أي حسابات محتملة لبينيت في الرد على إيران؟
09-08-2021 | 08:20 المصدر: “النهار العربي”جورج عيسى
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت – “أ ب”
تواجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة تحديات إقليمية تبدأ بالقصف الأخير الذي شنّه “حزب الله” على مناطق قريبة من مزارع شبعا، وصولاً إلى التباحث في كيفية الرد على الهجوم الذي طال ناقلة النفط “ميرسر ستريت” التي تشغّلها شركة إسرائيلية. في كلتا الحالتين، على الإسرائيليين دراسة رد غير قوي إلى درجة إشعال حرب شاملة في المنطقة، وغير ضعيف إلى درجة أن تبدو إسرائيل غير قادرة على الدفاع عن نفسها في القضايا الأمنية الحساسة.
بالنسبة إلى المعركة مع “حزب الله”، يظهر أنّ المناوشات قد انتهت. وهذا يناسب الإسرائيليين الذين يصبّون تركيزهم اليوم على الملف النووي، كما يناسب الحزب الذي لا يستطيع تحميل لبنان ولا جمهوره تحديداً حرباً هما غير جاهزين لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على الإطلاق. يبقى ملفّ إيران على نار حامية.
تصريحات قاسية
هذه المرّة، لقيت تل أبيب دعماً شاملاً من الغربيين في مسألة “ميرسر ستريت”. بريطانيا والولايات المتحدة ومجموعة الدول السبع أعربت عن إدانتها لإيران بسبب هجومها على ناقلة النفط. علاوة على ذلك، أعلنت واشنطن ولندن ضرورة الردّ على ذلك الاعتداء. وكان تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عقب استهداف “ميرسر ستريت” الأعنف بين التصريحات الغربية. فهو قال للمراسلين إنّ “على إيران مواجهة عواقب ما فعلته… كان من الواضح أنّ هذا هجوم غير مقبول وشائن على الشحن التجاري”. وتابع: “توفي مواطن بريطاني. من الضروري للغاية أن تحترم إيران وكل دولة أخرى حريات الملاحة في جميع أنحاء العالم وستواصل المملكة المتحدة الإصرار على ذلك”.
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّ بلاده تنسّق مع الحلفاء لإطلاق هذا الرد. لا يتطلب الأمر تحليلاً معمّقاً لمعرفة أنّ التنسيق يستهلك وقتاً ويضعف الزخم المفترض لأي ردّ متوقع. فالخلافات بين الإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين بشأن إيران كبيرة بما يكفي لترجيح عدم التوصل إلى اتفاق في وقت قريب. حتى مع افتراض أنّ بريطانيا قد ترغب بإجراء انتقاميّ قاسٍ بالنظر إلى مقتل أحد مواطنيها، يمكن توقع أن تكون حماسة الألمان والفرنسيين لهذا الإجراء ضعيفة جداً. وهذا يعني أنّ الخلاف يمتدّ حتى إلى داخل مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة).
تحدّ ثانٍ
تدرك تل أبيب العراقيل أمام نجاح ردّ غربيّ قويّ على إيران بالرغم من التصريحات. التحدّي الثاني الذي تواجهه الحكومة الجديدة هو ضرورة ألّا تغضب الولايات المتحدة بسبب أيّ خطوة ناقصة. فهي لا تريد تكرار مشهد الانتقادات التي كان يكيلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما من على منصّة الكونغرس. كذلك، ترغب حكومة بينيت بتجنّب الانجرار إلى المعارك السياسية الأميركية الداخلية وبالحفاظ على علاقات جيدة مع الجمهوريين والديموقراطيين.
