القصة الكاملة.. 5 أسئلة تشرح لك كيف خسر الأكراد كركوك بدون قتال

1

 

أحمد الدباغ

لم تكن مشكلة إقليم كردستان العراق مع بغداد حول كركوك وليدة اللحظة، فهي تمتد لثلاث سنوات، منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على مساحات واسعة من العراق، وانسحاب الجيش من محافظات عراقية عديدة كانت من بينها كركوك التي ما لبث الأكراد أن دخلوها تحت فرض الأمر الواقع، وسيطروا على آبار النفط فيها، لترد الحكومة العراقية حينها بتجميد حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، ولتبدأ معها القصة التي لا نزال نعيش فصولها إلى اليوم.

لم يكن استفتاء استقلال إقليم كردستان الذي جرى في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي إلا الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة، والتي ما لبثت بغداد أن رفضت نتائجه جملةً وتفصيلًا، لتبدأ حينها سلسلة إجراءات امتدت من الحظر الجوي إلى البري، وصولًا إلى مطالبة البيشمركة بانسحابها من كركوك.

1- ماذا تعرف عن مبادرة ما قبل التحرك العسكري؟

لم تدخر الحكومة العراقية وعلى لسان الناطق باسمها جهدًا في نفي أي مهلة كانت قد أعطتها لقوات البيشمركة للانسحاب من مدينة كركوك، والتي كانت وسائل إعلامية قد ذكرت أنها كانت 48 ساعة، ثم مددت المهلة لـ24 ساعة أخرى، والتي نفتها الحكومة أيضًا.

الرئيس العراقي فؤاد معصوم

آخر المبادرات التي جاءت قبل ساعات قليلة من بدء تحرك القوات العراقية كانت في مدينة السليمانية التي شهدت اجتماعًا ضم كلًّا من الرئيس العراقي الكردي فؤاد معصوم، ومسؤولين من كلا الحزبين الرئيسين في الإقليم المتمثلين بالحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، كما ضم الاجتماع الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني. وكان الاجتماع صبيحة يوم الأحد 15 أكتوبر(تشرين الأول).

كانت المبادرة التي رعاها الرئيس العراقي فؤاد معصوم -المحسوب على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، وهو حزب الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني- تتضمن تنازل الأكراد عن سيطرتهم على آبار النفط في كركوك لصالح الحكومة الاتحادية، إضافة إلى تمكين القوات الاتحادية من دخول كركوك المدينة، وفرض إدارة مشتركة داخلها، ومددت مهلة الحكومة العراقية 24 ساعة إضافية إثر هذه المبادرة التي قوبلت بالرفض من قبل حزب مسعود البارزاني رئيس الإقليم، لتبدأ بعدها بساعات تفاصيل الحكاية.

2- لماذا هُزم الأكراد في كركوك؟

إقليم كردستان العراق، والذي حاز على حكم ذاتي شبيه بالاستقلال عام 1991، يحكمه حزبان رئيسيان يتوزع ثقلهما بين محافظات الإقليم الثلاث، إذ تكمن قوة حزب الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني في محافظة السليمانية شمال شرق العراق، أما الحزب الآخر فهو الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم مسعود البرزاني، والذي تكمن قوته في محافظتي أربيل ودهوك.

حتى عام 2003 لم يكن هذان الحزبان على اتفاق ووئام، إذ إن لكل حزب إدارة خاصة بالمناطق التي كان يسيطر عليها، وما زاد الطين بلة بين الحزبين ما حصل من اقتتال داخلي بينهما عام 1996، والذي اضطر خلاله مسعود البارزاني إلى طلب النجدة من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لإنقاذه من الزحف العسكري الذي كان جلال طالباني يقوده، والذي اكتسح بالفعل مدينة أربيل ووصل إلى حدود محافظة دهوك، كل هذه الخلافات لم تكن لتجعل كلا الحزبين يثقان ببعضهما البعض حتى بعد 2003.

