البصرة تتصدر اغتيالات العراق… محافظ بنكهة الولي الفقيه يموّل الصمت عنها
29-07-2021 | 07:10 المصدر: النهار العربيمحمد السلطاني
فتية يضربون صورة المحافظ بالاحذية
A+A-تسببت قوات الأمن العراقية بوفاة شاب تحت التعذيب أثناء محاولتها التحقيق في جريمة أخرى في محافظة البصرة العراقية “الكثيرة النزف”، والتي تقول أوساط محافظها أسعد العيداني إنه يتمتع بعلاقات اقتصادية “فوق العادة” بدول الخليج، رداً على اتهامه بالتبعية للفصائل المسلحة المرتبطة بإيران. الشاب هشام محمد لقي حتفه بعد خروجه من “حفلة تعذيب” نفذها عناصر مديرية “مكافحة إجرام البصرة” بتهمة الاشتباه. ويروي مشتبهٌ به آخر، رافق الضحية خلال لحظاته الأخيرة، تفاصيل عن ما تعرض له الشاب، من أساليب التعذيب المختلفة لدى أجهزة أمن البصرة، اذ طلب الشاب القتيل بعض الرحمة بدعوى معاناته من مرض “ضغط الدم” لكن من دون جدوى. وقرر القضاء في المحافظة الإفراج عن الشاب القتيل الذي تعرض لما يسمى “عراقياً” بـ “التعمق في التحقيق” ليتوفى بعد ساعات على مغادرته المحكمة. الفضيحة الإنسانية ليست الأولى لأجهزة الأمن العراقية بشكل عام، كما أنها ليست “حدثاً يستدعي التوقف” لدى سلطات محافظة البصرة، التي تصدّر أكبر الكميات من النفط والدم العراقي على حد سواء.
وتأتي حادثة وفاة الشاب هشام في 27 تموز (يوليو) بعد ساعات على اغتيال شاب آخر في المحافظة هو علي كريم في ظروف غامضة. وباغتيال علي كريم 24 تموز (يوليو)، يتجاوز عدد جرائم الاغتيال في المحافظة 13 عملية اغتيال، و5 محاولات اغتيال، على الأقل، حصلت جميعها في عهد المحافظ أسعد العيداني، مقابل 9 عمليات اغتيال في العاصمة بغداد خلال الفترة ذاتها، ولا تشمل الإحصائية التي أعدها صحافيون ونشطاء حقوقيون حالات القتل الميداني للمتظاهرين في ساحات التظاهر التي جاوزت 600 حالة، بل تنحصر بعمليات الاغتيال.
وعلي كريم هو ابن الناشطة فاطمة البهادلي التي تم اتهامها “إيرانياً” في وقت سابق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، شأنها في ذلك شأن جميع النشطاء المدنيين في العراق. وروّجت مجاميع “تلغرام” على صلة بالمحافظ، رواية تعزو اغتيال الشاب كريم إلى “جلسة خمور”، والى انه يتمتع بعلاقات ممتازة بـ”الحشد الشعبي”، وهي الرواية والاتهامات ذاتها التي تلي معظم عمليات الاغتيال في العراق، لا سيما اغتيال الخبير هشام الهاشمي الذي قالت الأوساط الإيرانية إنه كان يتمتع بعلاقة ممتازة بـ”الحشد الشعبي”، وذلك في محاولة لدفع الاتهام عن الفصائل التي سبق أن شنت أوساطها الإعلامية حملة تحريض واسعة ضد الخبير القتيل قبيل اغتياله. غير أن عائلة الراحل علي كريم، لا سيما والدته، لم تدلِ بأي تعليق على الحملات “الحشدية” أو على البيان الرسمي الذي أعلنت فيه السلطات اعتقال متهم بتنفيذ عملية الاغتيال.
ووفرت الإمكانات المالية التي يحوزها منصب “محافظ البصرة”، القدرة على تقريب عدد كبير من النشطاء والإعلاميين المحليين الذين تم حشدهم في مجاميع “واتساب” و”تلغرام” ونقلهم من ميدان مسؤولياتهم الصحافية في متابعة شؤون سكان مدينتهم، وملاحقة المتورطين في الجرائم والاغتيالات، إلى “متابعة انجازات المحافظ”. وعلاوةً على ذلك، يساهم تسلّط المحافظ على أموال البصرة الوفيرة، بولوجه إلى عالم الإعلام، وذلك عبر تمويل واحدة من أبرز ثلاث قنوات فضائية عراقية، توصف بالناقدة والجريئة، فيما يتكفل تقريباً بالنفقات الكاملة لتشغيل فضائية أخرى، بما يعنيه تشغيل قناة فضائية من محرقة للأموال. ووفقاً لخريطة التمويلات السخيّة، فإن شؤون البصرة، و”حمامات الدم” والانتهاكات الإنسانية والمالية في المحافظة، تحظى بميزة الصمت الإعلامي شبه المطبق، بخاصة أن بقية وسائل الإعلام التابعة لفصائل “الحشد الشعبي” تعصِب أعينها أيضاً عن ما يدور في مدينة المحافظ “المقاوم”. وتسببت سياسة الإفلات من العقاب، وعدم كشف الجناة، بتعميق موجات “تشريد” النشطاء المعارضين للنفوذ الإيراني والميليشيوي الذين رفضوا عروض الانضمام إلى مجاميع المحافظ، حيث غادر العشرات من نخبة صحافيي المحافظة ونشطائها أماكن سكناهم إلى محافظات بديلة، أو إلى خارج البلاد، أو قرروا إيقاف نشاطاتهم مقابل السماح لهم بالبقاء في منازلهم بأمان.
