1

السيـــــــد زهـــــــره

الحرب على عروبة لبنان والعراق

الأزمة‭ ‬التي‭ ‬فجرتها‭ ‬تصريحات‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬اللبناني‭ ‬جورج‭ ‬قرداحي‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬ولبنان،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة‭.‬

كما‭ ‬نعلم،‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أدلى‭ ‬وزراء‭ ‬ومسؤولون‭ ‬لبنانيون‭ ‬بتصريحات‭ ‬يتهجمون‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬فجَّر‭ ‬أزمات‭ ‬شبيهة‭.‬

لهذا‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬تجاوز‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬بأي‭ ‬شكل،‭ ‬فلن‭ ‬يغير‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬كثيرا،‭ ‬وستتفجر‭ ‬أزمات‭ ‬أخرى‭ ‬مستقبلا‭ ‬بين‭ ‬لبنان‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬عموما‭.‬

السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بمواقف‭ ‬شخصية‭ ‬لوزير‭ ‬أو‭ ‬مسؤول‭ ‬يسيء‭ ‬التقدير‭ ‬أو‭ ‬كاره‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬ويتعمد‭ ‬الإساءة‭ ‬والتشويه،‭ ‬ولا‭ ‬يتعلق‭ ‬بتطورات‭ ‬قضايا‭ ‬معينة‭ ‬تثير‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬والمواقف‭. ‬الأمر‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬بكثير‭ ‬جدا‭.‬

القضية‭ ‬تتعلق‭ ‬بمعركة‭ ‬ضارية‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬أيضا‭.. ‬معركة‭ ‬حول‭ ‬عروبة‭ ‬البلدين‭.‬

بعبارة‭ ‬أدق،‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بحرب‭ ‬شرسة‭ ‬يتم‭ ‬شنها‭ ‬على‭ ‬عروبة‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭.‬

هذه‭ ‬الحرب‭ ‬يخطط‭ ‬لها‭ ‬ويشنها‭ ‬بشكل‭ ‬مدروس‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬والقوى‭ ‬الشيعية‭ ‬العميلة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬البلدين‭.. ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والقوى‭ ‬والمليشيات‭ ‬العميلة‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

الحرب‭ ‬على‭ ‬عروبة‭ ‬البلدين‭ ‬لها‭ ‬بعدان‭ ‬كبيران‭:‬

البعد‭ ‬الأول‭: ‬بعد‭ ‬آيديولوجي‭ ‬جوهره‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تغليب‭ ‬الهوية‭ ‬الطائفية‭ ‬الضيقة‭ ‬ومحو‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭ ‬للشعبين‭.‬

هذا‭ ‬بعد‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭. ‬المشروع‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬العروبة‭ ‬وتغيير‭ ‬الهوية‭. ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬يدرك‭ ‬جيدا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬ترسخ‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬تجليات‭ ‬سياسية‭ ‬عملية،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬مستقبل‭ ‬لمشروعهم‭.‬

والبعد‭ ‬الثاني‭: ‬بعد‭ ‬استراتيجي‭ ‬مباشر‭. ‬إيران‭ ‬تدرك‭ ‬تماما‭ ‬أن‭ ‬عودة‭ ‬اللحمة‭ ‬بين‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬ومحيطهما‭ ‬العربي‭ ‬الطبيعي‭ ‬سيعني‭ ‬مباشرة‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬مكان‭ ‬للهيمنة‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬عبر‭ ‬عملائها‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬وسيطرتها‭ ‬على‭ ‬مقاديرهما‭ ‬والقرار‭ ‬فيهما‭.‬

ولهذا‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لإيران‭ ‬وعملائها‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬حدوث‭ ‬تقارب‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وأشقائهم‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وإبقاؤهما‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬إيران‭ ‬والعملاء‭.‬

في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬تلجأ‭ ‬إيران‭ ‬وعملاؤها‭ ‬إلى‭ ‬أساليب‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬شن‭ ‬حملات‭ ‬التشويه‭ ‬والتضليل‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬عامة‭ ‬ومواقفها‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬تقارب‭ ‬عملي‭ ‬جاد‭ ‬بين‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬والأشقاء‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وكلما‭ ‬لاحت‭ ‬إمكانية‭ ‬لهذا‭ ‬التقارب‭ ‬يتم‭ ‬تدميرها‭ ‬فورا‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬المعادية‭ ‬المستفزة‭ ‬التي‭ ‬يطلقها‭ ‬وزراء‭ ‬ومسؤولون‭ ‬وبأي‭ ‬سبيل‭ ‬آخر‭ ‬كي‭ ‬تحدث‭ ‬قطيعة‭ ‬مجددا‭.‬

بالطبع،‭ ‬إيران‭ ‬وعملاؤها‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يعنيهم‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭ ‬مصلحة‭ ‬البلد‭ ‬ولا‭ ‬مصلحة‭ ‬الشعب‭. ‬لا‭ ‬يعنيهم‭ ‬أن‭ ‬يتدمر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وأن‭ ‬تتعمق‭ ‬معاناة‭ ‬الشعب‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬القطيعة‭ ‬وبسبب‭ ‬مثلا‭ ‬وقف‭ ‬الواردات‭ ‬اللبنانية‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬السعودية‭ ‬مؤخرا‭. ‬بالنسبة‭ ‬إليهم،‭ ‬تحقيق‭ ‬مصلحة‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وأهدافه‭ ‬يعدُّ‭ ‬هدفا‭ ‬مقدسا‭ ‬في‭ ‬سبيله‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬أي‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬التضحية‭ ‬بمصلحة‭ ‬البلد‭ ‬والشعب‭.‬

هذه‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬جدا‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬عروبة‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إيران‭ ‬وعملاؤها‭.‬

السؤال‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يخوض‭ ‬العرب‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ويتعاملوا‭ ‬معها؟‭.‬

قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬لدينا‭ ‬أكبر‭ ‬وأعظم‭ ‬مصدر‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعركة،‭ ‬وهو‭ ‬الشعبان‭ ‬اللبناني‭ ‬والعراقي‭. ‬الشعبان‭ ‬أثبتا‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تصور‭ ‬بإمكانية‭ ‬طمس‭ ‬هويتهما‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬الأوهام‭. ‬أثبتا‭ ‬هذا‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا‭ ‬في‭ ‬انتفاضاتهما،‭ ‬وأثبت‭ ‬الشعبان‭ ‬أنهما‭ ‬يرفضان‭ ‬رفضا‭ ‬حاسما‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬ويريدان‭ ‬تخليص‭ ‬بلديهما‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬ومن‭ ‬عملائها‭.‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬تحسم‭ ‬وتنتهي‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هزيمة‭ ‬المشروع‭ ‬الطائفي‭ ‬التوسعي‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬عموما‭. ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تواجه‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بقوة‭ ‬وحزم،‭ ‬فستظل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬العروبة‭ ‬قائمة‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المصلحة‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ساحة‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬خالية‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬إيران‭ ‬والقوى‭ ‬العميلة‭ ‬لها‭ ‬ويفعلون‭ ‬ما‭ ‬يشاءون‭ ‬ويتحكمون‭ ‬بمقادير‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب‭.‬

التعليقات معطلة.