عسكريون أم مستشارون…إيران ستواصل استهداف الأميركيين في العراق إياً كانت تسميتهم
07-08-2021 | 10:21 المصدر: النهار العربي
جنود أمريكيون في دبابات برادلي يقومون بدورية في منطقة بالقرب من معبر سيمالكا
جون هانافورين بوليسي
الآن يأتي الجزء الصعب في سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه العراق.
قال بايدن لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض الاسبوع الماضي، إن القوات القتالية الأميركية سيتم سحبها من العراق بحلول نهاية العام. وفي الوقت نفسه، ستبقى القوات الأميركية التي تؤدي أدواراً غير قتالية، من تدريب ومشورة وتقديم المعلومات الاستخباراتية لقوات الأمن العراقية.
صفقة كبيرة؟ ليس تماماً. الغالبية العظمى من الـ2500 جندي أميركي في العراق كانوا يقومون بأدوار غير قتالية لأكثر من عام. ضع في اعتبارك هذا العنوان الرئيسي من بيان صحافي للجيش الأميركي في يوليو 2020 :”فرقة عمل التحالف في العراق تتحول إلى مجموعة من المستشارين العسكريين. فهل يبدو ذلك مألوفا؟”.
وكان إعلان يوم الاثنين الماضي بشأن ما يسمى الانسحاب يتعلق بالدلالات أكثر من السياسة، فقد كان تدريباً في المسرح السياسي يهدف إلى مساعدة الكاظمي في استرضاء بعض العناصر المعارضة للوجود الأميركي في العراق، لا سيما الميليشيات الشيعية القوية المدعومة إيرانيًا وأنصارهم بين العراقيين، والذين سيصوتون في الانتخابات الوطنية في تشرين الأول (أكتوبر).
لا شك في أن إعلان بايدن كان بادرة حسن نية. لكن من شبه المؤكد أنها لم تكن ذكية للغاية: ففي بيانين صدرا قبل و بعد فترة قصيرة على اجتماع بايدن والكاظمي، أعلنت ما تسمى “لجنة تنسيق المقاومة”، التي تضم أكثر حلفاء ميليشيات إيران في العراق، أنها لن تقبل بإعادة تسمية للدور الأميركي هناك. ووصفت الإعلان بـ”الاحتيال” و”التلاعب” الذي يستهدف “إطالة أمد الهيمنة (الأميركية)”. وقد أوضحت أنها لن تقبل ببقاء جندي أميركي واحد على أرض عراقية تحت أي ذريعة، ولا يهم بأي صفة يصفون، قوات قتالية أو غير قتالية، بل يجب عليهم جميعًا الرحيل. إذا لم يفعلوا ذلك، فقد وعدت الميليشيات بفعل “كل شيء” من أجل “تطهير أرضنا المقدسة من رجس المحتلين”.
على بايدن التعامل معهم بجدية. فمنذ وصوله إلى الرئاسة منذ ستة أشهر، كان هناك تصعيد كبير في الهجمات ضد القوات الأميركية بالعراق. واستهدفت الميليشيات العراقية القوات الأميركية في العراق، وعبرت الحدود في سوريا أكثر من 30مرة منذ تولي بايدن للمنصب، بما في ذلك ما لا يقل عن اثني عشر هجومًا في شهر تموز (يوليو) وحده.
ليس فقط ذلك العدد من الهجمات، ولكن زادت وتيرة الهجمات، وأصبحت أكثر تطورًا، لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو استخدام الميليشيات الآن لطائرات مسيرة متطورة دقيقة قادرة على تجنب الدفاعات الأميركية قدمتها لهم إيران. واستهدف أول هجوم من نوعه في نيسان (أبريل) ما كان يفترض أن يكون حظيرة سرية لوكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إي” في كردستان العراق، ما يؤكد التغيير التدريجي في مستوى التهديد الذي تواجهه القوات الأميركية الآن.
