21 نوفمبر 2021
فشلت الرحلة المنهكة التي قام بها حوالى 450 مهاجراً، معظمهم من أكراد إقليم كردستان العراق، طوال أشهر لطلب اللجوء الإنساني والسياسي في أوروبا، فعادوا بخفّي حنين من العاصمة البيلاروسية مينسك إلى أربيل في الأيام الأخيرة، بعدما واكبت وزارة الخارجية العراقية إجراءات نقلهم في رحلات جوية، في إطار رد فعلها على سلسلة المشاهد الإنسانية القاسية والبرد والجوع والانتهاكات التي تعرّض لها هؤلاء على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا التي منعت دخلوهم إلى أراضيها. ويفترض عودة آخرين إلى أربيل وبغداد، علماً أن مصادر عراقية تقدّر عدد لاجئي البلاد المتواجدين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا بأربعة آلاف لم يحصلوا على لجوء، لكنهم ما زالوا يحاولون عبور الحدود إلى ليتوانيا أو لاتفيا أو بولندا.
يروي فريد برهوم (38 عاماً) العائد إلى أربيل لـ”العربي الجديد” أن رحلته كانت شاقة جداً، وشهدت تعرّضه مع طالبي لجوء آخرين من إقليم كردستان إلى إهانات من قبل حرس الحدود في بيلاروسيا، ومواجهتهم الجوعٍ والبرد، في ظل عدم تقديم مساعدات كافية. ويوضح أنه وصل إلى الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، مطلع أكتوبر/تشرين الأول، بعدما كان دخل إلى بيلاروسيا عبر رحلة طيران من تركيا، ثم أبلغه حرس الحدود في بيلاروسيا أن معظم اللاجئين سيدخلون الأراضي الأوروبية بعد التدقيق في أوراقهم، “لكن ذلك اندرج فقط ضمن مجموعة أكاذيب لبيلاروسيا التي استغلت اللاجئين سياسياً في قضايا مرتبطة بعلاقاتها مع جيرانها الأوروبيين”.لجوء واغتراب
بيلاروسيا تنقل مهاجرين من مخيم مؤقت والعراق يتحضر لإعادة دفعة جديدة
ويقول: “نتجت الأزمة من تعرّض اللاجئين لاحتيال. ولو أخبرت الحكومة البيلاروسية العالقين على الحدود أنها ترفض استقبالهم، كان اختار معظمهم قصد بلدان أخرى للحصول على لجوء. وحالياً لم يقدم مسؤولو إقليم كردستان أية معونات للعائدين، رغم أنهم يعلمون أن غالبيتهم فقدوا وظائفهم وأموالهم خلال الرحلة، كما تعرّضوا لتوبيخ من السلطات الأمنية في المطارات خلال قيامهم برحلات العودة، واتهموا بأنهم خانوا إقليم كردستان، وفضحوا سلطاته أمام العالم من خلال تحدثهم عن انتهاكات تحصل فيه”.
ويؤكد برهوم أنه سيحاول مع شبان عائدين كُثر الهجرة مجدداً لمحاولة طلب اللجوء في بلدان أخرى، “لأن إقليم كردستان والعراق عموماً مكانان لا يصلحان للعيش، وتنعدم فيهما آمال الإصلاح في ظل استيلاء الأحزاب على فرص العمل والاستثمار، وكبت الأصوات المعترضة، وعدم معالجة مشاكل تزايد الفقر الناتج من مواصلة رفع الأسعار بلا مبررات، وآخرها للمحروقات”.
وتفيد معلومات حصلت عليها “العربي الجديد” من مكتب وزارة الهجرة في بغداد، بأن قسماً غير قليل من المهاجرين يتحدرون من مناطق تخضع لسيطرة مسلحي حزب العمال الكردستاني المصنف على لائحة الإرهاب، الذين يتخذونها مقار لعملياتهم العسكرية، ما تسبب في تهجير مئات من سكان القرى خلال العامين الماضيين، وبينهم من زاخو وسنجار والزاب وسيدكان وسوران وحفتانين وكاني ماسي، ومناطق أخرى شمال أربيل وشرقي دهوك.
