في سبتمبر 2, 2021
حامد شهاب
السؤال في الميدان الصحفي أو التلفزيوني ، هو للإستفهام عن حالة أو طلب معرفة شيء غامض، يود المحاور الوصول إليه لإطلاع الرأي العام ، أو الجمهور المستهدف في الرسالة ..والجواب يهدف الى إزالة حالة الغموض لدى الجمهور المتابع ، ووضع المعني في الصورة التي يود الإطلاع عليها.. وهو من موجبات الأسئلة الستة المتعارف عليها في عالم الصحافة.
وغالبا ماتكون الأسئلة الموجهة للطرف الاخر قصيرة للإستفهام عن شيء محدد ,,وتكون الإجابة في المقابل ليست طويلة ، مثلا : كيف ترى أحوال البلد ؟ فتقول بخير..وأوضاع القوى السياسية؟ فتقول متصارعة او متباينة كثيرا في وجهات النظر..وهكذا.
الا أن مانجده في المقابلات التلفزيونية والصحفية أن السؤال المطروح غالبا مايكون طويلا جدا ، ويتضمن أكثر من سؤال، بل وفي أحيان معينة يجيبك الذي يسأل عن مضامين أسئلته دون أن يدري ، بعد ان يأخذ به الإسهاب حدا ينسى حتى طبيعة مايود الإستفهام عنه، ويترك الطرف الآخر في حيرة من أمره..
وغالبا مايطرح مذيعو قناة الشرقية وقنوات أخرى السؤال على هذه الشاكلة .. ولاحظ عدد كلمات السؤال: لماذا إنسحب الأمريكان من أفغانستان فجأة..وكيف تهيأت الفرصة لطالبان بالانقاض على السلطة بهذه السهولة ، ولماذا لم يتأخر الانسحاب الامريكي لحين تهيئة الاجواء لحكومة أفغانستان السابقة أن ترتب وضعها ، وما هي توقعاتك لمستقبل الوضع في أفغانستان؟ وهل ترى أن الوضع سيزداد إضطرابا ، وما هي انعكاسات هذا على الوضع العراقي..هذا نموذج لأول سؤال يطرحه من يقوم بمهمة الحوار مع الضيف ..بل أن سؤالا عن نقطة واحدة ربما تكون بتلك العدد من الكلمات ، وإن إختصرها السائل ، فربما تصل الى 25 كلمة، وما بالك ببقية الأسئلة التي تكون على تلك الشاكلة؟؟
هذا السؤال الذي يقترب من 50 كلمة ، يحتمل العديد من الأسئلة ، وتحتاج كل فقرة منه الى إجابة تختلف عن الأخرى، وهنا يضيع على المحاور الإستفهام عن طبيعة مايود الوصول اليه من حقائق، إذا تم طرح السؤال بهذه الطريقة المسهبة والمغرقة في التساؤل.
وأحيانا يذهب المقابل الى توضيح حقائق وأحداث ربما لاعلاقة لها بالسؤال، إذ أن طول السؤال أنساه المقصد الذي يود المقابل أن يستفهم منه، ويرى آخرون فيه أنه يمكن الإجابة على منطوق السؤال من إجابة السائل نفسها، وهو مايؤشر قصورا في المستفهم عن طبيعة مايريد.
ومن المتعارف عليه في العرف الصحفي ، أنه كلما كانت صياغة السؤال محبكة وقصيرة الكلمات وبليغة وملمة بمضمون السؤال، كلما كانت الإجابة قصيرة وأكثر وضوحا ، وبالعكس فإنه كلما كان السؤال طويلا ضاعت على الطرف الآخر فرصة الحصول على إجابة شافية أو وافية عن السؤال المطلوب الإجابة عليه.
بل أن جمالية لغة السؤال وفصاحته وفلسفته تكمن في حبكته وقلة كلماته ، وفي الإستفهام عن غرض محدد، والجواب ليس بالضرورة أن يكون قصيرا، لكن طول الجواب يعكس أحيانا ضعف قدرة التعبير عن الفكرة من قبل الطرف الآخر، الذي يجيب فيلجأ الى الإطالة لتوضيح مقاصده.
