اعتراف دولي بفشل مساعي السلام في اليمن.. ماذا بعد؟

1

كتب بواسطة:محمود الطاهر

لأول مرة وآخر مرة، يتحدث فيها مارتن غريفيث الذي عينته الأمم المتحدة مبعوثًا لها إلى اليمن، في 28 فبراير/ شباط 2018، أمام مجلس الأمن الدولي، عن أن اليمن أضاع فرصًا كثيرة للسلام، وأن ما كان ممكنًا لم يعد كذلك اليوم أو في المستقبل، كإقرار بفشله وفشل الأمم المتحدة في إقناع الحوثيين بإنهاء الحرب دون حل عسكري.

وقال البريطاني مارتن غريفيث، الذي يودّع منصبه بعد 3 سنوات من محاولة استرضاء الحوثيين ودلالهم، في إحاطة قدمها الثلاثاء 15 يونيو/ حزيران 2021، إن الأطراف لم تتمكن من الاتفاق، فبينما الحوثيون يصرون على اتفاقية منفصلة حول الموانئ والمطار كشرط مسبق لمحادثات وقف إطلاق النار والعملية السياسية، تصر الحكومة اليمنية على تطبيق كافة الإجراءات كحزمة واحدة، بما فيها بدء وقف إطلاق النار.

مارتن غريفيث الذي قاد اتفاق ستوكهولم محاولة منه لإنقاذ الحوثيين، عام 2018، لم تردّ الجماعة الموالية لإيران له الجميل نظير ما صنع لها، بل امتنعت عن مقابلته لعام كامل، قبل أن يلتقي بهم لآخر مرة بداية هذا الشهر في صنعاء، في محاولة أخيرة لإقناع الحوثيين بأهمية الاستماع إلى الصوت الدولي الواحد، لإنهاء الحرب التي سببت أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب تقارير الأمم المتحدة.

ورغم الاعتراف الدولي بفشل مساعي السلام في اليمن، والضغوط الهائلة التي مورست على الأطراف المعنية، إلّا أن مارتن غريفيث لم يشير صراحة إلى المتسبب أو المعرقل لوقف الحرب، رغم أن المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندر كينغ، حمّل الحوثيين صراحة عرقلة الجهود الدولية لإحلال السلام في اليمن، لكن غريفيث حاول تسويق فكرة الحوثيين في خطابه الوداعي، وهو عدم ربط فتح مطار صنعاء وتخفيف القيود على موانئ الحديدة بعملية السلام، واعتبر أن استمرار ذلك غير مبرر.

قبل إحاطة مارتن غريفيث الأخيرة، تسربت الأربعاء 9 يونيو/ حزيران 2021، معلومات لدى وسائل الإعلام اليمنية، حول أن التحالف سمح بفتح مطار صنعاء الدولي إلى كافة الجهات الدولية، وبعدها بيوم واحد أعلن التحالف العربي أنه أوقف العمليات الجوية العسكرية على المدن اليمنية، بهدف تنقية الأجواء وتهدئة الأوضاع للوسطاء الدوليين، لجرّ الحوثيين لطاولة السلام، وكان هذا الإعلان بمثابة القبول بالشرط الحوثي بوقف الحرب وفتح المطارات أولًا، قبل الحديث عن أي عملية سياسية.

كل الشواهد تقول إن الحوثي يرفض العملية السياسية، واختار الحسم العسكري، بعد 6 سنوات من فشل المفاوضات السياسية.

لكن الحوثيين ردوا في اليوم ذاته بهجوم دامٍ على محافظة مأرب، خلّف نحو21 قتيلًا وعشرات الجرحى، بعد ساعات أيضًا من إحراق الطفلة ليان وأسرتها بصاروخ بالستي، كردّ حوثي رافض لأي وساطة دولية أو أي عمل ينتهي به المطاف إلى حوار سياسي، أو فتح المطارات اليمنية.

ورغم كل الشواهد التي تقول إن الحوثي يرفض العملية السياسية، واختار الحسم العسكري، بعد 6 سنوات من فشل المفاوضات السياسية، إلا إن المجتمع الدولي لم يعلن حتى الآن فشل الجهود لإحلال السلام، وربما لن يعلن ذلك في القريب العاجل، بهدف منح المزيد من الفرص للوسطاء الدوليين ولسلطنة عمان تحديدًا، بمحاولة إقناع الحوثيين في الدخول بمفاوضات ولو شكلية لإنهاء الحرب في اليمن.

حسابات إنسانية

رغم أن المجتمع الدولي وقبله التحالف العربي، والمجتمع اليمني، يدركون أن الحوثي لن يجنح للسلام ما لم تكن له “الولاية” في حكم شبه الجزيرة العربية، على اعتبار أن ذلك حكمًا إلهيًّا؛ إلا أن الولايات المتحدة الأميركية التي يبدو أنها تسلمت الملف اليمني من بريطانيا والمملكة العربية السعودية، تنظر إلى الأزمة اليمنية من منظور إنساني بحت طالما لم يمس مصالحها، بعكس ما ينظر إليه اليمنيون والمسلمون في العالم العربي تجاه هذه الطائفة الشيعية، التي تسب رموز المسلمين وصحابة رسول الإسلام.

تسعى الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي لصناعة قنابل موقوتة في اليمن، بهدف إطالة أمد الحرب، ومن ثم إضعاف دول الخليج وإدخالهم في صراع وتهديد وجودي من مثل هكذا جماعات تتنامى بدعم إيران، العدو اللدود للعرب وللمسلمين، ولهذا سمحوا للحرب في اليمن أن تصل إلى 7 سنوات وقد تزيد مثلها أو نصفها، بهدف إرهاق الجميع، والقبول بما تخطط له الولايات المتحدة الأميركية.