ولحسن الحظ، كان عدد الضحايا منخفضًا، ولم يسقط قتلى من الأميركيين. ولكن هناك سبب وجيه للاعتقاد أنه مع تصاعد خطورة الأسلحة المستخدمة وتطورها، قد تهدف إيران وميليشياتها المدعومة بشكل متزايد إلى قتل الأميركيين، وليس مضايقتهم فقط.
وليس هناك شك في أن الإيرانيين يختبرون بايدن. “ولماذا لا يفعلون؟” فلقد شاهدوه وهو ينسحب من أفغانستان، ويرون مدى حرصه على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني. إنهم يعلمون أنه يريد بشدة تهدئة التوترات في الشرق الأوسط حتى يتمكن من التركيز على أجندته المحلية وأجندة الصين.
ومن وجهة نظر إيران، أظهر بايدن كل الإشارات الدالة على دخول مشترٍ متلهف إلى السوق. فلماذا لا نضغط من أجل تنازلات أكبر في المفاوضات النووية مع الاستمرار في التقدم بشكل أقرب إلى قدرة الأسلحة النووية؟ لماذا لا تزيد الهجمات على المواقع الأميركية في العراق لمعرفة ما إذا كان يمكن الضغط على بايدن للهرب؟
يشعر المرء أنه منذ تسلم إدارة بايدن السلطة، ينظر الإيرانيون إليها على أنهل هدف سهل. وشارك بايدن في لعبة السياسة الخارجية لفترة طويلة بما يكفي ليعرف مدى خطورة ذلك. وفي محاولة لإبعاد إيران عن هذا الاعتقاد، أمر بايدن مرتين بضربات انتقامية ضد مواقع الميليشيات على الحدود العراقية السورية، من دون أن تنجح محاولته.
وفي الواقع، بعد الضربة الثانية، رد حلفاء إيران بشن أكبر هجوم على القوات الأميركية منذ أطلقت إيران بنفسها وابلًا من الصواريخ البالستية عليها في أعقاب اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب لقائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني في بغداد في كانون الثاني (يناير) 2020.
والحقيقة هي أن الردع ضد إيران لا يمكن شراءه بثمن بخس. عندما ترد أقوى دولة في العالم على عشرات الهجمات الفتاكة المحتملة على جنودها بوخزتي دبوس في الصحراء، فهي بذلك تقول إن الولايات المتحدة تتجنب عمدًا مواجهة حقيقية. وكل ذلك يقر بأن إيران لديها هيمنة تصعيدية على المسرح العراقي، وأنه إذا استمر حلفاؤها في الضغط، فإن الاحتمالات كبيرة أن بايدن سينهار في النهاية بدلاً من القتال. فبدلاً من رؤية الضربات الانتقامية لبايدن على أن ثمة رسالة أسوأ آتية، إذا لم يتوقفوا ويكفوا عن ذلك، فمن المحتمل أن تكون إيران وحلفاؤها قد استنتجوا أنه يخادع وأنه على وشك سحب القوات الأميركية بالكامل. والأسوأ من الفشل، أن رد بايدن على الهجمات بهجوم انتقامي كان بمثابة استفزاز.
إذا اعتقد بايدن أن خدعته الدبلوماسية مع الكاظمي لديها فرصة لخداع إيران، فمن شبه المؤكد أنه سيصحو على حقيقة غير سارة. ومن المرجح أن يكون تأثير ذلك مثل التلويح برداء أحمر أمام ثور. لقد التقطت إيران وحلفاؤها رائحة تقليل الوجود الأميركي في العراق، وكما يوضح رد فعل الميليشيات على إعلان بايدن، هناك فرصة كبيرة لأن يكون النصف الثاني من عام 2021أكثر خطورة على القوات الأميركية في العراق عن النصف الأول.
فهل يفهم بايدن ذلك؟ بعدما قرر على ما يبدو أن المكاسب التي تعود على مصالح الولايات المتحدة من البقاء في العراق تفوق التكاليف، فهل هو مستعد بالفعل لدفع ثمن التأكد من نجاح استراتيجيته؟