وكلما كان المحاور مثقفا ويمتلك لغة أدبية وصحفية غنية بالمعاني والدلالات سهل عليه توجيه صيغة السؤال، والمشكلة أن طبيعة بعض الأسئلة تحتوي على أكثر من سؤال ، ونضع حتى المقابل في إحراج عن الكيفية التي يجيب بها عن موضوعنا المحدد الذي نود الإستفهام عنه..
وكلما كانت صياغة السؤال معدة بعناية وتوحي بالكثير ، فإننا قد نحصل على إجابات قصيرة ومثمرة ودالة ، وبخاصة إذا كان الطرف الآخر مثقفا او سياسيا لامعا او أديبا او فيلسوفا أو فنانا، فلكل طبيعته في السؤال، وفعلا ينطبق على السؤال مقولة : خير الكلام ماقل ودل، وكذا الحال بالنسبة للجواب، لكن ضرورة قصر السؤال هي الأهم، لأننا ليس بمقدورنا أن نحجب حق الاخر في توضيح مايريد، إلا إذا أرنا أن نقطع جوابه بطريقة تشعره أنه قد تعدى ربما حدود الجواب ، ونحن نريد الإستفهام منه عن أمور أخرى ، لاتقل أهمية عما سألناه من قبل.
وقد يرى المحاور أن طبيعة الجواب لا تكون شافية لنا في بعض الحالات ، وقد يذهب من نحاوره الى الجواب عن أسئلة أخرى ، إما تخلصا من الإحراج من قبل الطرف الذي نسأله ، أو لكي يحول الأنظار الى سؤال آخر يريد هو أن يبعدنا عن أن يجيب عليه، وهذا يعتمد على ثقافة الطرف الآخر وذكائه عندما يتم توجيه الأسئلة اليه، وبخاصة اذا كان الطرف الاخر يجيد فن المناورة والمراوغة، وهنا يجب على من يسأل أن يعرف طبيعة مضامين المحاور، لكي يعرف كيف يستخرج منه الإجابة عن قضية مهمة ربما تكون مهمة بالنسبة الينا في مجالات الصحافة والإعلام.
لقد كان الصحفي والكاتب المرموق الأستاذ المرحوم حميد المطبعي هو من أرسى أسس وخارطة طريق الحوارات الصحفية في العراق في فترة السبعينات والثمانينات في مجلة آفاق عربية ، التي تعد أفخم وأروع مطبوع ثقافي عراقي عربي نخبوي ظهر في تلك الفترة، كان لها حضور عربي وثقافي نوعي بارز، تتلقفها النخب المثقفة وحتى من لديهم المام بالثقافة ما إن يظهر عددها في الأسواق والمكتبات، ولم تتكرر تجربتها أبدا طيلة تاريخنا الحديث الا ماندر.. وحاولت مجلات ومطبوعات عربية تقليدها فيما بعد ، مثل مجلة “المجلة “السعودية في بعض حواراتها الأدبية والطليعة الأدبية الليبية ، ولو لاحظنا أسئلة المرحوم الأستاذ حميد المطبعي الذي أعده أستاذ الحوارات الصحفية ، فهي تترواح في غالب الأحيان ما بين 3 – 5 كلمات، وربما تبلغ أحيانا في أقصاها 7 كلمات ، وفي حالات محدودة جدا، وتعد أسئلته برنامج عمل لكل من يريد أن يغوص في أنجح تجربة صحفية راسخة وأصيلة، وهو يعد شيخ المحاورين في تاريخ العراق المعاصر، كما كان الصحفي والأديب الأستاذ ماجد السامرائي قد سار على خطاه ، وهما من المدرسة الصحفية وفي وقت متقارب تقريبا.
هذه ملاحظات عامة وددنا عرضها على المهتمين بالحوارات التلفزيونية والصحفية ، لكي تكون لهم دليل عمل، علها تضع لهم لبنات من يتحمل وضع الأسئلة أو يدخل طرفا في وضعها خلال فترة الحوار، لأن المحرر غالبا مايضع الأسئلة للمذيع لكي يتحاور بها مع ضيفه، أو ضيوفه ، وبخاصة في النشرات الاخبارية، أما في الحوارات الخاصة المطولة فالمحاور هو من تقع عليه تلك المهمة..