاء حقوق الإنسان والتأثير على سياسات شركات التكنولوجيا المتعلقة بضبط المحتوى”.
دعا تحالف من منظمات الحقوق الرقمية تويتر وفيسبوك إلى تقديم بيانات مفصلة عن الطلبات المقدمة من وحدة الشؤون السيبرانيّة والتحلي بالشفافية في عملية اتخاذ القرار بشأن حذف المحتوى. بالإضافة إلى ذلك، قدّمت مجموعة فلسطينيّة تدافع عن حقوق البيانات ووكالتان إخباريتان ومترجم شكوى قانونية ضدّ فيسبوك يتهمونه فيها بمراقبة منشوراتهم وإغلاق حساباتهم في بعض الحالات بحجّة انتهاك سياسات الشركة الخاصة.
تمنح الشكوى المكونة من 14 صفحة، التي أرسلت إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير والتي اطلع عليها موقع “ميدل إيست آي”، الشركة 21 يوما لشرح سبب حذف المنشورات وإغلاق الحسابات إلى حين اتخاذ مزيد الإجراءات، بما في ذلك احتمال رفع دعوى قضائيّة.
التضليل والأخبار الكاذبة
اعتمد ملايين الأشخاص حول العالم على مصادر منصات التواصل الاجتماعي ليتابعوا أعمال العنف التي تحصل في إسرائيل وفلسطين، ولكن لم يكن محتوى جميع هذه المصادر، بما في ذلك المحتوى الوارد عن المسؤولين، صحيحا.
من أكثر الأمثلة المعروفة لنشر معلومات مضللة حول ما يحصل في غزة، مشاركة المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي باللغة العربية، أوفير جندلمان، مقطع فيديو زعم أنه يظهر إطلاق حماس لصواريخ على إسرائيل. ولكن تبين أن المقطع يعود لسنة 2018، ويوثق عمليّة إطلاق صواريخ جدّت في محافظة درعا السورية.
نشرت هذه التغريدة في البداية تحت عنوان “منصات التواصل الاجتماعي التي تم التلاعب بها” قبل أن يحذفها جندلمان. علاوة على ذلك، نشر الحساب الرسمي للجيش الإسرائيلي على تويتر معلومات مضللة، حيث شارك حساب جيش الدفاع الإسرائيلي مقطعا يُزعم أنه يُظهر حماس وهي تدخل قاذفات صواريخ إلى أحياء مدنية. ولكن تبين في الواقع أن ما ظهر في اللقطات كان سلاحًا مزيفا استخدمته إسرائيل خلال تدريب في شمال غرب البلاد.
أعاد حساب موثّق على تويتر مشاركة الفيديو تحت اسم “وقف معاداة الساميّة” ليعتذر لاحقًا عن نشر المعلومات المضللة. في بيان الاعتذار، أصر الحساب بشكل استفزازي على وصف اللقطات الفعلية بأنها مأخوذة من “حي ذي أغلبية مسلمة”، فيما بدا أنه محاولة واضحة لربط سلاح إسرائيلي بالفلسطينيين.
ذكرت شتيه أنه “عادة ما تستخدم السلطات الإسرائيلية المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة كجزء أساسي من دعايتها، وهذا النوع من المعلومات يؤثر بشكل كبير على وعي الناس والحركات السياسية الفلسطينية”.
وفقا لمنظّمة “حملة”، أشار 54 بالمئة من المشاركين في استطلاع بعنوان “الأخبار الكاذبة في فلسطين” إلى أن السلطات الإسرائيلية هي المصدر الرئيسي للأخبار الكاذبة، وكشف البحث أيضا ارتفاعا بنسبة 58 بالمئة في أعداد الأخبار الكاذبة أثناء شنّ الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين.
من الأمثلة الأخرى عن نشر معلومات مضللة على الإنترنت تقارير كاذبة تزعم أن فلسطينيين يقومون بتزييف مراسم جنازة في غزة في محاولة لكسب التعاطف العالمي. أظهر الفيديو المزيف، الذي شاركه مستشار وزارة الخارجية الإسرائيلية دان بوراز مجموعة من المراهقين يحملون “جثة”، وعندما يسمعون صافرات الإنذار فجأة، يلوذ المراهقون والشخص الذي كان يتظاهر بأنه “جثّة” بالفرار. صوّرت هذه اللقطات في الواقع السنة الماضية في الأردن من قبل مجموعة من الشبان الذين كانوا يحاولون التهرّب من قيود كوفيد-19 من خلال التظاهر بإقامة جنازة.
