1

قمّة بغداد الإقليمية رهان النفس الأخير

آراءإياد الدليمي17 اغسطس 2021

تحتضن بغداد، في 28 أغسطس/ آب الحالي، قمّة إقليمية موسّعة تضم دول جوار العراق، تركيا وإيران والسعودية والأردن والكويت، بالإضافة إلى قطر ومصر، وربما البحرين والإمارات، وحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتأتي القمة في إطار دبلوماسية عراقية نشطت أخيرا من أجل حلحلة مشكلات المنطقة، حيث يعتقد ساسة بغداد أن هذه الحلحلة يمكن أن تقود إلى تفكيك مشكلات داخلية كثيرة يعاني منها العراق، وهي بتعبير أدق محاولة عراقية للهروب إلى الأمام، وإيجاد فرص لمستقبل العملية السياسية المأزومة أصلا؛ من خلال دعم إقليمي وتوافقات، تجنّب المنطقة الخضراء وسط بغداد سيناريو نهاية قصر كابول على أيدي حركة طالبان، مع الفارق طبعا.
يرى ساسة بغداد أن المشكلات السعودية الإيرانية، والإيرانية الأميركية، وحتى التركية مع دول المنطقة العربية، كلها تؤثر سلبا على الواقع العراقي. هذه النظرة، وإن كانت، في بعض جوانبها صحيحة، تبقى قاصرة، لا تريد أن تدرك أن الحل من الخارج سيبقى مرهوناً بحسابات هذا الخارج، حتى وإنْ نجح مؤقتا في إيجاد أرضية مشتركة للتوافق قد يستفيد منها العراق على صُعدٍ شتّى. ولا تنحصر مشكلات العراق في الخلافات الإيرانية السعودية، أو حتى الإيرانية الأميركية، بل ربما من أهم هذه المشكلات هذا التغلغل لأطراف إقليمية ودولية عديدة في الشأن العراقي، حد استباحته وتحويله إلى شأن داخلي لهذه الدولة أو تلك. وقد تحوّل العراق اليوم، بفعل هذا التغلغل والنفوذ والسيطرة على مقاليد القرار ومصادرته، إلى ساحة تلعب بها مختلف الأطراف أدوارا شتّى، بل لا نأتي بجديد إذا ما قلنا إنه لا توجد فعليا على أرض الواقع حكومة عراقية قادرة على استرداد حقها السيادي في ملفاتٍ عديدة، حتى الداخلية منها، مثل ملف الكهرباء الذي فشلت كل حكومات ما بعد 2003 في حلّه، لا لعجز هنا أو قلة تخصيصات مالية هناك؛ إنما لأن هذا الملف تحوّل إلى ملف اقتصادي إيراني بحت، حيث تصدّر إيران جزءا من طاقتها الكهربائية إلى العراق، ناهيك طبعا عن الغاز الإيراني اللازم لتشغيل بعض منظومات الطاقة الكهربائية.

ما زالت إيران تناور في ملفها النووي، وما زالت تتلاعب بكثير من ملفات المنطقة الأمنية من خلال مليشياتها الممتدة

اليوم، يسعى العراق، من خلال قمته المقبلة، إلى أن يكون ساحة لتوافقاتٍ يدرك ساسة العراق قبل غيرهم أنها ليست بالضرورة قادرةً على صنع واقع جديد في بلدهم، والتخلص من تبعات تلك التجاذبات الإقليمية وأثرها السيئ على العراق، خصوصا وأن جذور المشكلة ستبقى في العراق في فقدان القدرة على التعامل مع كثير من مشكلات الداخل المرتبطة أصلا بالفساد والنفوذ السياسي والعسكري لقوى وأحزاب ومليشيات عديدة تغوّلت حتى ابتلعت الدولة وقواها المختلفة.
السؤال الأهم؛ هل ترغب دول الجوار العراق فعليا بإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم فيما بينها بالطريقة التي يمكن أن تجنّب العراق تبعات الخلافات القائمة؟ تبدو السعودية وإيران أقرب إلى إيجاد لحظة تاريخية فارقة بينهما، يمكن أن تقود إلى مصالحة، وإنْ وقتية، يرى فيها الطرفان، الرياض وطهران، فرصةً لالتقاط الأنفاس بعد أكثر من عقد ونصف العقد من الشد والجذب، وما سبّبه ذلك لكليهما من إرهاق مالي وسياسي، وحتى اجتماعي، لكن ذلك لا يعني بأي حال أن هذه الرغبة يمكن أن تقود إلى تلك المصالحة المرجوّة عراقيا، فإيران ما زالت تناور في ملفها النووي، وما زالت تتلاعب بكثير من ملفات المنطقة الأمنية من خلال مليشياتها الممتدة من العراق إلى اليمن مرورا بسورية ولبنان، يقابلها عدم رغبة أميركية في أي تصعيد، حتى لو تطلب الأمر إغفال الدور الإيراني الواضح في استهداف ناقلات في عرض الخليج العربي.

يعيش العراق على كومة مشكلاتٍ قادرةٍ على أن تُغرق الإقليم برمّته إذا ما تفاقمت

صحيحٌ أن إيران مأزومة، وصحيحٌ أن لدى السعودية مشكلات كثيرة جلبها التغلغل الإيراني في اليمن عبر مليشيا الحوثي، وهو ما قد يدفع كلا الطرفين إلى محاولة إيجاد أرضية مشتركة، يمكن أن تنعكس على الواقع العراقي، من خلال تخفيف حدّة التوتر والتدخل والسماح للسعودية أن تلعب دورا اقتصاديا في العراق الذي بات في حاجةٍ ماسّة له، لتحسين واقع الخدمات المتردّي وتخفيف احتقان الشارع. وفي المقابل، لا تبدو أميركا معنية كثيرا بقصة النفوذ الإيراني في العراق، فهي التي قدمت البلد على طبق من ذهب لإيران، عقب الانسحاب غير الممنهج عام 2011، والفراغ الذي تركته خلفها القوات الأميركية لتأتي إيران وتسدّه بنفوذ ومليشيات وملفات اقتصادية رهنت العراق طويلا لهذا النفوذ.
وسط هذه “المعمعة” الإقليمية، يجد العراق نفسه محاطا بملفاتٍ عديدةٍ معقدة، لا يبدو أن قمّة عابرة قادرة على أن تحقق شيئا مهما فيها، خصوصا وأن العراق يعيش على كومة مشكلاتٍ قادرةٍ على أن تُغرق الإقليم برمّته إذا ما تفاقمت. صحيحٌ أن الدبلوماسية العراقية تسعى، من خلال هذه التفاهمات الإقليمية، إلى إيجاد سبل تسويةٍ تمنح العملية السياسية قبلة حياةٍ قبل الانتخابات المقبلة، لكنها في المطلق ستبقى قاصرة من دون قرار عراقي على معالجة مشكلات الفساد والمحسوبية والسلاح المنفلت وغياب العدالة والإقصاء والتهميش، وغيرها من مشكلات العراق التي لا عد لها ولا حصر.
بخلاف ذلك، ستبقى قمة بغداد المقبلة فرصة لالتقاط صور قد لا تتكرّر قريبا، وفرصة من أجل إقناع الناخب العراقي المنتفض على الذهاب إلى صناديق الاقتراع في أكتوبر المقبل، ومحاولة الإيحاء له بأن هذه القمة وما بعدها من انتخابات ستحمل الحل السحري لمشكلات العراق التي ارتفع منسوبها حتى أحال نهريه، دجلة والفرات، إلى ما يشبه القاع الصفصف.

التعليقات معطلة.