لعبة 123 soleil من مسلسل “Squid game” في المدارس… قراءة نفسية في سلوكيّات العنف

2

ليلي جرجس

ليلي جرجس

لم يكن أحد يتصوّر أن هذه المشاهد التي يعرضها مسلسل “لعبة الحبّار” أو Squid game ستنتقل بطريقة أخرى إلى ملاعب المدارس وشوارع الأحياء. من منّا لا يتذكّر لعبة 123 soleil التي رافقتنا في طفولتنا، ونحمل ذكرياتها حتى اليوم؟لكن هذه اللعبة التي نعرفها تغيّرت قواعدها “بفضل مخيّلة مخرج” و”مُشاهد متأثّر”. من لعبة طفوليّة بريئة إلى لعبة “حياة وموت” في المسلسل، ثم إلى لعبة عنفيّة في المدارس والأحياء. وقد شهدت بعض المدارس ظاهرة جديدة تتمثّل بلعبة 123 soleil التي تفرض على الخاسر أن يتلقّى الضربات. لم يعد للمرح مكان فيها، والعنف بات أساساً؛ وهذا ما دفع ببعض إدارات المدارس إلى إطلاق صرخة تحذير ودقّ ناقوس الخطر “خوفاً من عواقب وخيمة”. هذا المسلسل أيقظ شبح العنف النائم في نفوس البعض، والذي يُمارسه بعض الأولاد بحق غيرهم. لا بدّ من فهم ظاهرة العنف التي تسلسلت إلى ممارسات الأولاد بعد العودة إلى المدارس. توضح المعالِجة النفسيّة سمر جرجس في حديثها لـ”النهار” أنه “بعيداً من الأبعاد النفسيّة التي يتناولها مسلسل “لعبة الحبّار”، والتي تطال بشكل أساسيّ آفة الإدمان والمقامرة وتسليط الضوء على البنية النفسيّة المعروفة بالتبعيّة لدى المدمنين، نرى غريزة الموت والحياة لدى الأفراد الذين شاركوا في اللعبة، وكيف يُمكن لأحداث من الحاضر أن تُوقظ أوجاع الماضي، حيث سيطر النقص وتغطّت عقد من الطفولة، ومنها عقدة الاضطهاد والقتال بدافع البقاء على الحياة”. وتضيف جرجس أن “ما نشهده في المدارس والمجتمع اجتزاء صغير لإحدى الألعاب المذكورة في الفيلم، والتي مورست بشكل عنيف على عكس الصورة النمطيّة التي كبرنا عليها، وشكّلت جزءاً من ألعاب الطفولة. لذلك من المهمّ عدم التعميم، ولكن تسليط الضوء على مخاطر التبنّي والانغماس والانجرار في الممارسات العنفيّة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”. وتشير إلى أن “بعض الأطفال والمراهقين قلّدوا لعبة soleil 123 مثلما شاهدوها في “لعبة الحبّار”، وبدأوا بتطبيقها وممارستها بشروط محدّدة، أهمّها ضرب الخاسر. يبدو واضحاً انجذاب الأولاد إلى المشاهد العنفيّة، لذلك يجب التوقّف عند هذه النقطة، ومحاولة فهم التماهي بالمعتدي، والحاجة إلى التمثّل به”.  

 تغوص جرجس في الأسباب النفسية الكامنة وراء هذه اللعبة وما تحمله من دلائل؛ برأيها “علينا أن نبحث عن السبب الذي يدفع بالولد المُعنِّف والمعَنَّف للقبول بالمشاركة في هذه اللعبة وشروطها، وأن نعود إلى كلّ حالة لندرسها ونحللها على حدة، لأن لكلّ شخص أسبابه النفسيّة التي تدفعه إلى الانخراط فيها. وعليه، نحن أمام فرضيّات وأسباب كثيرة تطرح نفسها، ومنها أسباب عائلية حيث يتعرّض الأولاد للعنف بكلّ أشكاله (العنف الجسدي – اللفظي والمعنوي). إنّهم يمارسون ما يتعرّضون له على الآخرين. وبالتالي، يُصبح الولد المُعَنَّف بدوره مُعَنِّفاً ويُجسّد العنف الذي يتعرّض له على الشخص الآخر”. وتشدّد جرجس على أن “تجاهل الطفل، وكبت مشاعره، وعدم إظهار قيمته، يؤدّي إلى العنف. في المقابل، الدلال الزائد يولّد لدى الولد شعور الحرمان إذا رُفض طلبه؛ الأمر الذي يدفعه إلى التعبير عن غضبه بالتحطيم، الصراخ، الضرب، التنمر…”. وتدعو إلى “أن ننظر أيضاً إلى الأسباب الشخصيّة التي يعيش بها الفرد كالإحباط وقلّة الثقة بالنفس، والفشل، عدم الشعور بالهوية الذاتية، فيلجأ إلى التماهي بصورة تمثّل القوّة والسّلطة والثقة. فبرأيه، قد يُعطي التماهي بهذه الشخصية ما يعجز عن الشّعور به خارج اللعبة أو في حياته اليومية والعائلية”. كذلك يجد بعض الأولاد الذين لديهم شعور بالدونيّة، ويتمتعون بقوّة جسديّة في هذه اللعبة، ما يُخفي ضعفهم، حين يحتمون بقوّتهم الجسديّة للتعويض عن النقص المعنويّ وقلّة الثقة التي يشعرون بها، في حين يلجأ بعض الأولاد الذين لا يُمارسون أيّ نشاط أو ترفيه إلى الانخراط في هذه اللعبة للشعور بالانتماء إلى مكان أو فريق أو مجموعة.  