شارك بوراز مقطع الفيديو مع هاشتاغ “بلاي وود”، وهو مفهوم مهين للغاية صاغه أنصار اليمين المؤيد لإسرائيل في محاولة ساخرة لاتهام الفلسطينيين بأنهم يهوّلون معاناتهم لكسب التأييد الدولي.
تضمّن مثال آخر عن الأخبار الكاذبة التي ينشرها مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي لربط الناس في غزة بمفهوم “بلاي وود”، مشاركة مقطع فيديو يُزعم أنه يُظهر فلسطينيين يزيفون إصاباتهم خلال الهجمات الإسرائيلية بوضع مساحيق التجميل. يعود مقطع الفيديو، الذي تم نشره الأسبوع الماضي، إلى سنة 2018 وكان جزءا من تقرير إخباري عن فناني التجميل الفلسطينيين.
وردت بعض المعلومات المضللة المؤيدة للفلسطينيين في الأسابيع الأخيرة، حيث ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن وسائل الإعلام العربية قد أشارت كذبا إلى مقطع فيديو يظهر يهودا وهم يمزقون ملابسهم تعبيرا عن إخلاصهم وادّعت أنهم كانوا يزوّرون تعرّضهم لإصابات في القدس. وجدت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الفيديو المعني قد تم تداوله عدة مرات في وقت سابق من هذا العام.
في هذه الأثناء، انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع على فيسبوك يُزعم أنه يظهر صحافيا يبكي أثناء التقاط مشاهد خارج الأقصى، لكنّه كان في الواقع مصورا عراقيا خلال إحدى مباريات كرة القدم في سنة 2019.
الدعاية الإسرائيلية
خلال الأسبوعين الماضيين، تجندت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الرسمية الإسرائيلية، ولا سيما تلك التي تنتمي للجيش، لنشر رسائل دعائية استفزازية للغاية ومثيرة للكراهية.
يوم الأربعاء الماضي، تباهى حساب الجيش في نسخته العبرية على إنستغرام بكيفية بتدمير برج سكني في غزة من خلال نشر صورة تبين شكل البرج “قبل” و”بعد” قصفه. وما انفك حساب الجيش الإسرائيلي على تويتر ينشر صور الأبراج التي قصفها في غزة، بما في ذلك برج الجلاء الذي يضم المكاتب الإعلامية للجزيرة ووكالة أسوشيتد برس وميدل إيست آي. وغالبًا ما تكون الصور مصحوبة بتعليق يدعي فيه الجيش أن الأبراج كانت تؤوي أصولا للمخابرات العسكرية التابعة لحماس، دون أي دليل يؤكد مزاعمهم.
خلال الأسبوع الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي على موقع تويتر عن بدأ القوات البرية في “مهاجمة قطاع غزة”، كجزء من حملة أوسع لإعلام وسائل الإعلام الدولية بوجود غزو بري قيد التنفيذ. لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرت في وقت لاحق أن التغريدة والموجزات الإعلامية كانت جزءا من محاولة متعمدة لخداع مقاتلي حماس للاعتقاد بأن الغزو جار والكشف عن أكبر عدد ممكن منهم.
لام الجيش الإسرائيلي حماس على انقطاع التيار الكهربائي – الذي كان يمثل مشكلة في غزة منذ سنوات بسبب الحصار، وقام حساب الجيش في نسخته الفارسية بفبركة صورة لنظام دفاع القبة الحديدية لجعلها تبدو وكأنها نجمة داوود. في المقابل، أدى استخدام منصات التواصل الاجتماعي بهذه الطريقة المخادعة إلى اتهام الكثيرين للجيش الإسرائيلي بإساءة استخدام منصاته الرسمية مع “الترويج المباشر لجرائم الحرب”.
قالت فطافطة: “من غير المقبول استخدام الجيش الإسرائيلي لمنصات التواصل الاجتماعي لتهديد الناس ونشر معلومات مضللة أثناء مشاركته بنشاط في جرائم حرب”. كما أجرت المدافعة عن الحقوق الرقمية مقارنة بين طريقة تعامل مواقع التواصل الاجتماعي مع الحسابات الإسرائيلية الرسمية والفلسطينيين، موضحة: “يمكنك ملاحظة الممارسة التمييزية لشروط استخدام المنصة، حيث تُفرض الرقابة على النشطاء المؤيدين لفلسطين بينما يُسمح للصفحات التي تديرها إسرائيل باستغلال المنصة وإساءة استخدامها لخدمة أغراضها السياسية والعسكرية”.