هذا الاختلاف بين الحزبين لم يستمر سياسيًّا فقط، بل امتد إلى مستويات إدارية وعسكرية ميدانية، نتج منه انقسام قوة البيشمركة بين إدارتين مستقلتين. يقول الكاتب الكردي هاكار محمد لـ«ساسة بوست» لم تكن قوات البيشمركة موحدة يومًا، وعلى الرغم مما هو معلن للإعلام من أن البيشمركة لها وزارة واحدة، إلا أن الواقع أن قوات البيشمركة هي قوتان، فلكل حزب قوة خاصة لا تأتمر إلا بأوامر قادتها فقط.

وعن توزيع القوات الكردية بين الحزبين الرئيسيين وخاصة في مدينة كركوك بعد عام 2014، يضيف هاكار محمد أن القوة الرئيسية في مدينة كركوك كانت تتبع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني؛ أي مدينة السليمانية.

يذكر الباحث الأمني رياض الزبيدي  في توصيفه للحزبين الرئيسين في إقليم كردستان، أن كلًّا من جلال الطالباني ومسعود البارزاني كانا تحت راية حزب واحد، ويضيف أن جلال الطالباني كان أحد المؤسسين الخمسة الذين شكلوا الحزب الديمقراطي الكردستاني مع والد مسعود البرزاني الراحل مصطفى البرزاني، لكن ما لبث الراحل جلال الطالباني أن انفصل ليشكل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

وفيما يخص ولاءات كلا الحزبين يضيف الزبيدي أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني معروف بعلاقاته التاريخية مع إيران، أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فله علاقات قوية جدًا مع تركيا توطدت كثيرًا خلال الحصار الدولي الذي فرض على العراق في العقد الأخير من القرن الماضي، حيث كان الحزب يسهل عمليات تهريب النفط العراقي إلى تركيا لصالح النظام السابق مقابل عمولة معينة، وأردف الزبيدي أن كلا الحزبين يتمتع بعلاقات قوية جدًّا مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى أبرزها بريطانيا.

3- نصر بغير قتال.. كيف سيطرت القوات العراقية على كركوك؟

بعد أسبوعين من مطالبة بغداد للأكراد بتسليم مواقع مهمة يسيطرون عليها في كركوك، ومع حلول منتصف ليل الاثنين، بدأت القوات العراقية المتمثلة في الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية إضافة إلى الحشد الشعبي بالتحرك نحو كركوك انطلاقًا من جنوب المدينة في عملية أطلقت عليها بغداد اسم «عملية فرض الأمن في كركوك».

وفي غضون ساعات، سيطرت القوات العراقية على منشآت مهمة حول كركوك دون اشتباك يذكر، حيث أعلنت القوات العراقية فرض سيطرتها على مناطق واسعة من كركوك من بينها مطار المدينة العسكري، وقاعدة «K1» العسكرية، وحقول نفطية، وذكرت قيادة العمليات المشتركة ظهر الاثنين 16 أكتوبر (تشرين الأول) في بيان لها أن قوات الشرطة الاتحادية والرد السريع سيطرت على مطار كركوك شرق المدينة، الذي كان تحت سيطرة قوات البيشمركة الكردية منذ صيف عام 2014 إثر انسحاب الفرقة الثانية عشرة من المدينة، تزامنًا مع اكتساح تنظيم الدولة «داعش» محافظات عراقية في يونيو (حزيران) 2014، وأضافت أن «قوات جهاز مكافحة الإرهاب أكملت إعادة الانتشار في قاعدة k1 بشكل كامل شمال غرب مدينة كركوك».

في السياق ذاته، أفادت خلية الإعلام الحربي التابعة لقيادة العمليات المشتركة أن القوات العراقية سيطرت على ناحية ليلان، وحقول نفط بابا كركر، وشركة نفط الشمال، ومصفى كركوك النفطي الرئيسي الذي يعد أهم منشآت النفط في كركوك بطاقة إنتاجية تصل إلى 30 ألف برميل يوميًّا، فضلًا عن سيطرة القوات العراقية على محطة الكهرباء التي تغذي كل المنشآت النفطية بالمحافظة.

