22-07-2021 |
مقتدى الصدر
A+A-لم يكن ينقص مقتدى الصدر، في إطلالته الأخيرة، إلا أن يمتشق بندقية أثناء إلقاء الخطاب، كما يفعل مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، فالترجمة العملية للرايات التي وضعها الصدر خلفه، تشير إلى التهديد بنحو 100 ألف مسلح.وكان بإمكان الصدر أن يكتفي بإعلان قرار الانسحاب من الانتخابات، ليتلقى الرأي العام العراقي الرسالة الضمنية، إلا أن الصدر ركّز خلفه رايات ميليشياته الثلاث “لواء اليوم الموعود”، “سرايا السلام”، و”جيش المهدي” في رسالة “فجّة” إلى أن ما لن يؤخذ بالصناديق، قد يؤخذ ببنادق الميليشيات الثلاث.
وتلاحق تهمة “ركوب الموجة” مقتدى الصدر، منذ صيف العام 2015، حين دفع أنصاره للمشاركة في تظاهرات شعبية انطلقت إثر انهيار مستوى الخدمات، وسقوط المتظاهر الشاب منتظر الحلفي في محافظة البصرة بنيران القوات الأمنية. وأبرم حزب الصدر تفاهماً مع القوى المدنية المحركة للاحتجاجات عام 2016، غير أنه أدار الظهر للمجتمع المدني المعارض بعد انتخابات أيار (مايو) من العام 2018، وعقد تحالفاً مع ائتلاف “الفتح”، المقرب من إيران، والممثل السياسي لفصائل “الحشد الشعبي”، وتقاسم التحالفان “سائرون الصدري”، و”الفتح الحشدي” تدريجياً المناصب الحكومية وما يسمى بـ “الدرجات الخاصة”. ويمكن معرفة ما إذا كانت خطوة الصدر “انفعالية غاضبة” أو “تكتيكية مدروسة”، عبر التدقيق في المواقع التي قال الصدر إنه سيسحب أتباعه منها، فهو وإن أعلن عدم دعمه مشاركة حزبه في الانتخابات، لكنه لم يعلن أنه سيسحب أتباعه من المديرين والوكلاء ومديري الأقضية والنواحي الذين تغلغلوا في المفاصل الرئيسية للدولة، وبلغوا ذروة توسعهم منذ رحيل حزب “الدعوة” رسمياً عن السلطة في 2018، وبدء تطبيق بنود تحالف “الفتح- سائرون”.
وبعد تظاهرات تشرين الأول (أكتوبر) 2019، عاد الصدر في محاولة جديدة لـ”ركمجة” الحراك، غير أن ميليشياته سرعان ما اصطدمت بالمتظاهرين، في مواجهات عدة شهدتها مدن بغداد والنجف وميسان وكربلاء وغيرها، ليفقد الصدر “خصوصية الاستثناء”، التي كان يتمتع بها في السنوات الماضية، ويبدأ المتظاهرون بإطلاق هتافات “شلع قلع والذي قالها وياهم” في إشارة إلى أن مُطلق عبارة “شلع قلع” مقتدى الصدر، مشمولٌ أيضاً بالعبارة التي توازي في مدلولها “كلن يعني كلن” في حراك تشرين الأول (أكتوبر) اللبناني.
ورداً على ذلك، استفاد أتباع الصدر من مفردات قاموس الفصائل الموالية لإيران، حيث استعادوا مفردات من قبيل “عملاء السفارة” في وصف “متظاهري تشرين” الذين ضموا الصدر إلى قائمة الشخصيات التي يتم تحميلها مسؤولية خراب البلاد.
أما في شأن الانتخابات المقبلة، فقد استغرق أتباع “التيار الصدري” وحلفاؤهم في تحالف “الحشد”، بالحديث عن احتمالية وجود “مؤامرة أميركية أو بريطانية” تدفع نشطاء “تشرين” إلى إعلان مقاطعة الانتخابات المقبلة، والتحذير من أن الظروف الأمنية غير مناسبة لإجراء أي انتخابات، بخاصة مع استمرار الاغتيالات وحالات الاختطاف والتعذيب وسيادة سلاح الميليشيات خارج نطاق الدولة. وفي أيار (مايو) الماضي، قال تحالف “سائرون” رداً على السفير البريطاني – الذي لمّح إلى صعوبة إجراء الانتخابات مع استمرار الاغتيالات: “نؤكد رفضنا التام لهكذا تصريحات غير موفقة وتمثل تدخلاً في الشأن الداخلي لا يمكن القبول بها أبداً، وأن موضوع الانتخابات وما يتعلق بإجرائها هو من اختصاص الحكومة العراقية والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي أكدت في أكثر من بيان استعدادها التام لإجراء الانتخابات المبكرة في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) القادم”.
