ألحان العود تنير أضواء مسرح الرشيد بعد انقطاع دام 18 عاما
في ليلة بغدادية اشتاق لها محبو الفن ورواد مسارح عاصمة الرشيد استعاد مسرح الرشيد نشاطاته بعد إغلاقه لأكثر من 18 عاما بحفل موسيقي أحيته فرقة العود للموسيقار مصطفى زاير.
قبل أكثر من عقدين عزف الطالب مصطفى زاير أول ألحانه على آلة العود على خشبة مسرح الرشيد، واليوم عاد إليها أستاذا مع طلبته، معلنا عن افتتاح أحد أهم مسارح العاصمة بغداد المغلق منذ 18 عاما، في أول حفل موسيقي على المسرح بعد إعادة إعماره.
زاير وأعضاء فرقته الشابة -التي تضم 36 عازفا وعازفة- توسطوا خشبة المسرح لينشدوا ألحانا مختارة أعادته بالذاكرة إلى آخر عزف له على نفس المسرح قبل 21 عاما عندما كان في بداية رحلته مع أوتار العود.
يلخص مصطفى حكاية مسرح غادرته الروح بعد الاحتلال، ولم تعد إليه إلا بعد قرابة عقدين من الظلام والتأخير قائلا “بالنسبة لي، فإن هذا المسرح هو صرح مهم وكبير، وأنا على المسرح عادت بي الذاكرة إلى عام 2000 عندما كنت مجرد طالب أشارك في مسابقة وزارة الثقافة، واليوم أعود مجددا لكن كأستاذ ومعي طلابي الذين أقدّمهم للساحة الفنية والجمهور من على هذا المسرح كما قُدمت أنا في السابق”.
ألحان متنوعة
اختارت فرقة العود بقيادة زاير أن تنفرد في أول حفل موسيقي على خشبة الرشيد بتقديم عدد من المقطوعات الموسيقية التراثية التي تعكس ثقافة المحافظات العراقية والفولكلور الخاص بها، وتبرز جمال التنوع الثقافي بين أطياف الشعب العراقي.
يقول الفنان علي السعيد (أحد أعضاء الفرقة) للجزيرة نت “إن فرقته استعدت جيدا لتقدم ما يليق بليلة الافتتاح، وحاولت عكس صورة جمال التنوع في العراق”.
وأضاف السعيد “قدمنا اللون الريفي والكردي، وتنقلنا من عزف الموسيقى العربية الشرقية والريفية إلى الغربية، ومنها قدمنا أطوارا جديدة وألوانا عصرية كذلك، حاولنا أن نعكس الحب المتجذر لجميع ألوان الشعب صوب الموسيقى”.
جمهور متعطش
وبينما كانت فرقت زاير تتوسط خشبة المسرح وتعزف ألحان الفرح بالعودة إلى الخشبة كانت مقاعد المسرح تغص بالحضور من الجمهور المتعطش لليالي بغداد الموسيقية التي توقفت منذ عقود، بعد أن كانت واحدة من أهم معالم المدينة وهويتها الفنية والثقافية.
بدوره، يعلق حسين النجار (أحد الحضور) على الفعالية والحضور بأنهما يعكسان الصورة الحقيقية للشعب العراقي المحب للحياة والموسيقى، مشيرا إلى أن “مسرح الرشيد يشع نورا بهذه الوجوه وهذه الفعاليات التي تعكس ذوق الشعب العراقي للحب والحياة والفن والفعاليات التي لا بد أن تستمر حتى نغادر الفترة السابقة”.
وهو ما يشاركه به رائد المعموري الذي علت الابتسامة وجهه قائلا “الشعب العراقي يعشق الفن، وهذا الحضور يدل ويعكس مدى اهتمام العراقيين بالفن والثقافة”، مضيفا أن “هذا المسرح مهم جدا وتاريخي”.
ويأتي الحفل الموسيقي الأول على مسرح الرشيد -والذي نظمته وزارة الثقافة ويحمل عنوان “لنا الحياة”- برعاية من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق خلال فترة تشهد فيها بغداد حركة ثقافية وفنية مميزة تمثلت بإقامة مهرجان المسرح الدولي الثاني ومعرض العراق الدولي للكتاب، إضافة إلى زيارة عدد كبير من الفنانين والمطربين العرب إلى بغداد.
وقال وزير الثقافة حسن ناظم في كلمة له بمناسبة افتتاح المسرح “لقد ذللت الوزارة كل العقبات التي حالت دون تمكن الإدارات السابقة من افتتاحه، وبذلت جهودا استثنائية عبر كوادرها في مقر الوزارة ودائرة السينما والمسرح من أجل تحقيق هذا الإنجاز الكبير”.
وأكد ناظم أن لإعادة افتتاح المسرح دلالات كبيرة على واقع العراق والثقافة فيه نحو استعادة بغداد دورها الرائد في الفنون، مبينا أن “العراقيين أول من بنوا المسارح ورافقتهم في تحولاتهم الاجتماعية والسياسية وجسدت أفراحهم وأحزانهم”.
أما نقيب الفنانين العراقيين جبار جودي فقد أشار إلى أن لمسرح الرشيد خصوصية فنية وتاريخية مهمة عالقة في ذاكرة العراقيين، وافتتاحه يمثل إعادة الروح لكل مسارح بغداد التي تنفض الغبار عنها.
وأوضح جودي أن “إعادة افتتاح المسرح تمثل علامة فارقة وبارزة في تاريخ المسرح في العراق، لأن مسرح الرشيد يمثل ذاكرة المسرح العراقي منذ تأسيسه، حيث تشكلت نواة المسرح على يد أساتذة كبار”.
ويعود بناء مسرح الرشيد إلى ثمانينيات القرن الماضي، ويتسع لأكثر من 600 شخص، ونفذت أعمال بنائه شركتان، فرنسية وسويسرية، كما شهد تاريخا كبيرا من تقديم العروض المسرحية العربية والعراقية البارزة على مدى 23 عاما، لكنه تعرض إلى عمليات حرق ونهب لمحتوياته خلال أحداث غزو العراق في عام 2003، فيما لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إعادة إعماره على الرغم من تخصيص ملايين الدولارات لذلك.