من جانبه دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى حماية كل مكونات مدينة كركوك، وطمأن الأهالي وطالبهم بمزاولة أعمالهم اليومية، تزامنت دعوة العبادي مع حالات نزوح لعشرات الآلاف من الأكراد من كركوك باتجاه محافظتي أربيل والسليمانية خوفًا من عمليات انتقام قد يتعرضون لها، وفرضت القوات الأمنية حظرًا للتجوال في المدينة ليل الاثنين 16 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري تحسبًا لأي طارئ.

وعن انسحاب قوات البيشمركة دون قتال، أفاد الصحافي المقيم في كركوك رغيد الحيالي لـ«ساسة بوست» أن المؤشرات تفيد بأن تقدم القوات العراقية جاء نتيجة اتفاق مسبق بين بغداد وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تسيطر قوات البيشمركة التابعة له على المدينة، وأغلب الظن أن الاتفاق حصل خلال اجتماع قاسم سليماني مع فؤاد معصوم في السليمانية.

يقول المحلل الأمني رياض الزبيدي لـ«ساسة بوست» إن العملية على ما يبدو تمت وفق اتفاق مسبق، فكل ما حدث نستشف من خلاله أن الأمر مدبر بين بغداد والسليمانية برعاية إيرانية من خلال قاسم سليماني، وأضاف الزبيدي أن هذه العملية بددت ما كان يُحكى عن توافق بين أربيل والسليمانية.

وعن مصلحة السليمانية في تسليم كركوك لبغداد دون قتال، أوضح الزبيدي أن تسليم المدينة جاء لهدفين اثنين، أولهما يتمثل بعدم اقتناع حزب الاتحاد الوطني بما آلت إليه الأوضاع بعد الاستفتاء إضافة إلى الضغط الإيراني، أما الهدف الثاني فكان نكاية في أربيل، على حد قوله، إذ إن النفط المباع من كركوك كان يذهب ريعه لصالح حزب البارزاني، ونتيجة لذلك قطعت الحكومة الاتحادية في بغداد الموازنة عن الإقليم ما حرم عشرات آلاف الموظفين في محافظات الإقليم الثلاث من مرتباتهم منذ ثلاث سنوات، وبالتالي فالضرر الذي لحق بالسليمانية كان مضاعفًا من بغداد وأربيل، ولذلك رأت إدارة الحزب في السليمانية تسليم المدينة لتحقيق هذين الهدفين.

ويتحدث عمر إبراهيم، وهو أحد سكان مدينة كركوك لـ«ساسة بوست» قائلًا:

«ليلة الأحد على الاثنين لم ننم فيها بتاتًا، كانت ليلة مليئة بالخوف، وكان أقصى ما نخشاه أن يحدث اشتباك بين الجيش والبيشمركة بين أزقة وأبنية المدينة، لكن الحمد لله لم يحدث ما كنا نخشاه، أتمنى أن لا يحدث أي اشتباك بين القوتين في المناطق الأخرى».

وعن رأي الشارع في كركوك، يقول عمر، إن مشاعر الناس اختلفت ما بين فرحة من العرب والتركمان وحزن من الكرد الذين يسكنون المدينة، لكن حالة الخوف كانت مشتركة بين الجميع ونتمنى ألا تحصل أي عمليات انتقام أو ما شابه، فمدينة كركوك تعيش فيها مختلف الإثنيات والأعراق منذ مئات السنين، ولا توجد مشاكل اجتماعية بين السكان.

4- كيف نظرت أربيل إلى «خيانة» السليمانية؟

حتى ساعات الفجر الأولى من يوم الاثنين 16 أكتوبر(تشرين الأول)، كانت وسائل الإعلام الكردية تنفي نفيًا قاطعًا سيطرة القوات العراقية على كركوك أو أي منطقة استراتيجية فيها، تحول الموقف بعد ذلك إلى تبادل الاتهامات بين أربيل والسليمانية بتسليم كركوك دون قتال، ووصل الحد إلى تخوين أربيل لقادة عسكريين تابعين للسليمانية، كما اتهمت أربيل قادة في الاتحاد الوطني الكردستاني بسحب القوات من المدينة، وتمهيد الطريق للقوات العراقية للدخول إلى المدينة.

