«السوشيال ميديا»… بين العملقة والحوكمة
الاثنين – 12 شهر ربيع الأول 1443 هـ – 18 أكتوبر 2021 مـ رقم العدد [15665]
تشير التطورات الراهنة في قطاع الاتصال العالمي بوضوح إلى أن مستقبل الأنشطة الإعلامية والاتصالية سيكون في معية وسائط ما يسمى بـ«السوشيال ميديا»؛ وهو أمر يخصم مباشرة من رصيد وسائط الإعلام التقليدية، ويضع كافة أدبيات تنظيمها، وحوكمتها، وعقلنتها، ومحاسبتها على المحك. وهو كذلك يطرح ضرورة أن تتضافر الجهود من أجل إيجاد وسائل لحوكمة استخدامات الشبكات الاجتماعية بسرعة وفاعلية يمكن أن تتواكب مع التطورات المذهلة التي تشهدها تلك الشبكات، والحصة المتزايدة التي تشغلها في الفضاء المؤسسي والإنساني.
وفي هذا الصدد، يتحدث كتاب «اتجاهات جديدة في وسائل (التواصل الاجتماعي)» (New Trends in Social Media)، الصادر عن معهد البحوث التابع لحلف شمال الأطلسي (ناتو) (NATO Stratcom Center of Excellence)، عن «تطور دراماتيكي في بيئة المعلومات الدولية أدى إلى تضاؤل دور الحكومات والأجهزة الرسمية ووسائل الإعلام التقليدية لحساب مواقع التواصل الاجتماعي».
نحن إذن بصدد واقع جديد يملي علينا اتخاذ خطوات ضرورية نحو حوكمة قطاع الاتصال والإعلام، وإلا فسنواجه الكثير من المشكلات والكوارث الناجمة عن ترك قطاع حيوي عابر للحدود والزمان من دون إخضاعه للقدر الملائم من إجراءات الضبط والمساءلة والتقييم.
ولتقريب الأمر وجعله أكثر وضوحاً؛ فسيمكننا أن نتخيل أن قطاع الصحة في دولة ما لا يخضع إلى القدر الملائم من إجراءات الضبط ومعايير الحوكمة، بما يترتب على هذا من ممارسة الأشخاص لمهنة الطب من دون دراسة أو نمط تسجيل، أو إجراء العمليات الجراحية الخطيرة في البيوت والمقاهي، فضلاً عن تخلي الدولة عن سيادتها على المجال، وتركه «حراً» في تسعير خدماته، أو انتهاك قواعد الملكية الفكرية، أو عدم المساءلة عن وقوع الأخطاء.
لقد تم ترك المجال لشركات التكنولوجيا العملاقة القائمة على تشغيل مواقع «التواصل الاجتماعي» لكي تتعملق وتتوسع وتستحوذ وتهيمن على سوق الاتصال والإعلام العالمي من دون إخضاعها للقدر اللازم من الحوكمة والمساءلة.
وتحت ذرائع مثل «حرية الرأي والتعبير» و«حرية السوق»، ترك لها المجال لكي ترسي ما يناسبها من سياسات الضبط والاستخدام، فما كان منها سوى أن «غلبت اعتبارات الربحية على ما عداها من اعتبارات»، فظهر العوار والخلل في أنموذج أعمالها ومجمل أدائها.
إن نجاعة التنظيم الذاتي للمجال الإعلامي والاتصالي حقيقة لا ينقصها برهان، ورغم الاختلاف على حدود فاعليته وتأثيره في ضبط مجال «الإعلام التقليدي» وتقويم أدائه، فإنه ظل دائماً قادراً على الحد من التجاوزات بشكل ملموس في عديد البلدان.
لكن الإشكال يظهر في وسائط «السوشيال ميديا»، التي لم تبذل الجهد الكافي لإرساء معالم تنظيم ذاتي فعال ومستديم، يمكن من خلاله الحد من الانفلاتات الخطيرة في التفاعلات التي تجري عبرها.