2021-07-30
نشر “معهد بروكينجز” الأمريكي تقريرا حول مستقبل القوات الأمريكية في العراق والتهديدات المزعزعة للاستقرار التي تمثلها داعش والميليشيات العراقية المتحالفة مع إيران، في ظل الازمة الاقتصادية والحاجة الى إصلاحات سياسية كبيرة، وجهود رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لمعالجتها، وحول دور الولايات المتحدة الحاسم بالنسبة الى مستقبل العراق، فيما يحاول الكاظمي لعب دور “باني الجسور” في المنطقة، بدعم من حلفائه في بغداد واربيل.
تفاصيل بحاجة إلى توضيح
وتضمن تقرير “معهد بروكينجز” الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ مقابلة مع الباحث البارز رانج علاء الدين الذي تحدث عن الاتفاق الأخير بين الكاظمي والرئيس الأمريكي جو بايدن حول انتهاء المهمة القتالية للجنود الامريكيين في العراق، وقال “لا يزال هناك عدد من التفاصيل التي يجب ان تصبح اكثر وضوحا بمرور الوقت”، مذكرا بأنه تم إصدار إعلان مماثل ايضا في ظل ادارة دونالد ترامب.
الا ان علاء الدين قال ان “الاعلان الرئيسي خلال زيارة الكاظمي الى البيت الابيض هو أن الولايات المتحدة ستنتقل بشكل كامل، وأنا اؤكد على كلمة بالكامل، للانتقال الى التدريب، وتقديم المشورة، والمساعدة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مع خروج القوات المقاتلة من البلاد بحلول نهاية السنة”.
ضغط سياسي
واعتبر علاء الدين “هذا هو البيان الفعلي،”، مشيرا الى ان جزءا أساسيا منه نابع من “الضغط السياسي الذي يتعرض له الكاظمي في العراق على الجبهة الداخلية” واضاف ان العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق تآكلت بشكل متزايد، ووصلت الى أدنى مستوياتها منذ التسعينيات، مذكرا بأنه في ظل الادارة الامريكية السابقة، حتى الرئيس السابق ترامب هدد بفرض عقوبات على العراق ردا على الهجمات المتكررة على اهداف امريكية من جانب مجموعات عراقية وكيلة لإيران.
وضع معقد
وقال الباحث في “بروكينجز” انه في ظل وجود الادارة الحالية، فان العراقيين يأملون ان تتبع هذه الادارة نهجا أكثر حساسية واعتدالا تجاه بلادهم، وأن تتفهم بشكل أكبر بأن الوضع الأمني في العراق مرتبط بديناميات السياسية المحلية في العراق، وبالتالي فانه ضمن هذه المعادلة، يناقش العراقيون حول وضع ووجود القوات الامريكية.
لكن علاء الدين اشار الى ان كل هذا أصبح معقدا لان العراق يعتمد بدرجة كبيرة على الولايات المتحدة في الحملة لالحاق الهزيمة بداعش، مضيفا ان هذه القضية تمثل “جوهر العلاقة نفسها” حيث أن العلاقات بين واشنطن وبغداد “مهمة بشكل خاص بسبب التهديد المستمر الذي يمثله تنظيم داعش”، مشيرا الى ان التنظيم رغم الهزيمة التي لحقت به، الا انه “اثبت قدرته على الصمود الى حد ما” ويواصل “توسيع حكم الإرهاب” في بعض مناطق العراق.
وتابع “لهذا السبب فإن الولايات المتحدة مهمة للغاية لجهود العراق لمنع حدوث ذلك”.
الكاظمي الانتقالي
واختصر علاء الدين الصورة التي استجدت منذ قرار ادارة ترامب اغتيال الجنرال الايراني قاسم سليماني والقائد في الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس وخروج كتائب حزب الله للمطالبة بخروج القوات الامريكية من العراق، مشيرا الى “التصويت غير الملزم” الذي اتخذه البرلمان العراقي لمطالبة الحكومة بالعمل على اخراج الامريكيين، وذلك بتأييد من القوى الموالية لإيران.
ووصف علاء الدين رئيس الحكومة الكاظمي بأنه “رئيس وزراء انتقالي”، مشيرا الى ان رئيس الوزراء السابق “تم طرده فعليا من جانب حركة الاحتجاج الشرسة التي طالبت بالمزيد من الحقوق وحقوق الإنسان والمساءلة والإصلاحات ووضع حد للفساد”، مضيفا أن الحركة الاحتجاجية تعرضت لهجوم من جانب الميليشيات المتحالفة مع إيران حيث قتل أكثر من 600 شخص واصيب الالاف، ولم تتم محاسبتها حتى الآن.
وتابع أن الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات والمستمرة بشكل شبه يومي، تساهم في “تقويض الكاظمي، وتشوه سمعته وتخلق المناخ المساعد على عودة داعش لأنها تتسبب بظهور المظالم والاستقطاب” بما يصب في صالح داعش.
