عبدالمنعم ابراهيم
هل يطيح المارد العراقي بالنفوذ الإيراني في الانتخابات القادمة؟
في كل الدول العربية التي تحتفظ فيها إيران بنفوذ سياسي قوي، لا تعتمد فقط على وجود مليشيات مسلحة طائفية موالية لها، ولكن تعتمد أيضا تمكين مخالبها السياسية من السيطرة على البرلمان، ومن ثم تشكيل الحكومة التي تحافظ على المصالح الإيرانية في هذه الدول العربية.. حققت ذلك في لبنان بامتياز، وتسعى للمحافظة على امتيازاتها السياسية والطائفية في العراق بعد أن تعرضت صورة إيران للاهتزاز، بل الكراهية من قبل جمهور كبير من الشعب العراقي أثناء الاحتجاجات الشعبية التي هزت المدن العراقية في أكتوبر 2019، إذ أعرب فيها المتظاهرون عن غضبهم تجاه «طهران»، متهمين إياها بأنها مهندسة النظام السياسي في العراق -بحسب تقرير فرانس برس- وتصاعدت حدة الغضب تجاه إيران بعد القمع الدموي للاحتجاجات الشعبية، والذي خلف قرابة 600 قتيل وحوالي 30 ألف جريح، واتهم ناشطون مجموعات مسلحة -في إشارة إلى فصائل شيعية مدعومة من إيران- بالوقوف خلف تلك الاغتيالات وحرق خيام المتظاهرين.
قريباً جداً سيكون هناك سباق محموم للأحزاب والمليشيات الموالية لإيران للمشاركة في الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر الجاري، بقصد إعادة الثقة في الشارع العراقي بالولاء لإيران، ومحاولة تحسين صورتها كحليف استراتيجي للعراق بدلا من القوات الأمريكية! أي محاولة الفريق العراقي الموالي لإيران استبدال الهيمنة العسكرية الأمريكية بهيمنة مليشياوية وسياسية إيرانية!
ويبقى السؤال: لماذا تهتم إيران بالانتخابات التشريعية الحالية في العراق؟.. لأنها تريد التحكم في الكتل السياسية التي ستشكل الحكومة العراقية الجديدة، وتحديدا عين طهران على منصب رئيس الحكومة، الذي ظل منذ عام 2003 حتى انتخابات عام 2018 البرلمانية منصبا تستحوذ عليه إيران، وتحرك دفته السياسية في العلاقات الخارجية والداخلية.. يقول الباحث ريناد منصور من مركز «تشاتام هوس» في حديث لفرانس برس نشر يوم أمس: «إن إيران خسرت جزءاً كبيراً من قاعدتها الشيعية في وسط وجنوب العراق، بعدما كانت تعتقد مدة طويلة أنها ستحتفظ بقاعدة موالية لها هناك.. وأن أحزاباً كثيرة متحالفة مع إيران تواجه صعوبة أكبر في الحفاظ على شعبيتها».
لقد نجح العديد من مرشحي «الحشد الشعبي» الموالين لإيران في دخول البرلمان في انتخابات عام 2018، التي أظهرت التحقيقات الرسمية الأخيرة وجود تزوير كبير فيها، وتم إحراق مكاتب وصناديق اقتراع كثيرة آنذاك، وقد تورط في ذلك جماعات موالية لإيران، بل إن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت 17 بالمائة فقط، وليس مثلما أُعلن سابقاً، وهي نسبة لا تعكس المشاركة الحقيقية في تلك الانتخابات المزورة.
الآن على الرغم من سعي حكومة (مصطفى الكاظمي) لتوفير أكبر قدر من الشفافية والمراقبة لنزاهة الانتخابات القادمة في 10 أكتوبر الجاري، وتوفير رقابة من منظمات حقوقية دولية، ورقابة الأمم المتحدة للانتخابات، فإن كثيرا من المراقبين يشككون في حدوث تغيير حقيقي في موازين القوى السياسية لتشكيلة النظام السياسي الطائفي في العراق، بسبب التدخلات الإيرانية المستمرة في كل الانتخابات العراقية السابقة.. لأن إيران تريد رئيس وزراء مواليا لها في العراق، كما كان الحال منذ عام 2003، ولا تريد شخصا يقترب من العمق الجغرافي العربي/والخليجي!
باختصار إيران تعتبر العراق «حديقة خلفية» لها، ولا تريد أن تفقد نفوذها السياسي والاقتصادي والعقائدي في العراق.. ولكن العراق عبر تاريخه السياسي الطويل لا يمكن إبعاده عن عمقه العربي، بل كان العراق في فترة حكم حزب البعث، وتحديداً فترة حكم صدام حسين يعتبر نفسه قائدا للأمة العربية، ودخل حربا مدة ثماني سنوات ضد إيران، ولذلك حين غزت القوات الأمريكية العراق عام 2003 عقدت إيران صفقة مع واشنطن بأن يكون النظام السياسي في بغداد طائفيا، تكون فيه الحكومة من نصيب المذهب الشيعي في العراق، وقد تحقق لها ذلك لسنوات طويلة، ولكن ما لم تتوقعه إيران هو أن يكون المارد الذي يخرج من القمقم ضد نفوذها السياسي والعقائدي في العراق هو من الطائفة الشيعية في العراق، وليس من السنة أو الأكراد! وهذا ما يزعج إيران حالياً ويربك أوراقها في الانتخابات التشريعية القادمة.. أن تخسر صوتها الطائفي في العراق، وأن يكون «الشيعة» هم الذين يطالبون برحيل إيران عن بلادهم العراق.