سلط العديد من المراقبين الضوء على الاختلافات في حسابات منصات التواصل الاجتماعية التابعة للجيش الإسرائيلي في نسختها العبرية والإنجليزية. ففي الحساب العبري للجيش الإسرائيلي على إنستغرام، تميل القصص إلى أن تكون عدوانية وعسكرية وغالبا ما تتضمن مشاهد محددة بالوقت والمكان للأبراج التي يتم قصفها في غزة. أما على حسابه باللغة الإنجليزية، غالبا ما يكون المحتوى دفاعيا أكثر، حيث يروّج لإسرائيل كضحية في الاعتداءات الأخيرة، باستخدام الرسوم البيانية والتصاميم الملونة.https://www.youtube.com/embed/-wYM8cGZGsw?rel=0
في إحدى منشورات على حسابه في نسخته الإنجليزية على إنستغرام، قام الجيش الإسرائيلي بمحاكاة طريقة شائعة لمشاركة المعلومات عن طريق تصميم مجموعة من الرسوم المتحركة وفقاعات الكلام لتبسيط الأحداث، حيث تروج الرسومات – خلافا للحقائق – إلى أن حماس هي الطرف الوحيد المسؤول عن قتل جميع الضحايا المدنيين في إسرائيل وغزة في الأيام القليلة الماضية.
استخدم ضباط الجيش الإسرائيلي تطبيق تيك توك الصيني لنشر فيديوهات الرقص الرائجة بغية تعميمها وجذب انتباه الجماهير الأصغر سنًا. من بين هذه “الترندات”، شارك العديد من الجنود في تحدي أغنية “جلابي بايبي”، حيث يشير المستخدمون إلى الخيار المفضل لديهم بين اثنين من الرموز التعبيرية. وغالبًا ما ينتهي اختيار الجيش الإسرائيلي في هذا التحدي بتفضيل العلم الإسرائيلي على العلم الفلسطيني.
في إحدى الفيديوهات، اختار الجنود الإسرائيليون الرمز التعبيري للبراز مقابل العلم الفلسطيني، وأشاروا بحركة فاحشة لعلم فلسطين. في فيديو آخر مثير للسخرية، قام جندي بوضع علم السودان ظنا منه أنه علم فلسطين.
لم تقتصر المنشورات الدعائية على الحسابات التابعة للجيش الإسرائيلي فحسب، بل انتشرت بشكل كبير في الحسابات الإسرائيلية الرسمية الأخرى. في منشور انتُقد بشدة، اقتبس الحساب الرسمي لإسرائيل على إحدى منصات التواصل الاجتماعي يوم الثلاثاء آيات قرآنية فوق صورة غزة وهي تتعرض للقصف، وقد وصف النقاد المنشور، الذي حُذف لاحقا، بأنه “سادي وحقير”.
اتهمت النسخة الإنجليزية للحساب زورا عارضة الأزياء الفلسطينية بيلا حديد بالدعوة إلى “إلقاء اليهود في البحر”، بعد أن ضمّت صوتها لأصوات المدافعين عن القضية الفلسطينية الذين هتفوا “ستتحرر فلسطين من النهر إلى البحر”.
أشارت فطافطة إلى أن “محاولة الحكومات تشويه سمعة الأفراد الذين ينددون بجرائمها أو اتهامهم بتمجيد الإرهاب، أو في هذه الحالة معاداة السامية، ليس بالأمر الغريب” وهي ممارسة سابقة لعصر مواقع التواصل الاجتماعي. وأضافت أن إسرائيل، على غرار الدول الأخرى، كانت تحاول التصيد ومضايقة الناس لتكميم أفواههم، لكن الأسبوعين الماضيين كشفت مدى قوة الإعلام الرقمي – عندما لا يخضع للرقابة – وقدرته على “نقل الحقيقة”.
