حكومة جديدة في لبنان بعد عام من فراغ عمّق الانهيار الاقتصادي
أبصرت حكومة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي النور أمس الجمعة، بعد عام على فراغ نتج عن انقسامات سياسية حادة وساهم في تعميق أزمة اقتصادية غير مسبوقة متواصلة في لبنان منذ عامين.
وتنتظر مهمات صعبة حكومة ميقاتي التي لن تكون قادرة على تأمين حلول “سحرية” تضع حداً لمعاناة اللبنانيين اليومية، جراء تداعيات انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
ورحبت الولايات المتحدة بتشكيل الحكومة، داعية إلى اتخاذ “إجراءات عاجلة” لإصلاح الاقتصاد المنهك، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس “ترحب الولايات المتحدة بالإعلان عن موافقة قادة لبنان على تشكيل حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، ما يبعث الأمل في اتخاذ إجراءات عاجلة لتلبية الاحتياجات الماسة والتطلعات المشروعة للشعب اللبناني”.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تشكيل الحكومة بأنه “خطوة بالغة الأهمية”، كما رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتشكيل الحكومة، وقال “إنها خطوة لا غنى عنها من أجل اتّخاذ تدابير طارئة ينتظرها اللبنانيون لإخراج بلدهم من الأزمة العميقة التي يجد نفسه فيها”.
وتلا أمين عام مجلس الوزراء محمود مكية مرسوم تشكيل الحكومة التي ضمّت 24 وزيراً لم يخوضوا بمعظمهم غمار السياسة من قبل، لكن عدداً منهم معروفون بنجاحاتهم في مجالات اقتصادية وطبية وثقافية وإعلامية، وعلى الرغم من أن معظمهم لا ينتمون الى أي تيار سياسي علناً، لكن سمّتهم أحزاب وقادة سياسيون بارزون، ما يجعلهم محسوبين على هؤلاء، وفق محللين وسياسيين.
وجاءت ولادة الحكومة بعد 13 شهراً من استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت المروّع في 4 أغسطس(آب) 2020، الذي أدى إلى مقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 بجروح، ودمّر أحياء من العاصمة، مفاقماً معاناة اللبنانيين الذين بات 78% منهم يعيشون تحت خط الفقر.
وبين الوزراء اختصاصيون على غرار وزير الصحة فراس أبيض، الذي قاد عبر مستشفى رفيق الحريري الجامعي جهود التصدي لوباء كوفيد-19، والأستاذ الجامعي ناصر ياسين، مدير مرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية، كما تضم سفيرين سابقين هما عبدالله أبو حبيب (وزيراً للخارجية) ونجلاء رياشي (وزيرة للتنمية الإدارية)، المرأة الوحيدة في الحكومة، بالإضافة إلى الإعلامي المعروف جورج القرداحي.
وستعقد الحكومة الجديدة أولى جلساتها قبل ظهر الإثنين المقبل، وأدلى ميقاتي (65 عاماً)، رجل الأعمال الثري المتحدر من مدينة طرابلس (شمال) الذي كُلّف تشكيل الحكومة في 26 يوليو(تموز) الماضي، بكلمة من القصر الجمهوري تحدّث فيها عن أزمات الأدوية والكهرباء وغياب أفق المستقبل، وبدا متأثراً ودامعاً، ودعا الجميع إلى التعاون، مؤكداً أن الحكومة لا تريد الغرق في التسييس.
وقال “سأتصل بالهيئات الدولية لنؤمن أبسط أمور الحياة للمواطنين”، مضيفاً “لن نفوّت فرصة من دون أن ندق أبواب العالم العربي”، وتابع “إننا بحاجة إلى العالم العربي وأن نعيد وصل ما انقطع”، في إشارة ضمنية الى دول الخليج خصوصاً السعودية التي كانت تعد الداعم الأبرز للبنان قبل أن يتراجع دعمها تدريجياً امتعاضاً من دور ميليشيا حزب الله المدعوم من إيران، خصمها الإقليمي الأبرز.
وفي أول تعليق على تشكيل الحكومة، اعتبر الرئيس ميشال عون، وفق ما نقل حساب الرئاسة على تويتر، أن “الحكومة أفضل ما يمكن التوصل إليه، وهي قادرة على العمل”، مضيفاً “همومنا تكمن في أولوية حل مشاكل الناس الحالية وعلينا مسؤوليات كبيرة”.
