هل يلتزم بايدن بـ”الخط الأحمر” الطالباني؟
26-08-2021 | 15:37 المصدر: النهار العربيجورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن منهياً كلمته حول أفغانستان، 16 آب 2021 – “أ ب”
من بين المشاكل الأفغانية التي أوقع بايدن نفسه فيها، إلزام إدارته بإجلاء الأميركيين وشركائهم الأفغان من البلاد بحلول 31 آب (أغسطس) الحالي. كانت مهلة الانسحاب الأساسية تنتهي في 11 أيلول (سبتمبر)، تاريخ مرور 20 عاماً على الهجمات الإرهابية. يَظهر أنّ مستشاريه أقنعوه بأنّ رمزية هذا التاريخ سيئة وقد ينتهي الأمر بإعلان “طالبان” انتصاراً مزدوجاً: خروج الأميركيين من أفغانستان بشكل نهائي، وتزامن ذلك مع أسوأ هجوم تعرّضت له الولايات المتحدة منذ بيرل هاربر سنة 1941.
لكن بدلاً من أن يمدّد بايدن تلك المهلة الزمنية التي منحها لنفسه، عمد إلى تقليصها فارضاً المزيد من الضغط على إدارته وجيشه لإنهاء المهمة في سرعة قياسية. علاوة على ذلك، لم يحدّد بايدن الموعد الجديد للمهلة النهائية إلّا في أوائل تموز (يوليو) فصعّب المهمّة على وزارة الدفاع في تنظيم عمليات الإجلاء.
“الخط الأحمر”
اليوم، يطالب الأميركيون بايدن، وكذلك حلفاؤه الدوليون، بتمديد هذه المهلة. لكنّ “طالبان” ترفض الأمر بشكل حاسم. لمن ستكون الكلمة الأخيرة جوابٌ قد يعرفه العالم خلال أيام. لكنّ المؤشّرات الأولية لا توحي بأنّ الأوروبيين سيكونون سعداء. في ظل جميع مشاهد التخبط الأميركي في إدارة عمليات الإجلاء، لم يُبيّن بايدن أي مظهر من مظاهر الحزم تجاه “طالبان”، بل العكس هو الصحيح. وصفت “طالبان” تاريخ 31 آب (أغسطس) بأنه “خط أحمر”. بالمقابل، قال بايدن إنّ كل يوم يقضيه الجيش الأميركي على الأرض، “هو يوم آخر نعلم فيه أن “داعش”-خوراسان يسعى لاستهداف المطار، ولمهاجمة الولايات المتحدة والقوات الحليفة والمدنيين الأبرياء معاً”.
إنّه اعتراف صريح من رئيس يغادر أفغانستان على الرغم من جميع التحذيرات الاستخبارية حول إمكانية إعادة تجميع التنظيمات الإرهابية نفسها بعد الانسحاب الأميركي. حتى أنّ بايدن في أحد تبريراته قال إنّ الأخطار التي تواجهها الولايات المتحدة من هذه التنظيمات في أماكن أخرى من العالم مثل سوريا أكبر بكثير مما تواجهه في أفغانستان. وقال أيضاً في 16 آب (أغسطس) إنّ واشنطن تواجه أخطار تنظيمات مثل “الشباب” في الصومال و”القاعدة” في شبه الجزيرة العربية و”النصرة” في سوريا كما أنّ “داعش” يحاول تأسيس “خلافة” في سوريا والعراق وتأسيس فروع له في أفريقيا وآسيا.
إذا كان “داعش” خطراً على القوات الأميركية في الشرق الأوسط ويستدعي التنبه الأميركي له، فالسؤال هو لماذا لا يستدعي وجود “داعش” في أفغانستان إبقاء قوة أميركية صغيرة لمراقبته. من جهة ثانية، إن التنظيمات الإرهابية الموجودة في سوريا والعراق لم تستدعِ أن يحافظ بايدن على حجم حضوره العسكري هناك، إذ إنّه يعمد تدريجياً إلى سحب قواته من العراق أيضاً.
إنّ تناقض بايدن في النظرة والتعامل مع المخاطر الإرهابية بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا ليس سوى دلالة على عدم تجانس نظرته الأفغانية ومحاولة تبريرها بمقولات إما غير منطقية وإما غير صحيحة. وهذه هي الحال مثلاً مع قوله إنّ “القاعدة” لم تعد موجودة في أفغانستان وهو ادّعاء ينقضه خبراء أمميون وأميركيون على حد سواء. هذا التخبط في النظرة إلى أولويات مكافحة الإرهاب يجد انعكاسه أيضاً في التخبط بإدارة الأزمة الأفغانية المستجدة. إذا كان بايدن غير مقتنع بالمخاطر الكلية الناجمة عن انسحابه من أفغانستان، فقد لا يقتنع أيضاً بالمخاطر الجزئية الناجمة عن إلزام فريقه بإنهاء المهمة قبل موعد زمنيّ محدّد، يمكن أن يكون قد وُضع اعتباطياً. في الوقت نفسه، يبدو أنّ الوقائع الميدانية هي الأخرى عاجزة عن إقناع بايدن بتغيير موقفه.