تم التخطيط لـ “أعمال العنف” على تطبيقات المراسلة
بالإضافة إلى تطبيقات مشاركة المحتوى، لم تسلم منصات المراسلة الفورية من الانتقادات بسبب تورطها في تسهيل العنف المدني الإسرائيلي. خلال الأسبوع الماضي، أشارت رسائل الدردشة على تطبيق “سيغنال” و”واتساب” التي اطلع عليها موقع “ميدل إيست آي” إلى أن الجماعات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ناقشت بالتفصيل كيف خططت لشن هجمات عنيفة على المواطنين الفلسطينيين (فلسطينيي الداخل) في إسرائيل.
تضمنت رسائل مجموعة دردشة تحت اسم “وحدة تحت الأرض” جملا مثل “أحضروا كل شيء، السكاكين والبنزين” و”لا تخافوا، نحن المختارون”. وفي مجموعة على تطبيق “واتساب” تحت اسم “إسرائيليون أحياء في حيفا” وُجدت رسالة تقول: “أي عربي تراه – تطعنه” و”رجاءًا تعالو مجهزين بالأعلام والمضارب والسكاكين والبنادق والقبضات الحديدية والألواح الخشبية ورذاذ الفلفل وأي شيء قد يؤذيهم. سنعيد شرف الشعب اليهودي”.
في دردشة جماعية أخرى على واتساب أيضًا، كتب أحد المستخدمين: “نحتاج إلى زجاجات حارقة للمسجد… سنحرق منازلهم وسياراتهم وكل شيء”.
تم تناقل رسائل تحريض على العنف ضد الفلسطينيين على تطبيق تلغرام أيضا، مما دفع العديد من مستخدمي تويتر إلى دعوة تطبيقات المراسلة للتدخل لحماية الأرواح. تعليقا على ذلك، قالت منى شتيه: “إذا لم يتحرك تلغرام بسرعة، فإن التحريض في الفضاء الرقمي سيستمر في نشر العنف في الشارع ضد الفلسطينيين”.
في سياق تفاقم عقلية الغوغاء بسبب انتشار المعلومات الكاذبة، وجد تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أن الرسائل على تلغرام وواتساب حذرت من أن الفلسطينيين يستعدون لمهاجمة المواطنين الإسرائيليين. ولكن لم ترد تقارير عن حدوث أعمال عنف في المناطق المذكورة في الرسائل.
شبّه أحد الصحفيين ما يحدث بأعمال العنف التي شهدتها الهند في سنة 2018، حيث حدثت سلسلة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون بعد أن أدت شائعات كاذبة حول اختطاف الأطفال وحصاد الأعضاء إلى مهاجمة الغرباء وقتلهم.
حتى يوم الأحد، تم توجيه الاتهام إلى 116 مشتبهًا في تورطهم في أعمال العنف التي جدت الأسبوع الماضي وكلهم فلسطينيون.
ذكرت منظمة “فيك ريبورتر” المتخصصة في مراقبة المعلومات المضللة الإسرائيلية، خلال الأسبوع الماضي، إنها قدمت ملفًا مفصلاً إلى الشرطة ووسائل الإعلام الإسرائيلية حول الجماعات اليمينية المتطرفة التي تستخدم واتساب وتلغرام للتخطيط لهجمات على الممتلكات والمدنيين الفلسطينيين. ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء، حتى أن بعض أقسام وسائل الإعلام ردت بأن الأمر لا يستحق الإبلاغ حتى ارتكاب الجرائم فعلا.
حسب شتيه “تزايد التحريض ضد العرب والفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير”، مضيفة “شهدنا في سنة 2020 زيادة في الخطاب العنيف تجاه العرب بنسبة 16 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية (2019)، ومنشور من كل 10 منشورات عن الفلسطينيين والعرب يحتوي على خطاب عنيف”، في إشارة إلى مؤشر منظمة “حملة” السنوي للعنصرية والتحريض.
وتعتقد شتيه أنه “يجب ألا يدعم تلغرام والتطبيقات الأخرى العنف ضد الفلسطينيين ويجب أن تُتخذ إجراءات لمنع نقل التحريض وخطاب الكراهية والعنصرية من هذه المنصات إلى العالم الحقيقي”.
الجيش الرقمي المدعوم من الدولة
غالبًا ما تُستخدم منصات التواصل الاجتماعي كمقياس لمدى تفاعل الرأي العام مع القضايا العالمية، حيث تعمل الهاشتاغات الشائعة ومستويات التفاعل عليها كمؤشر غير رسمي على المشاعر الشعبية. مع ذلك، غالبًا ما يتم استخدام المنصات بشكل ساخر ومنهجي للتلاعب بالمحادثات عبر الإنترنت.