وفي الشارع المرهق من تداعيات الانهيار، لا يعلّق كثر آمالاً على ولادة الحكومة، وقال روني (18 عاماً) “لست متفائلاً بالحكومة ولا بالبلد، إذا أتتني فرصة سأسافر”، وأضاف “أتى كثر قبله (ميقاتي) ولم يفعلوا شيئاً، كلهم فاسدون، قطعت الأمل من البلد”.
ورغم ضغوط دولية مارستها فرنسا خصوصاً، حالت خلافات سياسية على شكل الحكومة وتوزيع المقاعد دون ولادتها خلال الأشهر الماضية، رغم محاولتين سابقتين لتأليفها منذ انفجار المرفأ.
وكلّف رئيس الجمهورية ميقاتي إثر اعتذار الزعيم السني سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل، عن عدم تشكيلها بعد 9 أشهر على تكليفه، واتهم الحريري إثر استقالته، إيران، الداعم الرئيسي لحزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان، بـ”تعطيل” ولادة الحكومة.
وقبل الحريري، اعتذر السفير مصطفى أديب الذي كُلّف تأليف الحكومة نهاية أغسطس(آب) 2020، عن عدم إتمام المهمة، وتبدو الحكومة ثمرة توافق بين ميقاتي وعون وحزب الله وحليفته حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري.
وقال ميقاتي في هذا السياق “لا يمكننا الإتيان باختصاصيين وحدهم في الحكومة، من دون أن تكون لهم انتماءات وأتمكن من معالجة المشاكل المطروحة”، في إشارة الى الغطاء السياسي الذي يُفترض ان تتمتع به الحكومة لاتخاذ قرارات مصيرية.
ويقع على عاتق الحكومة الجديدة التوصل سريعاً إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى لإخراج لبنان من أزمته التي تتسم بنقص السيولة وبأزمات حادة في الوقود والكهرباء تنعكس على كل جوانب الحياة، كما عليها الإعداد للانتخابات البرلمانية المحددة في مايو(أيار) المقبل التي يحرص المجتمع الدولي على إتمامها في مواعيدها.
ورحّب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي كان لوّح بعقوبات على السياسيين المسؤولين عن المراوحة الحكومية، بتشكيل الحكومة بوصفها “المفتاح لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الحالية، وتنفيذ إصلاحات طال انتظارها والتحضير لانتخابات العام 2022”.
كما اعتبرت منسقة الأمم المتحدة الخاصة للبنان جوانا ورونيكا إعلان تشكيل الحكومة “الخطوة الأولى”، وقالت “الآن هناك حاجة لخطوات سريعة وشجاعة من أجل المصلحة العامة لبدء الإصلاحات الاقتصادية والمرتبطة بالحكومة والتحضير للانتخابات في موعدها”، وأضافت “حان الوقت لتخفيف الأعباء عن كاهل الشعب اللبناني”.
ومنذ أكثر من عام، ربط المجتمع الدولي تقديمه أي دعم مالي، بتشكيل حكومة اختصاصيين تنكبّ على اجراء إصلاحات جذرية. واكتفى في الانتظار بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، من دون المرور بالمؤسسات الرسمية.
ويرى الباحث والأستاذ الجامعي سامي نادر أنّ “أمام الحكومة عملياً عنواناً واحداً تتوجه اليه وهو صندوق النقد الدولي لأن لا طريق آخر للخروج من الأزمات”، ويضيف “إذا كان المنطق الذي ساد عملية تشكيل الحكومة لناحية المحاصصة سيطغى على أداء الحكومة، فهذا الأمر لا يبشّر بالخير إطلاقا”، معتبراً أنّ استمرار منطق المحاصصة والصراع على كل إصلاح وكل قرار يعني أننا سنبقى في المكان ذاته الذي كنّا فيه مع حكومة تصريف الأعمال.
وتابع “الطباخون ذاتهم (الطبقة السياسية) هم الذين شكلوا الحكومة،روالخوف الحقيقي هو ألا يتمكن النظام التشغيلي للحكومة الجديدة من إنتاج شيء جديد”.