مساحة للتنفس
وبالاجمال، اعتبر علاء الدين أن الهدف من زيارة واشنطن يتمثل “بمحاولة الحصول على مساحة للتنفس من الأمريكيين، ومحاولة ضمان ألا تقوم الولايات المتحدة بالرد على الهجمات الصاروخية المستمرة وهجمات الطائرات المسيرة التي تشنها الميليشيات المتحالفة مع إيران على أهداف امريكية بطريقة ربما تكون مشابهة لموقف المواجهة الذي اتخذته ادارة ترامب”.
ولهذا، اعتبر علاء الدين أن الرهان هو على موقف أمريكي “متناسب”، من خلال “رد لا يغرق العراق في صراع آخر، وفي الوقت نفسه، يمكن ان يساهم في تهدئة التوترات في المنطقة”.
وتابع ان الكاظمي “يحاول اقتطاع دور لنفسه، بدعم من للاعبين السياسيين الآخرين في العراق، سواء كان الرئيس او حلفائه في اربيل، وهو دور يمكن للعراق ان يلعب من خلاله دور باني الجسور في المنطقة، بحيث يصبح العراق فعليا قناة يمكن من خلالها تهدئة التوترات بين إيران وخصومها وايضا بين إيران والولايات المتحدة”.
أزمة وجودية
وحول التحديات التي يواجهها الكاظمي داخليا، قال علاء الدين أن أزمات العراق مترابطة، سواء كانت تهديدات الميليشيات المرتبطة بإيران، او كانت داعش او لا”، مضيفا ان الازمات والاضطرابات الجيوسياسية الاوسع، او التوترات الامريكية-الايرانية،، تشير بمعظمها الى الازمة الاقتصادية، والتي هي ازمة شبه وجودية للعراق”.
وأوضح علاء الدين ان الكاظمي تولى منصبه أولا من اجل اجراء انتخابات مبكرة، والامل هو في أن تتيح الانتخابات اجراء بعض الاصلاحات السياسية ودخول شخصيات معتدلة وفاعلة الى مؤسسات الدولة ممن يريدون دفع العراق نحو التعافي وترسيخ ثقافة المساءلة وتنفيذها، وثانيا من اجل معالجة الازمة الاقتصادية.
واضاف ان “الازمة الاقتصادية على وجه الخصوص كانت مدمرة ويمكن أن تصبح أزمة وجودية نتيجة انخفاض أسعار النفط بسبب الوباء، ولم يعد بإمكان الدولة تحمل رواتب القطاع العام” في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 30 مليون نسمة ومن المتوقع ان يصل الى حوالي 50 مليونا في غضون عقد من الزمن.
وقال “لكي نكون منصفين للحكومة، فإنه يوجد مخطط من نوع ما، يعرف باسم الورقة البيضاء التي دخلت حيز التنفيذ بعد شهور من تولي الكاظمي منصبه، وهي مخطط طموح بدرجة ما، إلا أن تنفيذها يصبح أكثر صعوبة ان لم يكن مستحيلا بسبب تلك الأزمات المترابطة التي اشير اليها” والتي من بينها البيئة والظروف الامنية.
البديل الأسوأ
وتابع أن الكاظمي يعتبر “رئيس وزراء انتقالي، هو مرشح تسوية، ولديه مساحة للتنفس بين الجمهور العراقي الأوسع، وبالنسبة لهم، يمكن القول انه يمكن ان يكون الخيار الأقل سوءا، لأن البديل يمكن أن يكون أسوأ بكثير”.
وأوضح علاء الدين ان الخيار الاسوأ بكثير “قد يكون شخصا متشددا أو رئيس وزراء مرتبطا بإيران، وهو ما كان ممكن الحصول في الماضي، ومن الممكن أن يصبح حقيقة فعلية في المستقبل، أو في المستقبل القريب جدا”، مضيفا ان البديل قد يكون في تكرار ما جرى في عهد رئيس الوزراء السابق، والذي هو فعليا “تفويض مطلق للميليشيات المتحالفة مع إيران لشن حملة قمع واسعة النطاق ضد المتظاهرين والجمهور الاوسع”.
مكان أكثر قتامة
وختم الباحث في “بروكينجز” بالقول “أعتقد أن الولايات المتحدة لديها القدرة لحشد الدعم الدولي، سواء كان ذلك من حكومات الدول الاخرى، او من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وحشد الدعم والموارد الدولية من أجل انتعاش اقتصاد العراق”.
وأشار الى التحسن الملحوظ الذي تحقق منذ تولي الكاظمي منصبه ومنذ تولى بايدن منصبه، الى حد ما في علاقة العراق بجيرانه، ولا سيما العالم العربي، مثل الاردن والسعودية والامارات، مشيرا الى ان ذلك يمكن أن يصبح تطورا مهما للغاية للعلاقات الامريكية العراقية في عهد بايدن والكاظمي.
وختم بالقول “ما زلت اعتقد ان الولايات المتحدة حاسمة بشكل خاص لمسار العراق نحو التعافي. وفي غياب هذا الدعم، حتى لو كان دعما بشكل رمزي ومادي، سيكون العراق في مكان أكثر قتامة”.