تم تطوير منصة “آكت. إيه إل” (Act.IL) الإسرائيلية على الإنترنت في حزيران/ يونيو 2017 لتجنيد وتنظيم جيش رقمي يتألف من آلاف الأشخاص لإدراج أنفسهم في المحادثات عبر الإنترنت فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، ولا سيما حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).
يتلقى المتصيدون تعليمات من المنصة بشأن المحتوى المؤيد لإسرائيل والمناهض للفلسطينيين لإعادة مشاركته وإبداء الإعجاب إلى جانب التماسات التوقيع على العرائض. كما يتلقون قوالب التعليقات التي يتم تشجيعهم على نسخها ولصقها في إطار المناقشات ذات الصلة.
تم إطلاق منصة “آكت. إيه إل” بالشراكة مع وزارة الشؤون الاستراتيجية التي وصفها وزيرها بـ “قبة الحقيقة الحديدية”. وقد تلقت تمويلاً وتوجيهات من الدولة الإسرائيلية. وُصف التطبيق بأنه “دعاية شعبية زائفة” قائم على نشاط علاقات عامة منظم ومخادع مدعوم من الحكومة يخلق انطباعًا زائفًا بوجود حملة شعبية عفوية.
يدير مايكل بويكرت، الباحث ونائب رئيس منظمة “كنديون من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط، حسابًا على تويتر يراقب ويوثق نشاط تطبيق “آكت. إيه إل”. وقد أخبر موقع “ميدل إيست آي” بأن “أحد الأهداف الرئيسية للتطبيق هو إبعاد أنشطة مستخدميه عن الدولة الإسرائيلية أو مجموعات الضغط وجعل نشاط منصات التواصل الاجتماعي المؤيد لإسرائيل الذي يصممه يبدو عفويًا وحيويًا”.
أضاف بوكيرت أن وزارة الشؤون الاستراتيجية لديها سياسة العمل مع المنظمات الواجهة “لإخفاء دور الدولة الإسرائيلية”، مشيرا إلى أنه من الآمن افتراض أن الحكومة كان لها “دور أكبر في التمويل المستمر للتطبيق وعملياته مما هو معلن عنه للعامة”.
يوم الأحد، بدأ التطبيق عاصفة على تويتر تحت وسم “الحق في الدفاع عن النفس” و”إسرائيل تحت النار”. كما استخدمت منصة “آكت. إيه إل” قناتها على تلغرام خلال الأسبوعين الماضيين “لتكليف” مستخدميها بنشر الخطاب المعادي للفلسطينيين.
خلال حملة القمع العنيفة على المصلين في الأقصى في وقت سابق من هذا الشهر التي شنتها القوات الإسرائيلية، شجّعت المنصة المستخدمين على التعليق تحت النشرات الإخبارية التي تنشرها رويترز ووكالة فرانس برس وواشنطن إكزامينر، وإلقاء اللوم على الجماعات الفلسطينية.
جاء في أحد التحديثات الذي شجع المتصيدين على وضع آراء مماثلة على منشور يعود لوكالة فرانس برس: “ليس من المقبول أن يقع المصلون والمدنيون وضباط الشرطة الأبرياء ضحايا لأعمال الشغب العنيفة التي تحرض عليها حماس وفتح. إن الإرهاب لا ينتمي إلى الأماكن المقدسة أو ما حولها”.
رغم المحاولات المنسقة لإرباك المحادثات عبر الإنترنت، فإن بويكرت متشكك في تأثير أحدث أنشطة هذا الجيش الإلكتروني. أكد بويكرت: “بالتأكيد، يمكنهم المساعدة في هرسلة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام نقاط حوار الدبلوماسية العامة الإسرائيلية، ونشر معلومات مضللة على نطاق واسع. ومع ذلك، أعتقد أن الكثير من الناس لم يعودوا يصدقون تلك الحجج القديمة. الناس ليس لديهم نفس القدر من التسامح مع ما يرقى عادة إلى سياسة لوم الضحية. لقد بدأ الناس يستيقظون على أهوال الفصل العنصري الإسرائيلي ولا يريدون أن يكون لهم أي علاقة به، ولن يتمكن أي تطبيق من تغيير هذه الحقيقة”.