احتجاج ناشطي حركة “#حرروا بريتني” في غراند بارك بمدينة لوس أنجلوس خلال جلسة استماع بشأن الوصاية على بريتني سبيرز في 23 حزيران/ يونيو 2021 في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، وقد خاطبت المحكمة عن بعد. كانت المغنية الأمريكية قد وُضعت تحت وصاية والدها، جيمي سبيرز، وم
ترجمة وتحرير: نون بوست
في الشهر الماضي، استمع العالم إلى بريتني سبيرز، المغنية الأمريكية ونجمة البوب، وهي تصف بالتفصيل أمام المحكمة تجربتها في الخضوع لوصاية والدها جيمس بارنيل سبيرز. عندما تعرضت سبيرز لانهيار عصبي سنة 2007، بدا من الطبيعي أن يتولى والدها إدارة ممتلكاتها. لكن بعد أكثر من عقد من الزمان، أثارت شهادتها أمام المحكمة ذعري عندما استمعت إلى روايتها لما حدث.
في مشهد تقشعر له الأبدان، يذكرنا بأحداث رواية مارغريت آتوود “حكاية الأمة”، كشفت سبيرز أنها مُنعت من إزالة اللولب الرحمي، وهو أحد وسائل منع الحمل التي توضع داخل الرحم.
من غير الواضح ما إذا كانت سبيرز قد وافقت على وضع اللولب الرحمي أو كم من الوقت احتفظت به، ولكن هناك شيء وحيد واضح. في ظل الوصاية، لم يكن بوسعها أن تختار بين الإبقاء على اللولب أو إزالته.
أيقظ تصريحها ذكريات تجربتي الخاصة مع اللولب الرحمي، وذكرني بغضبي لأن النساء يُتوقع منهن قبول هذه الأجهزة دون نقاش، وفي كثير من الحالات يتم إدخالها دون أي نوع من مسكنات الآلام (كما أوضحت كاتلين موران في عمودها بصحيفة التايمز ). أود أن أعرف أين اللولب الذكري؟ يبدو أن النظام الأبوي -تماما مثلما فعل والد بريتني- يفضل حرماننا من الإنجاب ولو على حساب صحتنا، ويحبّذ التحكم بأجسادنا.
يسارع الغرب إلى إدانة عمليات التعقيم ومنع الحمل في الدول الأخرى -مثلما تفعل الحكومة الصينية مع أقلية الإيغور- ولكن في الولايات المتحدة، زعيمة “العالم الحر”، تُمنع امرأة بمكانة وشهرة بريتني سبيرز من التحكم بجسدها.
عندما عُرض عليّ وضع اللولب الرحمي منذ سنوات عديدة كعلاج لمشاكل المعدة والعادة الشهرية المؤلمة، قال لي الأطباء إنه آمن عموما، مع فرصة ضئيلة لحدوث مضاعفات، مثل مرض التهاب الحوض.
كان التركيز على إيجابيات اللولب وليس على مخاطره. تلقيت كتيّبا أنيقا يحمل صورة زوجين متعانقين على الغلاف. كانت صورة مغرية، وبدت كأنها تقدم الحل لمشاكلي الصحية، أي التحرر من فترات الدورة الشهرية وحرية ممارسة الجنس دون القلق من الحمل. كنت صغيرة وساذجة وقابلة لتصديق أي شيء، وافترضت أنه من السهل علاج مرض التهاب الحوض في حالة حدوثه.
المهبل ينظف نفسه ذاتيا. إنه نظام بيئي دقيق يوازن البكتيريا لحماية نفسه من الأمراض المنقولة جنسياً
لمدة ثلاث سنوات، كان اللولب أشبه بقنبلة موقوتة داخل رحمي، وانتهى بي المطاف في المستشفى، غير قادرة على المشي بشكل سليم، وشعرت بآلام حادة. لقد أُصبت بمرض التهاب الحوض ولم أكن أعرف بالأمر في ذلك الوقت. بعد مرور خمس سنوات، ما زلت أعاني من مرض التهاب الحوض، ولم يلتئم الالتهاب بعد.
تُظهر الإحصائيات أن أكثر من 10 بالمئة من النساء يعانين من الالتهابات جراء اللولب الرحمي، وأن ما يصل إلى 5 بالمئة يصبن بمرض التهاب الحوض. ومشكلة اللولب الرحمي الأساسية، هي أنه في كثير من الأحيان لا يوجد أي طريقة لمعرفة أضراره قبل فوات الأوان. كنت أعاني من النزيف، ولكن لم أشعر بالخطر لأن ذلك هو أحد الآثار الجانبية الطبيعية للولب الرحمي. طبيبتي لم تكن قلقة عندما زرتها، بل وصفت بعض الهرمونات للعلاج. كنت ناشطة جنسيا، لذا جعلتها تقوم ببعض التحاليل، وقالت إن لديّ بعض البكتيريا الخفيفة التي ستختفي من تلقاء نفسها. سألتها إذا كنت بحاجة لرؤية طبيب نساء، فقالت إن ذلك ليس ضروريا.
المهبل ينظف نفسه ذاتيا. إنه نظام بيئي دقيق يوازن البكتيريا لحماية نفسه من الأمراض المنقولة جنسيا. بعض البكتيريا التي تنتقل عن طريق الجنس أكثر ضررا من غيرها، والبعض يختفي من تلقاء نفسه. الالتهاب المهبلي البكتيري هو فرط نمو البكتيريا المهبلية، ويمكن أن يضاعف اللولب الرحمي من خطر الإصابة به لأن اللولب هو جسم غريب يغير التوازن الطبيعي للمهبل. بدون علاج، يمكن أن يؤدي التهاب المهبل البكتيري إلى مرض التهاب الحوض.
