أثرت جائحة كورونا بشكل أو بآخر على الصحة العقلية لدى الأفراد نتيجة غياب التواصل بين العالم. وعند الحديث عن التواصل، فهو لا يعني التحدث عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على قدر ما هو التفاعل المباشر بين الأطراف المشاركة في الحوار. ونظراً لحساسية هذا الوضع وتأثيراته على المصابين بحالات نفسية مسبقة أو القاطنين بمفردهم، أطلقت منظمة الصحة العالمية في اليوم العالمي للصحة العقلية لهذا العام الشعار التالي: الرعاية الصحية النفسية للجميع: لنجعل هذا الشعار واقعاً!
وقد يستدل القارئ منه على الاتجاه العالمي والصحي لإعطاء حيز كبير لنفسية الأفراد التي تؤثر على العقل والجسد. ويساهم هذا التأثير بدوره على حياة الفرد وتعاطيه مع محيطه. فهل يستطيع اللبنانيون الذين يعيشون أزمات متداخلة وضغوط فاقت قدرتهم في الحفاظ على صحة عقولهم؟
برأي الاختصاصية النفسية وردة بوضاهر أنّ الواقع المعاش يؤثر بكافة الأشكال على حياة المواطنين، بدءاً من اللحظة التي يستيقظون بها مروراً بمسار يومهم المليء بالضغوطات وصولاً إلى ساعة نومهم. وفي هذه الساعة تحديداً، قد تتحول من ساعات للراحة إلى أفكار تراودهم أو يقظة عقلهم في الوقت الذي ينام فيه الجسم. ويشكّل ذلك أعباءً إضافية في اليوم التالي، وهكذا دواليك.
وفي الوقت الذي يعي فيه المواطن ضرورة تخصيص مساحة لإفراغ هذا الضغط و”تشريج” طاقة جديدة، قد تكون الظروف المادية والاجتماعية عائقًا أمامه. بينما يشعر كثر أنّ وقتهم أو ما يعرف بـ”المنفس الخاص” لديهم بضغط إضافي بدلاً من استراحة صغيرة من المهمات والأفكار.
في ما يأتي، قدمت بوضاهر ثلاثة حلول عملية من أجل مساعدة أنفسنا في الحفاظ على صحة نفسيتنا وعقلنا. وقبل التطرق إليها، من الجدير ذكره أنّ الاحتفاظ بهذه الضغوط الفكرية وكميات التوتر قد تلحق أذى صحيًا، وتتمثل على المدى البعيد في أمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الأعصاب وغيرها من الحالات الصحية. لذا، من الضروري السعي لتفريغ التوتر من أجسادنا بأقل ضرر ممكن من أجل الاستمرار “الصحي” في الحياة.
أولاً ـ تقبل مشاعرك
قد يعتبر العديد هذه الخطوة الأولى “سخيفة” أو “لا تقدم أو تؤخر”، غير أنها الحجر الأول من سلم العلاج، وهو الإصغاء إلى مشاعرنا وتقبلها بهدف التخلص منها. ومن البديهي، في هذه الظروف اللامنطقية أنّ تتحول ردات الفعل من سليمة إلى “غير طبيعية” نتيجة العوامل التي تتحكم بنا وتسيطر على يومياتنا.
بالإضافة إلى ذلك، لا يعني بتاتاً أنّ عدم عملنا على ذاتنا أو مساعدتها هي مشكلة أو تقصير منا، لكنّها تتطلب التنظيم والوعي لها مع التشديد على فهم هذه الأحاسيس لمعرفة سبل التعاطي معها.
ثانياً ـ محدودية الأدوات
أوضحت الاختصاصية النفسية أنّ الضغط بحدّ ذاته هو السبب والحلّ معًا. ففي هذه الأوضاع الاقتصادية، تغير برنامج حياتنا اليومي وتخلى العديد من المواطنين عن “منفسهم” الذي يتمثل بالذهاب إلى النادي أو صعوبة طلب المساعدة أو السفر أو غيرها من الأمور بسبب التكاليف المادية.
ورغم هذه التحديات، فإنه يحبذ إيجاد بدائل والعثور على أدوات جديدة مهما كانت محدودة لتفريغ أحاسسينا وإعادة الهدوء إلى عقلنا كتخصيص وقت لسماع الموسيقى أو استبدال الذهاب إلى النادي بالمشي في الطبيعة. كذلك، يمكن مشاهدة الفيلم في البيت من الوسائل المفتوحة بدلاً من دفع اشتراك النتفليكس أو ممارسة اليوغا عبر اليوتيوب كبديل عن الصف، وغيرها الكثير من الأفكار.
إن مرحلة البحث عن البدائل، يجب أن نفهم جيدًا أنّها الأداة أو الوسيلة للتخلص من الضغط وليس زيادة عبء جديد.
فعلى سبيل المثال: في حال كنت تمضي وقتًا أسبوعيًا في التسوق أو التعرف إلى منطقة، يمكن القيام بها مرةً واحدة في الشهر. كلّ هذه العملية تتطلب فقط التفكير بوعي وإجراء التعديلات على خارطتك الشخصية أو إعادة بنائها بما يتناسب مع ظروف حياتك.
ثالثاً ـ التعبير للآخرين
إنّ الحديث عن أفكارنا مع أصدقاء مقربين، لا يعني الإحساس بالذنب في زيادة مشاكلهم. بل يمكن التشارك فيها من أجل مساعدة بعضنا البعض للوصول إلى حل صحي لها. وقد أثبتت الدراسات العلمية أنّ “الفضفضة” تخفف من وتيرة الضغوطات بسبب تقاسمها مع الغير.
وبعد ذكر هذه الارشادات الصحية، أكدت بوضاهر إمكانية إيجاد مراكز دعم نفسي مجانية من أجل مساعدتنا في فهم مشاعرها، وتقبلها وإيجاد وسائل لإفراغها.