1

لماذا تقوم ألمانيا بتشويه صورة الإسلام السياسي؟

كتب بواسطة:عماد مصطفى

البرلمان الألماني: الرغبة في إخضاع المسلمين في ألمانيا واضحة من برامج التعليم والإجراءات الأمنية بعيدة المدى.

في الأشهر الأخيرة، مارست بعض الحكومات الأوروبية تحريضا متصاعدا بشكل ملحوظ ضد ما يُعرف بالإسلام السياسي وممثليه ومنظماته. بعد فترة قصيرة من الهجوم الإرهابي في فيينا الذي وقع في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أكد المستشار النمساوي سيباستيان كورتس عبر حسابه على تويتر أن حكومته سوف تجرّم “الإسلام السياسي” بسبب محاولته “تجنيد الأشخاص العاديين وخلق أرض خصبة لدمغجتهم”.

في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع في باريس في شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2020، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رغبته في محاربة “النزعة الانفصالية الإسلامية” وإصلاح الإسلام الذي قال إنه يمر بـ “أزمة” عالمية.

تبنّت ألمانيا توجّها مماثلا في السنوات الأخيرة، حيث انحازت العديد من الأحزاب الوسطية بشكل حاد نحو اليمين، مدفوعة بتوجهات حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي والمعادي للإسلام، والذي يركز خطابه على التحذير من أسلمة أوروبا وما قد ينجم عن ذلك من تهديد للقيم الغربية. وتعتمد هذه الأيديولوجية على سردية موروثة منذ قرون عن المسلمين من منظور أوروبي.

ورغم أن هذا الموقف ليس جديدا، إلا أنه أصبح يلعب دورا بالغ الأهمية في بلورة الخيارات السياسية في ألمانيا، حيث يعزز جنوح الجهات السياسية الفاعلة الأخرى والشخصيات العامة نحو تبني مواقف معادية للإسلام بشكل علني، بدعوى كسب الأصوات في عصر اليمين المتطرف.

اكتسب مصطلح “الإسلام السياسي” زخما كبيرا في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، وقد استُخدم قبل ذلك ونُوقش لفترة طويلة، إلى جانب مصطلحات أخرى مضللة، على غرار “الإسلاموية” و”السلفية المتطرفة” و”الإرهاب”. من المفترض أن تشير هذه المصطلحات إلى الجماعات أو الأفراد الذين يعارضون النظام السياسي الديمقراطي الليبرالي، أو من يمارسون العنف لأغراض سياسية، أو المحافظين الذين لا ينسجمون مع القيم الأوروبية.

نظريات المؤامرة

لا يوجد تعريف واضح للإسلام السياسي، وغالبا ما يكون لدى وسائل الإعلام والسياسيين والأكاديميين تعريفات متنوعة لهذه الظاهرة، مما يُفسح المجال أمام نظريات المؤامرة والاستغلال السياسي. تقترن صورة “الآخر” المسلم مع الجهل بتاريخ وأيديولوجيات وأدبيات المنظمات والحركات الإسلامية.

في كتابي “الإسلام السياسي“، صنفت ضمن هذا المصطلح حركات ومنظمات اجتماعية وسياسية، مثل حركة حماس في فلسطين، أو جماعة الإخوان المسلمين المصرية، أو حزب الله في لبنان. ومن خلال تحليل تاريخهم وتوجهاتهم المتنوعة في التعامل مع المجتمع والسياسة، ميّزت بين هذه المنظمات وبين الكيانات الإرهابية، على غرار تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة.

مع ذلك، يصعب تمييز هذا التباين في المجال العام والمجال السياسي في ألمانيا، باستثناء حالات قليلة. هناك تحالف غير متجانس في ألمانيا، وإن كان غير رسمي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار المتطرف المناهض للفاشية، يجد أرضية مشتركة في عداوته للإسلام وأنصار الممارسة السياسية الإسلامية.

يدعم هذا التوجه إعلاميون ونقاد وأكاديميون وشبكات سياسية، وقد أسسوا منظومة كاملة تقوم على الإسلاموفوبيا وتهميش المهاجرين المسلمين في ألمانيا.

تستفيد كتب مشهورة مثل “الفاشية الإسلامية” و”جيل الله” و”الإسلام السياسي: اختبار الضغوط على ألمانيا“، “محامو الله الكاذبون” و”كل شيء لله: كيف يغير الإسلام السياسي مجتمعنا“، من الخوف المستفحل في كل مكان من “الإسلام السياسي”، والذي يُروَّج له بشكل متصاعد ومستمر من خلال الحديث عن أجندة خفية للإسلام السياسي ( غالبا ما يُقصد بذلك جماعة الإخوان المسلمين).

تبالغ هذه الكتب في تقييم الدور الذي يلعبه الإسلام السياسي في المجتمعات الأوروبية، مشيرة إلى أنه يعتبر أرضا خصبة لتبني عقيدة الجهاد المسلح. وتشبه بعض هذه الروايات حول القوة والتأثير المزعوم للإسلام السياسي بشكل واضح النظريات المعادية للسامية حول هيمنة اليهود على العالم.

التشويه الإعلامي

المنظور المتكرر في هذا الخطاب هو أن أوروبا مهددة من المسلمين. ويعدّ إضفاء هذه الصورة عن الإسلام والحياة الإسلامية، والهجوم العشوائي على الإسلام السياسي، ناتجا جزئيا عن استمرار التشويه الإعلامي منذ حوالي 20 سنة على الأقل.

مثّلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة تحول، حيث أعطت الدول الغربية ذريعة لخوض حرب في غرب آسيا وشمال أفريقيا لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية الإمبريالية الجديدة في الخارج، مع الحفاظ على أمن المجتمعات المهاجرة والمسلمة في الداخل. 