أكدت العديد من الدراسات زيادة خطر الإصابة بمرض التهاب الحوض لمن يضعن اللولب الرحمي، بنسب تتراوح من ثلاثة إلى تسعة أضعاف مقارنة بالنساء اللاتي يستخدمن أجهزة أخرى، وهو أكثر انتشارا عند النساء اللائي لديهن العديد من الشركاء الجنسيين.
عندما مرضت شعرت بالخجل، وكأنني المسؤولة عما أصابني. بعد سنوات من التفكير، لا أعتقد أنه كان يجب أن أشعر بهذا الذنب. هذا هو النظام الذي اختارته البطريركية للنساء: معاقبتنا على أجسادنا وجعلنا نشعر بالخجل من سعادتنا، ومن ثم التبرؤ من أي مساءلة.
ورغم كل المخاطر، يتم توزيع اللولب الرحمي على الفتيات الصغيرات كحلّ لعدم الإنجاب في سن المراهقة. تتعرض العديد من الفتيات الصغيرات لخطر العقم الدائم إذا أُصبن بمرض التهاب الحوض.
توزّع حكومة رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن -المعروفة بتوجهاتها النسوية- اللولب الرحمي مجانا، متجاهلة الآلاف من النساء اللواتي انضممن إلى مجموعات دعم على فيسبوك للحديث عن تجاربهن الرهيبة والتحذير من استخدام هذا الجهاز. أعتقد أنه كان يجب وضع مخاطر اللولب الرحمي على مقدمة الكتيب الذي حصلت عليه منذ سنوات، بخط أحمر غامق، تماما مثل إشارات التحذير من السرطان على عبوات السجائر.
يجب على النساء تحمل الألم والصمت، فأنت تُعتبرين امرأة قومت إذا قمت بالإنجاب دون أدوية. وأنت امرأة قوية إذا لم يكن لديك مشاكل صحية، وحافظت على ابتسامتك طوال الوقت. عندما كشفت لطبيبتي أنني أعاني من التهاب الحوض، لم تصدقني. وعندما ذهبت لقسم الطوارئ بالمستشفى، لم يقم أحد بفحص رحمي حتى عندما أخبرتهم أنني أضع لولبا رحميا.
بدلا من ذلك، نقلوني إلى مستشفى آخر من أجل علاج الألم العضلي الليفي. لقد جعلوني أخضع لحصص علاجية في مسبح مليء بالكلور، بينما كانت العدوى تتزايد، ما أدى إلى إتلاف الغدد الليمفاوية. عندما بدأت أنزف بشدة، اتصلوا بطبيب أمراض النساء. ألقى الطبيب نظرة واحدة وطلب مني أن أسعل أثناء سحب اللولب الرحمي.
مازلت أشعر بالمرارة والغضب لأنه لم يتم تحذيري من مخاطر اللولب الرحمي بمزيد من الوضوح
وصف لي الطبيب مضادات حيوية لإزالة الالتهابات، ولكن وزني بدأ يزيد بشكل غير قابل للتفسير، وتم تجاهلي مرة أخرى. لاحقا، أخبرني طبيبي الجديد أن زيادة الوزن سببها التقدم في السن.
عندما سافرت إلى الخارج وانفجر جسدي مثل البالون، قال الطبيب العام إن الأمر مجرد تراكم سوائل تم تخزينها في الجسم أثناء الرحلة وأن وضعي سيكون على ما يرام. واصلت السفر بدون جوارب ضاغطة، وهو أمر أعلم الآن أنه كان يشكل خطرا على صحتي، لأنني عندما عدت إلى المنزل أحالني طبيبي إلى جرّاح الأوعية الدموية الذي قام بتشخيص الوذمة اللمفاوية، وهو تلف في العقد الليمفاوية ناتج عن العدوى من اللولب الرحمي. لم تكن عملية التخلص من السائل اللمفاوي تسير بشكل صحيح.
الآن، يجب عليّ أن أرتدي جوارب ضاغطة يوميا، وأحتاج إلى تصريف لمفاوي يدوي. أصبحت دورتي الشهرية أكثر إيلاما من قبل. ورغم أنني تعلمت كيف أتعامل مع هذا الوضع وأصبحت “امرأة أقوى”، إلا أن أنني مازلت أشعر بالمرارة والغضب لأنه لم يتم تحذيري من مخاطر اللولب الرحمي بمزيد من الوضوح. إن التفكير في أن أي امرأة قد تُجبر على تركيب اللولب، مثل بريتني سبيرز، أمر مرعب. إنه انتهاك واضح لحقوق الإنسان.
سنة 2018، أجريت مقابلة مع الدكتورة ليزلي هوغارت، الرئيسة المشاركة في كلية الصحة والرفاهية والرعاية الاجتماعية بالجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة، وقد أخبرتني أنها تعتقد أنه يجب إجراء المزيد من الأبحاث حول اللولب الرحمي. هل سيتم أخذ تجربتي بعين الاعتبار في البحوث الجديدة؟ هل سيتم أخذ تجارب آلاف النساء في مجموعات الفيسبوك بعين الاعتبار؟ أم أننا ما زلنا نتجاهل صوت بريتني سبيرز مثلما تفعل المحاكم؟