مقالات

«جاي تتمرجح على أعصابي»

مهند الدوري

المرجوحة هي كلمة عامية تستخدمها عدد من اللهجات العربية وهي بالفصحى الأرجوحة، وقد عرفها معجم المعاني: أداة تهتزّ وتحرّك راكبَها، خشبة أو ما يشابهها تُعلَّق بحبل ويركبها الأولادُ ويتمرجحون عليها ومفردها في الفصيح هو أرجوحة وجمعها أراجيح.

والأرجوحة جماد لا روح فيه تعتمد في حركتها على قوة محركها الخارجي سواء كان إنسانًا أو غيره، فلا حركة لها إلا بهذا المؤثر وبناء على وتيرة حركته، ومن هنا تأتي المقولة (جاي تتمرجح على أعصابي) دلالة على الاستفزاز أو إثارة الغضب، فيقال لا تتمرجح على أعصابي أي لا تستفزني أو جاي تتمرجح على أعصابي أي هل أتيت لتستفزني أو لقد استفززتني بصيغة الماضي.

وهو حال العراق اليوم يتمرجح على أعصابه سياسيو الصدفة في حكومة المنطقة التي كانت يومًا ما خضراء، وأقول هنا سياسيو الصدفة لأنهم ما كانوا يحلمون بهذه المناصب حتى في أسعد أحلامهم لولا المحتل، وأقول كانت خضراء لأنها جُردت من خضارها بعد دخولهم كحال كل خضار الوطن بعد أن (حررها) المحتل من حريتها.

فمنذ أن (حُرِرَت) أرض الرافدين وحتى اليوم والشعب لا يعرف معنى الحرية كما لم يرَ معالم التطور والديمقراطية المزعومة، فهو يعيش في أزمة تلو الأخرى لا يفصل بين الاثنين سوى فواصل تخريبية.

وعلى هذا الحال فإن مآل الحال سائر نحو الزوال، بوجود هذه الطغمة الفاسدة المتمرجحة على أعصاب الشعب العراقي المسماة بالبرلمان، انطبق عليهم قول الإمام علي كرم الله وجهه الشريف «لا تُعاشِر نفسًا شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل، وعاشر نفسًا جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل»، فبعد أن امتلأت بطونهم بخيرات الشعب طمعوا به أكثر فقتلوه وشتتوه لمنعه من المطالبة بحقه.

فوباء البرلمان الذين يستلم عضوه المفرد أكثر 32 مليون دينار راتبًا اسميًا ومخصصات وظيفية تضاف إليها نثريات ومزايا وحوافز مالية أخرى من أجل حضوره مرة أو مرتين شهريًا (إن شاءت ظروفه)، مثل هذه المبالغ التي تفوق رواتب أعضاء برلمان دول عظمى كأمريكا التي يستلم فيها السيناتور مبلغ 165 ألف دولار (سنويًا)، ورغم كل هذه المخصصات الممنوحة لأعضاء برلمان الصدفة لم يشهد العراق أي تقدم يوحى بالاستفادة من هذه العقول السياسية الغالية، بل تتراكم صفقات فسادهم العلنية والخفية وتسترهم على أعضاء أحزابهم من وزراء النخب التزويرية، وغيرها من الاتهامات المبُطلة والمنسية لتتدافع بذلك المراجيح جيئًا وذهابًا بالواقع العراقي في خراب ساحات الملاعب.

جاي تتمرجح على أعصابنا

إن ما جرى في الفترة الأخيرة هو إثبات لما لا يحتاج إلى إثباتات فمن مطالبات الانفصال الكردية عن الوطن الأم واستهتار القادة الكرد بمشاعر الشعب وأخويته التي تكللت برفع علم القومية الكردية في جنازة ما يسمى رئيس الجمهورية العراقية السابق جلال الطالباني بدلًا من علم الدولة التي رأسها لثمان سنوات.

ثم تأجيل جلسات الاستماع البرلمانية لوزير التجارة المتهم بالفساد بحجة عدم توافر الأدلة رغم انقطاع وردائة خدمات هذه الوزارة، وإثبات عدم صلاحية مفردات الحصة التموينية المستوردة بصفقات الفساد للاستهلاك البشري بل والحيواني، وخروج محافظ صلاح الدين السريع من السجن بدلًا من عقابه على استغلال منصبه واختلاس أموال المحافظة، أفرج عنه لكونه (شاب لا يزال في مقتبل العمر) كما ورد في تقرير الإفراج عنه مع تغريمه مبلغ 200 دينار وهو ما لا وجود له في العراق، حيث إن أقل عملة عراقية هي 250 دينارًا ما يعادل تقريبًا 20 سنتًا أمريكيًّا، وكذلك الحال بعد إثبات تهم الفساد بحق كل من صولاغ وزير النقل السابق وزيباري وزير الخارجية والمالية السابق والشهرستاني وزير التعليم العالي والنفط، حيث استلم كل واحد منهم قمسيونات بملايين الدولارات مقابل منحهم عقود الإعمار وصفقات تطوير لشركات وهمية، استقالوا جميعهم من مناصبهم بعد أن وجهت لهم التهم لمنع استجوابهم حيث يتحول المتهم إلى مواطن عادي مما لا يسمح باستجوابه برلمانيًا حسب نصوص الدستور الحالي الذي كتبه المتهمين ذاتهم أو أحزابهم، سقطت بذلك جميع التهم من غير تحويلها لمجلس القضاء أو للجنة مختصة لاسترداد ما تم سرقته.

أما الجعفري وزير الخارجية الحالي وصاحب التصريحات النارية غير المفهومة فله مرجحة خاصة، فقد نجى بجلده من الاستجواب بعد اتهامه بصفقات فساد قدرت قيمتها بأكثر من مليار دولار وتعيينه شخصيات مقربة منه بمناصب عليا في وزارة الخارجية من دون استيفائهم لأدنى شروط المنصب بعد أن تدخلت قوى التحالف الشيعي للحيلولة دون التحقيق معه باعتباره أحد مؤسسي وقادة التحالف.

وسليم الجبوري الذي تنطبق عليه كل مواصفات البله، حيث يتعمد من حوله دومًا إهماله ووضعه وسط مواقف محرجة وهزلية، ولكنه رغم كل ذلك لا يزال في منصبه فالمقعد أهم من كرامته الممسوحة بالأرض.

وها هي الانتخابات على وشك الاقتراب، وهي رغم التزوير المعروف قابلة للدحض بالامتناع عن التصويت بدلًا من السماح بتكاثرهم.

ويا مكثر المتمرجحين على أعصابنا اليوم.