وجدت “الحرب على الإرهاب” إجراءات مماثلة لها في ألمانيا من خلال إخضاع المهاجرين غير الألمان وغير البيض والمسلمين لبرامج تعليمية ترعاها الدولة وتدابير أمنية وسياسية بعيدة المدى.

صورة
 سيارة شرطة خارج مسجد، آذار 2019 

أُنفقت المليارات على برامج التحول الديمقراطي الفيدرالية، ودراسات حول الشباب المسلم في ألمانيا، ومقاومة التطرف، وحماية الشباب السلفي من التطرف، وبرامج الاندماج الإلزامي للمسلمين وغيرهم من المهاجرين. بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الروابط بين المؤسسات الأكاديمية وجهاز الأمن الألماني، حيث ينشر موظفو وكالات الاستخبارات المحلية أو مراكز الأبحاث شبه الرسمية الأوراق العلمية والتقارير حول الإسلام السياسي وتقديم المشورة للحكومة.

علاوة على ذلك، هناك مثال آخر وهو وكالة الاستخبارات المحلية الفيدرالية التي أنشأت مركز أبحاث خاص بها. من الصعب للغاية بالنسبة لعلماء الاجتماع إجراء أبحاثهم في الغالب في ظلّ المخاوف الأمنية، مما يساهم في تحيز التحليلات لطرف واحد، ويعزز بالتالي الفكرة السائدة عن الإسلام باعتباره تهديدا للمجتمعات والمصالح الأوروبية أو الغربية. إلى جانب ذلك، من الصعب عدم ملاحظة شعور الشباب المسلم بالتمييز في البلدان الأوروبية خاصة وأنهم يتعرضون باستمرار للرقابة والتعليم وعدم الثقة.

تفاقم المشكلة

أدى بروز تنظيم الدولة في 2014/2015 إلى تفاقم هذا الوضع. في حين قد تحتاج الحكومات الغربية لمراقبة التطورات في الخارج، وتطوير برامج تعليمية للأطفال الأوروبيين الذين يسلبون، عن جهل،  نداء الجهاد العالمي خاصة في سوريا والعراق ثم يعودون إلى ديارهم، فإن هذه البرامج وما يقابلها من تغطية إعلامية لا تتماشى مع التهديدات الحقيقية التي تواجه ألمانيا أو أوروبا ككل.

معظم ضحايا عنف الإبادة الجماعية لتنظيم الدولة كانوا من غير الأوروبيين في سوريا والعراق، ولم تتمكن الجماعة الإرهابية من البروز إلا بسبب ما يسمى بالحرب على الإرهاب وتدمير الدولة العراقية. في الوقت ذاته، لا تواجه ألمانيا أي مشكلة في التقرب من ديكتاتوريي الخليج الإقليميين، أو المستبد المصري عبد الفتاح السيسي، المسؤول عن إحدى أسوأ المذابح المقترفة ضد المتظاهرين العزل وأنصار الإخوان المسلمين في العقود الأخيرة. في الواقع، يبدو أن انتهاكات حقوق الإنسان لا تصبح مهمة إلا في حال لم تتعارض مع المصالح السياسية.

بالعودة إلى السياسة المحلية، نشر التحالف الحاكم في ألمانيا مؤخرا وثيقة يدعو فيها الناس إلى “محاربة الإسلام السياسي”، وهو مثال آخر على مدى ضبابية هذا المفهوم في السياسة الألمانية. وتصف الوثيقة “الإسلام السياسي” بأنه “أيديولوجية واسعة ودين مسيّس يحدّد وينظم الحياة اليومية للمسلمين على أساس فئتي الحلال والحرام”.

من هذا المنظور، فإن الأحكام الإسلامية الأساسية، مثل الامتناع عن أكل لحم الخنزير، هي بالتالي علامة على الإسلام السياسي. قال المؤلف الرئيسي للوثيقة، عضو البوندستاغ والمحافظ المتشدد، كريستوف دي فريس، في نقاش برلماني في كانون الثاني/يناير الماضي إن “الإسلاموفوبيا غير موجودة في ألمانيا … إنها فكرة مبنية على العنصرية” لا تخدم إلا مصالح مؤيدي وقادة الإسلام السياسي.

رسالة مدمرة

بعد شهرين من نشر الوثيقة، أنشأ المكتب الداخلي الألماني مجلس خبراء الإسلام السياسي، مكلفا بوضع خطة عمل ضد الإيديولوجيات التي لا تؤيد العنف “ولكنها تُعتبر تهديدا لقيم بلدنا… وبالتالي فإن المجلس هو جزء من نهجنا الشامل لمكافحة التطرف والإرهاب”.

هذا الخطاب مطابق تقريبا للخطاب الذي استخدمه كورتس في النمسا، وهو تحذير لجميع المسلمين الألمان حتى لا يعتقدوا أن وجودهم في البلاد أمر مسلم به بأي حال من الأحوال. على العكس من ذلك، يبدو أن الحكومة الألمانية تتبع ببطء النهج ذاته الذي اعتمدته النمسا عندما قدمت لأول مرة مركز توثيق للإسلام السياسي. ينشر هذا المركز نظريات مشكوك فيها حول جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، كما تسبب في احتجاج كبير عندما نشر ما يسمى بخريطة الإسلام في أيار/مايو، من خلال وضع علامة على جميع المساجد في البلاد.

من الواضح أن الكفاح ضد “الإسلام السياسي” هو في كثير من الحالات قتال ضد الإسلام والمجتمعات المسلمة نفسها. في ظلّ مواجهة المزيد والمزيد من الهجمات ضد الجاليات الألمانية المسلمة، يمثّل موقف النخب السياسية رسالة مدمّرة إلى المسلمين، وخيانة لمثلهم الليبرالية.

التعليقات معطلة.