يقول عبد الغني علي المحلل السياسي الكردي المقرب من حكومة أربيل إن إقليم كردستان صحا على صدمة الخيانة، فمعظم القوات العسكرية الكردية في كركوك تابعة لـ«لاهور شيخ زنكي»، وهو ابن شقيق الرئيس الراحل جلال طالباني، وهو من أفسح المجال أمام القوات العراقية للتقدم في كركوك على حين غرة.

وفي السياق ذاته، قال المحلل الأمني والسياسي هشام الهاشمي، إن التطورات الأخيرة في مدينة كركوك حدثت نتيجة تنسيق مسبق بين بافال الطالباني نجل زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني الراحل جلال الطالباني، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وأضاف الهاشمي على صفحته بموقع فيس بوك، أن كركوك الآن تحت إدارة الحكومة الاتحادية ومركزها تحت إدارة مشتركة بدون أي مواجهات عسكرية مع البيشمركة، وبضوء أخضر أمريكي.

5- ما أبرز ردود الفعل الإقليمية والدولية على خطوة بغداد؟

توالت ردود الأفعال الدولية تجاه ما حدث ويحدث في كركوك، ولعل أهم المواقف الدولية تمثل بموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ قال: «إن أمريكا لا تنحاز إلى أي طرف في الاشتباكات بين الأكراد وبغداد». وأشار ترامب في تصريحات للصحافيين إلى أن بلاده لا ترغب في أن تستمر الاشتباكات بين البيشمركة والقوات العراقية.

أما تركيا، فقد قالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها إن تركيا تدعم الحكومة العراقية في تحركها لإعادة السلام والاستقرار في كركوك، وأضافت الخارجية التركية من أنها تحذر حكومة إقليم «شمال العراق» أنها ستخضع للمحاسبة لسماحها لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض بالاختباء في المدينة. وذكر البيان أن تركيا ترصد عن كثب خطوات الحكومة العراقية لإعادة سيادتها الدستورية على كركوك، التي تمثل وطنًا للتركمان منذ قرون، بحسب الخارجية التركية.

وعن موقف المملكة العربية السعودية، أكد العاهل السعودي في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي دعمه وحدة العراق، ورفض المملكة نتائج استفتاء إقليم كردستان، بحسب ما نشره المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي.

تطورات سريعة تشهدها الساحة العراقية إثر عملية فرض الأمن في كركوك، فمع ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء 17 أكتوبر (تشرين الأول)، ذكرت مصادر صحافية أن قوات مسلحة من الجيش العراقي والحشد الشعبي تمكنت من الدخول إلى قضاء سنجار شمال غرب محافظة نينوى دون قتال، وذلك إثر انسحاب قوات البيشمركة منها، وأنزلت تلك القوات العلم الكردي ورفعت العلم العراقي ما يدل على بسط سيطرتها الكاملة على القضاء الذي كان ضمن المناطق المتنازع عليها، ويخضع لسلطة الإقليم منذ ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.

وكان تنظيم داعش قد سيطر على مدينة سنجار في عام 2014، ما لبثت بعدها قوات البيشمركة أن حررت المدينة بدعم من التحالف الدولي، وأعادت انتشارها في المدينة.

وتفيد آخر الأنباء الواردة أن القوات الاتحادية انتشرت في قضائي خانقين وجلولاء التابعتين لمحافظة ديالى بعد انسحاب البيشمركة منها، أما في محافظة نينوى فقد أفاد مصدر أمني لمركز نينوى الإعلامي أن قوات من الجيش العراقي وحشد بابليون المسيحي التابع للحشد الشعبي كسروا الساتر الترابي المحيط بمنطقة بطنايا الواقعة في محيط مدينة الموصل، والمعروفة باسم سهل نينوى إيذانًا بدخولها، تزامنًا مع انسحاب تدريجي للبيشمركة.

ولا تزال تفاعلات ما حدث في كركوك تظهر تباعًا، خاصةً مع ورود أنباء عن شهود عيان في مدينة الموصل، تفيد بحشد قوات عسكرية تابعة للحكومة العراقية على مقربة من مناطق سهل نينوى المتنازع عليها مع الإقليم باتجاه مناطق سد الموصل وبعشيقة وقضاء الشيخان، والتي يسيطر عليها البيشمركة كذلك.

التعليقات معطلة.