 تتحدّث جرجس عن الدوافع النفسيّة التي تحثّ الولد على القبول باللعبة، والأهمّ على القبول بأن يكون إمّا مُعنّفاً أو ضحيّة عنف، “فكلا الشخصيّتين (المُعَنَّف والمُعنِّف) تتميّزان ببنية نفسيّة تدفعهما إلى القبول والمشاركة في لعبة عنفيّة. فلماذا على الضحية أن يقبل باللاوعي بأن يتعرّض للعنف، في مقابل البعض الذين يشاركون خوفاً من الرفض (خوفاً من خسارة أصدقائهم لرفضهم المشاركة). لا يُمكن الغوص أو التعميم، لأن لكلّ ولد أسبابه النفسيّة الخاصّة وما عاشه في طفولته، وذلك يؤدّي دوراً مؤثّراً في سلوكيّاته وشخصيّته اليوم”.
هذا المسلسل المحظورة مشاهدته لمن هم دون الـ18 عاماً يطرح تساؤلات عديدة، حيث تُنبّه جرجس إلى أهمّية مراقبة الأهل لما يشاهده أولادهم. “فكيف يعرف الأولاد الذين هم دون 18 عاماً أحداث الفيلم أو مقتطفات منه تدفعهم إلى تقليد أو تبنّي بعض ألعابه بشروط معدّلة. من هنا، علينا تنبيه الأهل إلى أهمّية مراقبة نوعيّة الأفلام والمسلسلات التي يتابعها أولادهم والحرص على عدم وجود أيّ رسائل عنفيّة أو قاسية لا تتناسب مع أعمارهم”.وأمام هذه الظاهرة، تشير جرجس إلى أهمية أن يتكاتف ويتعاون الكادر التعليمي مع الأهل لوقف هذه الألعاب العنفيّة وعدم الوقوع في ترويجها أو غضّ النظر عنها لما تحمله من عواقب قد لا تُحمد عقباها. نصائح للأهل:تؤكّد المعالجة النفسيّة أنّه كلّما كانت العلاقة متينة ومبنيّة على الثقة بين الأهل وأولادهم نكون قد خفّفنا عن الأولاد، خصوصاً في فترة المراهقة والضياع. “فالمراهق يبحث عن هويّته في ظلّ التغييرات الجسديّة والنفسيّة التي يمرّ بها. ولذلك يحتاج إلى أن يجد من يفهمه ويشعر به. من المهمّ أن يكون الأهل في هذه المرحلة إلى جانب أولادهم بصفة صديق أو مستمع لا بصفة الواعظ والمربّي والقانوني”.وتدعو جرجس إلى أن “يشرح الأهل لأطفالهم مخاطر العنف ورواسبه وآثاره، ويُشجّعوهم على تنمية التواصل البنّاء والإيجابي مع الغير. ويبقى الأهمّ أن يتذكّر الأهل أنّهم قدوة؛ فالأطفال يتأثّرون بالتربية التي يكبرون عليها والقيم التي تربّوا عليها، والحوار والتفاهم هما وسيلتان ناجحتان لمواجهة أيّ مشكلة أو أزمة بعيداً من العنف اللفظيّ أو الجسديّ أو المعنويّ”. نصائح للمدرسة:على الكادر الإداري وضع قوانين واضحة، وأن يعرف الطالب أن هناك ضوابط ومحاسبة ومساءلة عند انتهاكها. في المقابل، من المهمّ تعزيز الجانب الإيجابي ومكافأته حتى ننجح في تنمية شخصيّته. ولا تنسى جرجس دعوة الكادر التعليمي والمرشدين الاجتماعيين والمعالجين النفسيّين في المدرسة إلى تعزيز المهارات الإيجابيّة وتنميتها عند الأولاد مثل الاعتذار، احترام الآخر، عدم التمييز، والتركيز على الألعاب الجماعيّة التي تعزّز التعاون والتكاتف والعمل كفريق. كذلك علينا تكثيف حملات التوعية حول مخاطر العنف والإدمان وغيرها من المشكلات حتى يعي الأطفال أهمية هذا الموضوع وآثاره السلبيّة.

التعليقات معطلة.