تقول الولايات المتحدة الأميركية، التي تروج أنها داعمة للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، إنها تريد إنهاء الحرب في اليمن لدواعٍ إنسانية، وتضغط بكل ثقلها لتحقيق هذا، والاتجاه نحو طاولة الحوار التي فشلت في الأصل خلال السنوات الماضية، لكنها لم تعالج أساس وإشكاليات تلك المشكلة، لتضمن عدم تكرار الحوثيين لنقض اتفاقياتهم المتكررة مع الحكومة اليمنية منذ ولادة الحركة عام 2003، وحتى آخر اتفاق مع الحكومة اليمنية في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018 المعروف باتفاق ستوكهولم، الذي رفضت الجماعة الالتزام به.

ترى الولايات المتحدة الأميركية أن جماعة الحوثي لن تمس مصالحها، أو تهدد المواطن الأميركي، وما شعاراتها “الموت لـ”إسرائيل”.. الموت لأميركا” إلا شعارات عاطفية تطلقها لكسب التعاطف الشعبي، ولتبرير قتل الأنفس التي حرّمها الله، بهدف رعب السكان، وإجبارهم على السمع والطاعة، وكل هذا لم يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية، أقلها تهديد المصالح الأميركية في البحر الأحمر.

خطورة مستقبلية

لهذا تدفع الولايات المتحدة نحو السلام “الهش”، لـ 3 أسباب، الأول: لكي ينظر المجتمع الأميركي إلى جو بايدن على أنه رئيس حقق سلامًا في منطقة تعقدت فيها الحلول، وأنقذ الشعب اليمني من مجاعات عنيفة، والسبب الثاني: أن يقدم لإيران اليمنَ هدية مقابل الاتفاق في الملف النووي، والسبب الثالث: زراعة قنابل موقوتة في المنطقة، لتهديد دول الخليج وابتزازها.

يتحدث الحوثيون في أبجدياتهم ودوراتهم التي يجبرون شيوخ العشائر ورجال القبائل عليها، وفي مراكزهم الصيفية للنَّشء والشباب والمراهقين، أن حكم البشرية لآل “النبي”، وأن “الولاية” حكم من الله لهم.

حقيقة ما يقدمه المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، إلى الحكومة اليمنية أو إلى الشعب اليمني، على أنه سلام، ليس حقيقيًّا بالمطلق، وإنما يتم تسليم رقاب اليمنيين للحوثيين ذوي الطائفة الشيعية المتطرفة.

فلن ينتهي الحوثي من اليمن، حتى في ظل سلام مصطنع، إلا بعد أن يعمل على تصفية عرقية، واغتصاب عقول الأجيال، وصناعة جيل متسلح بالطائفية والإرهاب، ليستخدمه فيما بعد للتوسع نحو الجزيرة العربية، وهذا أخطر ما يحاول المجتمع الدولي، وخصوصًا دول الخليج العربي تجاهله.

يتحدث الحوثيون في أبجدياتهم ودوراتهم التي يجبرون شيوخ العشائر ورجال القبائل عليها، وفي مراكزهم الصيفية للنَّشء والشباب والمراهقين، أن حكم البشرية لآل “النبي”، وأن “الولاية” حكم من الله لهم، لا يمكن التراجع عنها، وأن مكة المكرمة تحتلها دول عملية لأميركا و”إسرائيل”، ولن يتم تحريرها إلا من قبل الحوثيين، هكذا يحدثون كل من يسيطرون عليه ويجبرونهم على تصديق ذلك.

الخلاصة

اليمنيون يسعون للسلام، والتحالف العربي أيضًا يريد أن تنتهي هذه الحرب، والحكومة اليمنية أيضًا تروج أنه لا بد من صناعة سلام وعودة اليمنيين إلى بلادهم، واللجوء إلى صناديق الاقتراع، ومن يحصل على تفويض شعبي عبر الانتخابات يحكم وفق عملية دستورية وديمقراطية، إلا أن الحوثي غير مقتنع بذلك، ويريدها “ولاية”، ولهذا الحوار السياسي معقد في ظل جماعة ترفض مبدأ الشراكة أو الديمقراطية، وتؤمن بحق الولاية.

سيجد اليمنيون صعوبة في إقناع الحوثي بالتخلي عن الولاية، أو عن المنهوبات التي نهبها، وعن أن ثأر علي بن أبي طالب ليس من أبناء اليمن أو المسلمين السنّة، بل أن ذلك زمانًا انقضى، ونحن في زمن جديد، يجب التعايش وفقًا لتعاليم إسلامية وإنسانية، بعيدًا عن الثارات الطائفية.

الحل أمام هذه الأفكار ليس حوارًا، وإنما عسكريًّا لإخضاع مثل هذه الجماعات على التعايش السلمي، وحرية الفكر (الرأي والرأي الآخر)، وعلى التحالف والحكومة اليمنية ألّا يأملا خيرًا من المجتمع الدولي، بعد أن قدما كل التنازلات التي طلبها الحوثي، ورفضها مؤخرًا، فالحوثي حسم أمره، واتجه نحو الحل العسكري، وإذا توحد اليمنيون جميعًا ضد المشروع الإيراني في اليمن، لاستطاعوا إنهاء الأزمة السياسية والإنسانية سريعًا.

الحوار يطيل أمد الصراع ويفاقم معاناة اليمنيين الإنسانية، والحرب أقصر الطرق لإنهاء الأزمة السياسية والإنسانية، لأن في النهاية سيكون هناك منتصرًا وخاسرًا، وستنتهي الحرب.

المواضيع:

التعليقات معطلة.