«كوفيد19».. نقاشات وقراءات حول التحولات الاجتماعية والثقافية
سعود بن علي الحارثي:
هل سيحدث “كوفيد١٩” تحوُّلات عميقة في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بمعنى إجراء تغييرات أو تحسينات في عاداتنا وتقاليدنا وقِيَمنا وممارساتنا وبرامجنا اليومية التي طبعت خصائصنا، وتشكلت منها أعرافنا على مدى قرون من الزمن؟ هل سيأتي اليوم المؤمل والمنتظر الذي سنتحرر فيه من قيود كورونا، في مقابل التحوُّرات والتناسلات والتطوُّرات التي يفاجئنا بها هذا الفيروس المخادع، الذي يعمل بجد “مثير للقلق” للتحايل على اللقاحات والأمصال والانتصار عليها والهزء بالعلم والعلماء وبكل منتجات هذه الثورات العلمية والطفرات التقنية وأشكال الحداثة والعصرنة التي حققتها البشرية؟ والمثل يقول بحسب ما تضمنه البرنامج التوعوي “لمجلس الصحة بدول مجلس التعاون” “اتق شر الفيروس إذا تحور”، فمن “ألفا” البريطانية، إلى “بيتا” الجنوب إفريقية، ف”جاما” البرازيلية، ثم كارثة التحوُّر الهندي “دلتا”، يصبح “كوفيد19″ أسرع انتشارا وأكثر فتكا وأعظم خطرا وتهديدا، وشركات الأدوية تسابق الزمن لتصنيع جرعات معززة تواجه التحوُّر السريع؟ هل يملك العلماء ومنظمة الصحة العالمية ووزراء الصحة والأطباء والساسة… الإجابة على هذا السؤال الذي يكبر ويتضخم وأصبح مثار قلق المواطن العادي في كل مكان يعيش فيه الإنسان على الكرة الأرضية؟ جميع التصريحات والمؤتمرات الصحفية والإعلانات والأخبار والدراسات لا تستطيع ـ للأسف ـ حتى الآن الإجابة عليه في ثقة وتمكُّن واقتدار ويقين. إلى متى سيظل العالم ومنجزاته ومقدراته وثرواته وبلدانه ومدنه وخططه وبرامجه المستقبلية رهينة لكائن دقيق لا يرى بالعين المجرَّدة؟ إلى متى ستظل دول العالم وشعوبه متقلبة متأرجحة بين إعادة إغلاق كامل وجزئي يؤلمنا ويحبطنا ويبعث برسالة متشائمة على طول بقاء هذه الجائحة واستمرارها، وانفتاح متدرج يبهجنا ويريحنا ويشعرنا بالطمأنينة وبأننا في مرحلة التعافي والوباء إلى زوال؟ في دورة أفقدت الشعوب الاستقرار والتفاؤل والسعادة ورفاهية بددتها أحزان وعذابات على أرواح الأحبة المفقودة، وآهات الأجساد المكلومة والموبوءة، وصرخات واحتجاجات الملايين الذين فقدوا مشاريعهم ومصادر رزقهم ولقمة عيشهم وسرحوا من أعمالهم، فهل علينا أن نتعايش في عالم جديد بات فيه “كوفيد١٩” حقيقة، ويجب أن نتكيف ونتأقلم معه، ونتعلم كيف نتعامل مع تحوُّراته وننجو من شرور تطوُّراته المتواصلة، ونقي أرواحنا شراسته بتعزيز مناعة أجسادنا بالأعشاب والمضادات والأغذية المجربة والموصى بها؟ هل ستظل الكمامات شكلا من أشكال الثقافة الجديدة وتحوُّلا فرضه “كوفيد19″ تخفي ملامحنا وصورنا وتعابير وجوهنا التي كانت تعرينا وتكشف خبايانا وما نكتمه ونعتقده سرا أمام الآخرين؟ هل ستصبح الكمامات ملمحا جديدا من ملامح الحياة وبرقعا يوارينا ويسترنا ليصبح باستطاعتنا التملص والتهرب والتخلص من الثقلاء والمتطفلين والدخلاء ومن لا نرغب في أن يتعرفوا علينا لأسباب كثيرة… ومن ضغوطات التحايا والسلام والعلوم والأخبار والسؤال المبالغ عن الأحوال والأوضاع والاطمئنان على سلسلة من أفراد العائلة والأصدقاء والخلان….؟ هل سنبقى مقيدين بسلسلة من الإجراءات والاحترازات والتنبيهات والتحذيرات، التي تلزمنا بلبس الكمامات والتباعد الجسدي وحمل المعقمات وغسل الأيدي لتفادي العدوى وتحصين أنفسنا من “كوفيد19″؟ ألا نعيش أيام عيد الحج الأكبر، في هذه الأيام المباركة أجواء غير مسبوقة، وإجراءات غير معهودة، وتقاليد وعادات عيد لم نعرفها ولم نشهدها من قبل، وثوابت لم تعد كذلك بل تحوَّلت إلى إشكالات ورخص ألبست على الناس الكثير مما اعتادوا عليه من عُرف وتقليد، إنها تجربة جديدة من نوعها لها معانيها ودلالاتها العميقة، فلا صلاة عيد ولا لقاءات، ولا زيارات ولا أسواق وهبطات، ولا سباقات ورزحات، ولا ابتهالات تهز الأرجاء ولا ابتهاجات؟ لا ملابس جديدة ومصار ترمه كشميرية وخناجر عمانية ممشوقة نزهو بها أمام الأقران والجمع الذين نلتقي بهم في العيد، ففي العيد ولأول مرة في التاريخ نصبح حبيسي منازلنا وبلادنا كلها في حالة إغلاق كامل لا يخرج إنسان من منزله ولا يدخل؟ ألم يحدث “كوفيد19″ كل هذه التحوُّلات في حياتنا؟ فهل سنشهد صلاة الجماعة الخمس والجمعة مثلما كانت حيث تراص الصفوف وتلاصق “المنكب بالمنكب والقدم بالقدم”؟ وهل ستعود مناسبات الأعراس بصخبها وضجيجها وبذخها وبدعوة القريب والبعيد إليها؟ وهل سيحتشد الجمع في المجالس العامة فتغص بالبشر وتفيض بالناس كما كانت في الأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى…؟ فما يدرينا بعد مرور أربعة أعياد في دورة عمرها سنتان، تغيرت فيها وتبدلت كل الأعراف والقِيَم والعادات التي ألفناها في صلوات الجماعة والأعياد ومناسبات الزواج والأفراح والأتراح والزيارات… أن نستعيدها بذات المحتوى والتقليد والمفاهيم التي قامت عليها وتأسست حياتنا الثقافية والاجتماعية، أي مثلما كانت قبل جائحة كورونا؟ ما الضامن من أن لا نألف هذه الحياة ونكتشف فيها التحرر من العادات والتقاليد الاجتماعية الضاغطة وإعفاء من المصاريف المالية المرهقة، ونعتاد على ممارسات وأنشطة وهوايات تعرفنا عليها ومارسناها وارتبطنا بها في سنوات الحظر والعزل والاحترازات؟ لا شك بأن نقاشات تدور وتحدث بشأن التحوُّلات التي سوف يحدثها كورونا، فمن قائل بأن الناس اشتاقت وحنَّت وتاقت إلى تفاصيل حياتها في مرحلة ما قبل كورونا، إلى اللقاءات والاجتماعات، إلى عناق الأحبة وأحضان الأمهات والآباء والأبناء، إلى المشاركة والصخب والأعراس، إلى المجالس المليئة بالأصدقاء والأقارب والجيران والزملاء، إلى مناسبات العائلة الكبيرة، إلى فعاليات العيد البهيجة والسعيدة والمباركة… والبعض يعتقد بأنها فرصة للكثيرين للتحرر من العادات والتقاليد وضغوطاتها المالية والاجتماعية وإهدارها للأوقات والمال والجهد، فأن تجري اتصالا أو تبعث برسالة على “الواتساب” لتقديم واجب العزاء، أو التهنئة بعقد قران زواج، أخف من تجشم الانتقال إلى مكان قريب أو بعيد يتطلب ساعة أو ساعات للوصول إليه، وهكذا بالنسبة لبقية الالتزامات، ففي بلادنا “تتحمل الأسر أعباء متراكمة من التقاليد والأعراف الموروثة والتي لا نزال متمسكين بها حتى اليوم، رغم التحوُّلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي مرَّت بها منطقتنا”، ولكن علينا أن ننتظر المزيد من الوقت إلى أن نتمكن من قراءة التحوُّلات التي سوف يجريها “كوفيد19″ على حياتنا وسلوكياتنا وبرامجنا اليومية.