وأول من أمس الجمعة، وصلت أسرة عراقية إيزيدية إلى بغداد، بعدما رفضت البقاء في أربيل أو العودة إلى منطقة سكنها الأصلي في بلدة سنجار. ويخبر قريب للأسرة “العربي الجديد” أن أفرادها الأربعة وصلوا بلا حقائب إلى بغداد، بعدما أجبرتهم السلطات البيلاروسية على السفر من دون أخذ أغراضهم، ولم يملكوا أي أموال في جعبتهم، ما دفعهم إلى الاتصال بنا. وقد استقبلناهم لأنهم لا يريدون العودة إلى سنجار”.
ويتابع: “خرجت الأسرة من سنجار العام الماضي، ومكثت فترة في أربيل ثم هاجرت إلى بيلاروسيا لمحاولة الحصول على لجوء ودعم، علماً أنها عاشت فترة ما بعد تحرير البلدة من تنظيم داعش تحت حكم ونفوذ الفصائل المقاتلة ومسلحي حزب العمال الكردستاني. وهي تحتاج حالياً إلى مساعدة”.
من جهته، يقول عضو برلمان إقليم كردستان عن حزب “حراك الجيل الجديد” المعارض لحكومة الإقليم، دياري أنور، لـ”العربي الجديد”: “دفعت أسباب كثيرة شباب إقليم كردستان إلى الهجرة، أبرزها معاناتهم من تزايد معدلات الفقر والبطالة، ومن الممارسات الأمنية لأحزاب السلطة التي تدير الإقليم بطريقة بوليسية، علماً أنها اعتقلت كثراً منهم لمجرد نشرهم تعليقات غير مؤيدة لها على مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويعتبر أنور أن “خيرات الإقليم وثرواته يتمتع بها أبناء المسؤولين الذين يذهبون إلى أوروبا وبلدان أخرى لشراء ملابس ومقتنيات من ماركات عالمية، على حساب شباب الإقليم الذين لا يملكون قوت يومهم ويجهلون مصير مستقبلهم. وبعد الفضيحة العالمية التي أظهرت معاناة الأكراد على الحدود بين بيلاروسية وبولندا، يجب أن تراجع الحكومة في الإقليم والسلطات العراقية عموماً قراراتها وإجراءاتها من أجل إصلاح الأوضاع”.
لكن سياسيين في السليمانية تحدثوا لـ”العربي الجديد” عن أن “السلطات الأمنية دونت أسماء جميع العائدين إلى أربيل بهدف رصد تحركاتهم في المستقبل ومحاولة منعهم من السفر، لا سيما الناشطين الذين نقلت وسائل إعلام عربية وأجنبية تصريحاتهم التي انتقدت حكومة الإقليم”. ويشيرون إلى أن “سلطات الإقليم لا تملك وسيلة قانونية للضغط على الأكراد الذين رفضوا العودة، وفضلوا البقاء في العراء لمحاولة الحصول على لجوء في دول أخرى، لكنها تتعاون مع أي شخص يريد العودة بالتنسيق مع وزارة الخارجية العراقية”.قضايا وناس
الشباب الأكراد… انعدام الأمل يقودهم إلى الحدود البيلاروسية
وخلال الأسبوعين الماضيين، اتهمت حكومة إقليم كردستان والأحزاب الكبيرة فيها وسائل إعلام عربية وأجنبية بالإساءة إلى الإقليم، عبر عرض سلسلة تقارير تحدث فيها ناشطون سياسيون وصحافيون وتجار أكراد عن تعرّضهم لتهديدات وانتهاكات من مجموعات مسلحة موالية لها أو من سياسيين يرفضون أي معارضة إعلامية لهم. كما وصف مسؤولون في الإقليم أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا بأنها “غير واقعية”.