تحدّيات أمام العراق بعد الانتخابات
01 نوفمبر 2021
عكست نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية رفضاً شعبياً للمنظومة السياسية التقليدية، المتحكّمة في الداخل العراقي منذ ما يقرب من عقدين. وتجسّد هذا الرفض، بوضوح، في تراجع التصويت لكل التيارات التي كانت تحظى بأغلبية أصوات الناخبين طوال السنوات الماضية. وفي التفاصيل دلالاتٌ أخرى ذات مغزى، فالتصويت الطائفي يكاد ينعدم في هذه العملية الانتخابية، حيث تفاوتت نسب التأييد التي حصلت عليها القوى الشيعية، من التراجع الكبير لبعضها إلى حصّة متوسّطة للبعض الآخر، في مقابل تقدّم كبير لقوى أخرى، في صدارتها التيار الصدري. وستستكمل مرحلة ما بعد الانتخابات المفاجآت والاختلافات. إذ يتجه زعيم التيار، مقتدى الصدر، إلى التحالف مع القوى الكردية التي يمكن لعدد مقاعدها توفير أغلبية نسبية، وتشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى، حتى وإن لم تتمتّع بأغلبية ضامنة.
وفي ضوء تلك المستجدّات غير المسبوقة في الساحة العراقية، تتنوّع التحدّيات التي تنتظر العراقيين بعد الانتخابات، وتشمل تحدّيات تقليدية متوقعة، أهمها بالطبع الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانيه العراقيون بأشكال متعدّدة. والتحدي السياسي المتمثل في الحد من الفساد ومواجهة تغوّل المليشيات وانتشار السلاح خارج أيدي الدولة.
لكن ثمّة تحدّيات أخرى مهمة، ستفرض نفسها بقوة وبصفة عاجلة، فضلاً عن أنها مزدوجة الطبيعة والتأثير، فهي، من ناحية، متعلقة بالداخل العراقي والعراقيين، خصوصاً لجهة إحياء الروح الوطنية واستعادة مفهوم المواطنة لدى العراقيين. وهو تحدٍّ ينبع من الفرصة التي انطوت عليها نتائج الانتخابات، بانقسام الأصوات وتفتتها بين القوى والتيارات الطائفية، تحديداً الشيعية، فقد كان التلاحم بين الفصائل الشيعية بمثابة حائط صدٍّ تنكسر عليه كل محاولة لتوحيد العراقيين على أساس المواطنة لا الطائفة. ومن العوامل المواتية في هذا الاتجاه التقارب الحاصل بين بعض المكونات من داخل النسيج الشيعي (الصدريون) ومكونات تنتمي إلى أنسجة عراقية أخرى (الأكراد). إذ يساعد هذا الانفتاح العابر للطائفية على اقتراب العراقيين من إقامة علاقاتٍ مجتمعيةٍ سوية ومتجانسة وطنياً وليس طائفياً.
من ناحية أخرى، يوجد بعد خارجي في تلك التحدّيات غير التقليدية التي تتربص بالعراق والعراقيين بعد الانتخابات، فالبيئة الإقليمية المحيطة بالعراق تشكّل قيوداً غير مباشرة على القرار العراقي، حيث تتقاطع مباشرة مع التركيبة الداخلية وتوجهات المكوّنات العراقية تجاه دول الجوار والتطورات المتسارعة في إقليم محتقن دائماً. وعلى الرغم من أن تلك البيئة قائمة ومحتفظة بخصائصها هذه، بغض النظر عن الانتخابات العراقية، إلا أن نتائج الانتخابات جعلت من الأدوار الخارجية أكثر من مجرّد تحدٍّ دائم، وحوّلته إلى مؤثر عاجل ومحدّد جوهري في المستقبل القريب للعراق. ولا حاجة، بالطبع، إلى ذكر أن إيران التي فوجئت بانقسام القوى الموالية لها على نفسها قبل الانتخابات وانتكاسها في النتائج، ستحاول، بشتى السبل، استعادة نفوذها داخل العراق، وهو النفوذ الذي يتعرّض للتهديد بقوة منذ تولى مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، ثم تلقّى ضربة قوية في نتائج الانتخابات.
وبينما تمثل نتائج الانتخابات قوة دفع كبيرة للكاظمي في توجّهاته الانفتاحية على المحيط العربي للعراق، إلا أن هذا، في الوقت ذاته، سيستثير بالضرورة استنفاراً إيرانياً ومحاولاتٍ متوقعة بقوة لعرقلة تلك التوجهات، إن لم يكن إيقافها تماماً. وبينما تبدو تلك التحدّيات متقاطعة، وتتطلب معالجاتٍ قد تتعارض فيما بينها، وقد يكون النجاح في مواجهة تحدٍّ ما خصماً من فرص مواجهة تحدّيات أخرى. لذا، لا يتوقف النجاح الحقيقي للعراقيين على فعالية التصدّي لكل تحدٍّ على حدة وحسب، وهو التحدّي الأكبر الذي يواجه العراق والعراقيين، أفراداً ومجتمعاً وحكومة وقيادة. ولا بد من التعامل مع التحدّيات كافة بشكل متوازٍ وبقدر عالٍ من الكياسة والمرونة والحسم في آن. على أن يكون ذلك وفق رؤية شاملة ومتوازنة، وتتحرّى التدرج والحنكة، وتتجنّب الاستدراج إلى أي مواجهاتٍ داخلية أو خارجية.