ويتحدر العيداني سياسياً، من حزب “المؤتمر الوطني” الذي تعرض زعيمه آراس حبيب لعقوبات أميركية بتهمة العلاقة بنشاطات “الحرس الثوري” الإيراني، كما قام المحافظ بإطلاق اسم “أبو مهدي المهندس” على أحد شوارع البصرة، كعربون “تعزيز علاقة” مع الفصائل الموالية لإيران في العراق.
ويعتلي العيداني موجة الكراهيات المناطقية التي بلغت ذروتها بإطلاق دعوات الى فصل البصرة عن سلطات العراق الاتحادية، وتشكيل “إقليم البصرة”. ويظهر المحافظ في عدة تصريحات متسقة مع تلك الدعوات مهدداً بفصل كهرباء البصرة عن بقية مناطق العراق، وهي دعوات يرددها عدد من أتباع الفصائل الموالية لإيران، وعلى رأسهم النائب عن المحافظة عدي عواد التابع لحركة “عصائب أهل الحق”.
ويساوم مقربون من العيداني، النشطاء المعارضين على العودة إلى منازلهم مقابل الانخراط في النشاطات الإعلامية للمحافظ المقرب من الفصائل الموالية لإيران.واطلع الكاتب على رسائل بعثها مقربون من العيداني إلى نشطاء بصريين معارضين، تحوي مضامين مناطقية، من قبيل “دعونا لا نسمح للغرباء بالتدخل في شؤون البصرة” وذلك على خلفية مشاركة نشطاء عراقيين في حملات رفعت شعار “العيداني شريك القتلة”، واتهمت المحافظ بالتستر على المتهمين بعمليات الاغتيال التي طاولت النشطاء المعارضين للنفوذ الإيراني في العراق والمحافظة.
وخلال أسابيع، يُتم العيداني عامه الرابع في المنصبين، محافظاً للبصرة، ورئيساً للجنتها الأمنية، فضلاً عن منصبه الثالث الذي رفض توليه، بعدما فاز بعضوية مجلس النواب العراقي في انتخابات العام 2018، لكنه فضّل البقاء في منصبه التنفيذي “حيث السلطة والمال” ولم يوافق حتى الآن على الانسحاب من أحد المنصبين، ليبقى مقعده في مجلس النواب شاغراً مع قرب نهاية الدورة البرلمانية الحالية، وبينما جرت العادة على أن يسمّي المسؤول التنفيذي المترشح إلى مجلس النواب، بديلاً له في المجلس، إذا ما رغب في الاحتفاظ بمنصبه التنفيذي، إلا أن “القابض على منصبين” فضّل الاحتفاظ بمركزه وحجز المنصب البرلماني لتبقى مقاعد محافظة البصرة منقوصة في التمثيل البرلماني.
وتحوّلت البصرة تدريجياً واحدة من أخطر بقاع العراق بالنسبة للصحافيين غير المنتمين إلى الأوساط الإيرانية، الأمر الذي دفع فريق “بي بي سي” البريطانية إلى مرافقة قوة أمنية في تسجيل تحقيق صحافي عن عمليات الاغتيال في العراق، وهو إجراء يندر أن يتخذه الصحافيون الأجانب في العراق خلال السنوات الأخيرة. وتساهم مشاركة المسؤولين المحليين في ترويج نظريات المؤامرة، بتحويل المحافظة واحدة من أخطر المحافظات بالنسبة الى الشخصيات المناهضة للنفوذ الإيراني وهيمنة الفصائل المسلحة لـ”الحشد الشعبي”، حيث يظهر القيادي العسكري السابق في المحافظة رشيد فليح بكامل قيافته العسكرية الرسمية، وهو يتهم متظاهرين بالعمالة إلى “السعودية والإمارات وإسرائيل”. ورغم الاتهامات التي تطلقها السلطات المحلية ضد مناهضي النفوذ الإيراني في العراق عموماً والبصرة تحديداً، بالعمالة إلى الولايات المتحدة ودول الخليج وغيرها، إلا أن مقربين من المحافظ، يؤكدون أن العيداني يحظى بشبكة علاقات اقتصادية واسعة وتفاهمات مالية وأرصدة لا تستثني دول الخليج، وهو ما يسلط الضوء على جانب آخر من تهافت المرويّة “الحشدية” الإيرانية في العراق.
وبعد اغتيال الناشطة البصرية رهام يعقوب التي تعرضت لحملة تحريض شنتها وكالة “مهر” الإيرانية للأنباء، بتهمة التقاط صورة مع القنصل الأميركي في البصرة، رد نشطاء البصرة بنشر صور تجمع المحافظ بالقنصل ذاته، في مواجهة ممتدة بين ذوي الضحايا و”أوساط الجلادين” في تفاصيلها حديث طويل عن شركات “الحرس الثوري” في البصرة فضلاً عن ميليشياته، وعنوانها الرئيس “مَن هو العميل؟!”.