لكن الجهات المرتبطة بـ”التيار الصدري”، والتي كانت تلمح في أيار (مايو) إلى وجود “تدخل خارجي” في شأن تأجيل الانتخابات، ستجد نفسها في تموز (يوليو)، مضطرة إلى البحث عن ذرائع تفسر قرار زعيم “التيار الصدري” الانضمام إلى قائمة طويلة من القوى المناهضة للنفوذ الإيراني، التي أعلنت مقاطعة الانتخابات قبل قرار الصدر بأشهر. وتسود تفسيرات عدة لقرار الصدر الانسحاب، منها أنه “شعر بالخيبة” بعد تلقيه أرقاماً غير سارّة، من مشروع “البنيان المرصوص” الذي يُعنى بإحصاء أتباع التيار من أجل توقع إمكان أن يحصد التيار المقاعد المئة التي بنى عليها دعايته الانتخابية. بينما يرى آخرون أن إعلان الصدر، إنما يأتي للحصول على هدنة من الهجمات الشعبية والحملات السياسية التي لاحقت التيار، واتهمته بالهيمنة على وزارتي الصحة والكهرباء بالتزامن مع انهيار تجهيز الطاقة وحريقي مستشفيي ابن الخطيب والحسين اللذين خلفا مئات القتلى. هذا مع بقاء طرف ثالث مشككاً بمدى جدية قرار انسحاب الصدر من الانتخابات المقبلة.
لكن، بعيداً من الأسباب الحقيقية لقرار الانسحاب، وقريباً من الرسالة التي أراد الصدر إيصالها بظهوره أمام رايات ميليشياته الثلاث، فإن ردود الفعل الشعبية كانت “باردة” نسبياً، وأدنى من المتوقع. واقتصرت ردود الفعل على مناشدات أطلقها رؤساء الجمهورية والوزراء وبعض الساسة وقادة الميليشيات الولائية المقربة من إيران، لمطالبة الصدر بالعدول عن القرار، بينما لم تتفاعل أوساط المرجعية الشيعية العليا في النجف على سبيل المثال مع التلويح الصدري بالسلاح، كما لم يُظهر النشطاء المعارضون اكتراثاً، باستثناء التحذير من أن الصدر ربما يفكر هذه المرة بركوب موجة “حراك مقاطعة الانتخابات” الذي يجد أصداء شعبية متصاعدة، ويقول متظاهرون منذ أشهر، إنهم في طريقهم لتشكيل “مشروع معارضة وطنية” ينطلق من مقاطعة الانتخابات. وسبق أن أعلنت أحزاب – منبثقة من “حراك تشرين” الاحتجاجي مثل “البيت الوطني” ونشطاء أنهم سيقاطعون الانتخابات المقبلة، وسيدعون الى مقاطعتها، وسيوصلون أصواتهم إلى المجتمع الدولي، لا سيما بعثة الأمم المتحدة في العراق، لمنعها من منح أي شرعية لانتخابات تجري بين مجموعة أحزاب مسلحة تحتكر العنف والمال والإعلام والقدرة على الاعتقال والتغييب والاغتيال.
ويُمكن تفسير “البرود” الذي قوبلت به “تلويحة” الصدر بميليشياته، وفقاً لفكرة “المبلل لا يخشى المطر” كما في المثل العراقي الشعبي. في محافظة ذي قار الجنوبية، يُظهر مشهد فيديو تجمّع عدد من مسلحي “سرايا السلام” التابعة لمقتدى الصدر، أمام أحد المنازل، وهم يهددون سيدة بـ “هدم بيتها” لأن أحد أبنائها المغتربين كتب منشوراً “مسيئاً للصدر” على “فايسبوك”. كما اضطرت والدة المتظاهر مهند القيسي إلى مغادرة مدينتها، بعد أن اتهمت مقتدى الصدر بالتسبب في مقتل ابنها المتظاهر خلال هجوم أتباعه على ساحة تظاهر النجف في شباط (فبراير) من العام 2020. وخلال العام ذاته، جرّب النشطاء المعارضون مختلف السلوكيات التي قد تصدر عن أتباع الصدر، فيما يتهم نشطاء أتباع الصدر باجتراح أسلوب قمعي جديد، يتمثل في تفجير منازلهم في محافظات جنوب العراق، ويُمكن القول إنه لم يعد لدى الصدر في 2021، ما يهدد به.
وقبل عملية “صولة الفرسان” العسكرية عام 2008، سيطر أتباع الصدر على شوارع عدد من المحافظات بالفعل، قبل أن تتمكن القوات النظامية – مدفوعة بالنقمة الشعبية – من استعادة المدن وإيداع العديد من زعماء ميليشيا “جيش المهدي” السجون.
ورغم أن الصدر يملك بالفعل إحدى أكبر الميليشيات في العراق، إلا أنه سيكون مضطراً لمواجهة ضريبة الرفض الشعبي – التي جربها سابقاً – في حال قرر استخدام تلك الميليشيا في المدن بشكل أوسع، بخاصة مع استعادة القوات العراقية الرسمية تماسكها وتصاعد تسليحها وعديدها.