الاتصالات والزيارات بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الديموقراطية لم تتوقف، مع الحديث عن إعداد الطرفين لزيارة بينيت إلى البيت الأبيض والمتوقعة أواخر الشهر الحالي. والتمهيد لهذه الزيارة يجب أن يمرّ منطقياً بتلافي أي خلاف حادّ حول طريقة الردّ على استهداف إيران لناقلة النفط “ميرسر ستريت”. وبما أنّ الإدارة الحالية غير مهتمة بتصعيد عسكري شامل، قد يكون على بينيت ونائبه يائير لبيد القبول بردّ ضعيف على الإيرانيين.
على الرغم من مؤشرات الخلاف بين واشنطن وتل أبيب بقيادة الحكومة السابقة والتي تمثّلت بتأخر اتّصال بايدن بنتنياهو لأكثر من شهر، اتفق الطرفان على سياسة “صفر مفاجآت” حيث لا يعمد الإسرائيليون إلى شنّ حرب أو ضربة عسكرية قد تؤدّي إلى حرب شاملة من دون وضع الإدارة مسبقاً في الأجواء. وكذلك، تضع واشنطن تل أبيب في أجواء مفاوضاتها مع الإيرانيين في فيينا. لكنّ تفجير منشأة نطنز النووية في نيسان (أبريل) الماضي بدا وكأنّه أنهى الالتزام الإسرائيلي بتلك المقاربة. منطقياً، يريد بينيت مواصلة سياسة “صفر مفاجآت” أو إعادة إطلاقها. لكنّ الأخيرة لا تأتي من دون أكلاف.
ضوء أخضر؟
في تموز (يوليو) الماضي، انتقد نتنياهو في صحيفة “إسرائيل اليوم” حكومة بينيت بشدة لأنّها خضعت لهذه السياسة كاتباً أنّه لم يكن ليسمح بذلك حين كان رئيساً للوزراء. وتبادل الرجلان الانتقادات بشدّة في الكنيست حيث قال بينيت إنّ نتنياهو أكثر سياسيّ إسرائيليّ يقول الكثير ويفعل القليل بشأن إيران. اليوم، قد يجدّد الهجوم على “ميرسر ستريت” حفلة المزاديات الداخلية الإسرائيلية، بشكل سيحرج على الأغلب موقف بينيت في حال لم يتبنّ خياراً عسكرياً واضحاً تجاه إيران، أكان خوفاً من إشعال حرب إقليمية أو إرضاء لبايدن. كيفيّة خروج بينيت ولبيد من هذه المعضلة صعبة التصور حالياً.
في هذا الوقت، ذكرت صحيفة “ذا صن” البريطانية أنّ إسرائيل حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة وبريطانيا للرد على الاعتداء الإيراني، لكنها لم تذكر أي تفاصيل عن طبيعته وتوقيته. قبل لقاء بينيت وبايدن، من المستبعد لجوء الطرفين إلى حملة انتقامية واسعة. ربّما تختار إسرائيل الخيار الأبرز الذي تجيده وهو حرب الظل التي تستهدف من خلالها البرنامج النووي الإيراني. فهذه الحرب تؤمّن أهدافاً عدة في خطوة واحدة: تأخير برنامج تخصيب اليورانيوم، تذكير إيران بأنّها قادرة على اختراقها في الداخل، واكتساب القدرة على إنكار أي تورّط في الهجوم المحتمل وبالتالي تفادي ردّ إيرانيّ وحرب شاملة. يؤمّن هذا الخيار مكسباً لبايدن أيضاً الذي سيتفادى الغرق في أزمات المنطقة، والذي سيستفيد من ضغط ديبلوماسي غير مباشر على إيران بمجرّد ضرب برنامجها.
بطبيعة الحال، ليس هذا الخيار خالياً من السلبيات. فهو يظهر أنّ إسرائيل تتفادى المواجهة العلنية والمباشرة مع إيران التي قد ترى في ردّ سرّيّ كهذا نقطة ضعف إسرائيلية. وقد تلتقي الرؤية الإيرانية هذه – للمفارقة – مع رؤية نتنياهو. ليس غريباً أن تكون حكومة بينيت غارقة حالياً في حسابات بالغة التشابك.