حجم الفوضى
حصلت شبكة “أن بي سي” على مراسلة لمسؤول أميركي في سفارة كابول جاء فيها أنّه “سيكون من الأفضل الموت برصاصة من طالبان” عوضاً عن مواجهة الحشود مجدداً. علاوة على كلّ ذلك، يبدو أنّ الإدارة لا تعلم بالضبط متى تنتهي المهلة الزمنية التي منحتها لنفسها. هل هي عند الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل 30-31 آب (اغسطس) أم 31-1 أيلول (سبتمبر)؟ وهل يُحتسب هذا التاريخ بالتوقيت الأميركيّ أم الأفغانيّ؟
وأرسل بايدن مدير وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي أي” ويليام بيرنز إلى كابول الاثنين لإجراء محادثات عاجلة مع المسؤول البارز في “طالبان” عبدالغني بارادار لكن من دون جدوى. وقال الناطق الرسمي باسم الحركة سهيل شاهين منذ ثلاثة أيام: “إذا كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تسعيان إلى وقت إضافي لمواصلة عمليات الإجلاء، فالجواب هو لا… وإلا سيكون هنالك عواقب”.
ليس واضحاً عدد الأفراد الأميركيين الذين تريد واشنطن إجلاءهم. إلى الآن هي أجلت 4 آلاف أميركيّ. يقول وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنّ هنالك حوالي 1500 أميركي لا يزالون ينتظرون الإجلاء. لكنّ البعض يحذّر الإدارة من عدم الاكتفاء بإجلاء من يتواصل معها من الأميركيين، إذ ثمة مواطنون يريدون مغادرة البلاد وقد لا يتمكنون من التواصل مع الإدارة. وتشير تقديرات أخرى إلى انتظار حوالي 15 ألف أميركي كي يتم إجلاؤهم إلى جانب 50 ألف أفغاني. حتى مع استثناء الأفغان، ليس واضحاً ما إذا كانت واشنطن قادرة على إنقاذ هذا العدد الكبير من الأميركيين، في حال صحّ هذا التقدير.
وقبل ساعات، طالبت الحركة الأميركيين بعدم حض الأفغان على الرحيل حيث أعلن المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد “أنّنا لا نسمح بالمرور إلّا للأفراد الأجانب” ودعا الأفراد المتجمعين قرب المطار للعودة إلى منازلهم “متعهداً الحفاظ على أمنهم”. بالتالي، يصبح تعمق الفوضى أمراً متوقعاً. وقد تستخدم “طالبان” هذه الفوضى “لإذلال” الأميركيين أكثر على طريق مغادرتهم البلاد.
أسوأ من سايغون
بفعل الضغوط التي واجهها، تحدّث بايدن الثلثاء عن طلبه من وزارة الدفاع “خطط طوارئ” للبقاء في أفغانستان أكثر إن لزم الأمر لكنّه شدّد على أنّ بلاده في وتيرة إنهاء العملية بحلول 31 آب وأضاف: “كلما انتهينا أسرع كان ذلك أفضل”. لكنّه فرض ضغطاً نفسيّاً على جنوده بمجرّد التحذير من تعرّضهم للخطر: “كل يوم من العمليات يجلب مخاطر إضافية على قواتنا”. ولم يكلّف بايدن نفسه حتى عناء التهديد بردّ حازم في حال تعرّض جنوده للأذى.
إذا فشل بايدن بإنهاء المهمة في موعدها – وهو أمر محتمل بفعل تباطؤ عمليات الإجلاء مع نقل المسؤولين والجنود إلى الخارج – فقد يواجه تداعيات دوليّة أشدّ خطورة من التداعيات التي سبق أن عانت منها واشنطن مع تآكل هيبتها.
في حال الإخفاق، لن يكون بايدن قد رفض الإصغاء إلى حلفائه الدوليين وحسب، بل من المرجح أن يكون قد خضع للخطّ الأحمر الذي رسمته “طالبان”. ليس مستغرباً أن يرفض كثر مقارنة كابول 2021، بسايغون 1975. تطورات اليوم هي أسوأ بحسب رأيهم. يمكن إضافة أنّها قد تزداد سوءاً بعد 31 آب (أغسطس).الكلمات الدالة