مقالات

هل كسرت الانتخابات الأخيرة معادلة تشكيل الحكومة العراقية؟

المرة الأولى التي يتم فيها تشكيل الكتلة الأكبر من قائمة واحدة ومن دون اللجوء إلى توافقات داخل المكون الشيعي

أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8  الجمعة 14 يناير 2022 7:06

قدمت “الكتلة الصدرية” ورقة في الجلسة الأولى للبرلمان الحالي لاعتبارها الكتلة الأكبر (أ ف ب)

مع انتهاء كل انتخابات في العراق وبدء التفاهمات بين الأحزاب المختلفة يتصاعد الجدل بشأن الكتلة المشكلة للحكومة وما إذا كانت ستسير بذات السياق المعمول به منذ عام 2003 وتخضع للمحاصصة والتوازنات بين الكتل المختلفة، أم أن هذه المعادلة ربما تكسر هذه المرة.

ولطالما مثلت “الكتلة الأكبر” عقبة تؤجل تشكيل الحكومات المتعاقبة بمواقيتها الدستورية ودافعاً لتوافق يشمل غالبية الكتل السياسية، خصوصاً مع تمسك الكتل الشيعية في كل انتخابات بتوافقات “البيت الشيعي” التي تفضي بالنتيجة إلى اختيار رئيس الوزراء. 

وبدأ تواتر مفهوم “الكتلة الأكبر” على إثر التوترات السياسية التي حصلت بعد انتخابات عام 2010 التي فازت فيها القائمة “العراقية” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، حيث فسرت المحكمة الاتحادية حينها المادة (76) من الدستور العراقي والخاصة بالكتلة المشكلة للحكومة، بأنها الكتلة المشكلة داخل البرلمان العراقي والتي يمكن أن تتشكل من تحالف واحد أو أكثر، وليست الكتلة الفائزة في الانتخابات. 

وأدى تفسير المحكمة هذا إلى خسارة القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي الحاصل على أعلى المقاعد حينها (91 مقعداً) أمام “التحالف الوطني” الذي يضم غالبية الكتل الشيعية والتي رشحت نوري المالكي زعيم ائتلاف “دولة القانون” الحاصل على 89 مقعداً لرئاسة الوزراء لدورة ثانية.

توافقات “البيت الشيعي”

وتشكلت كل الحكومات المتعاقبة في العراق منذ انتخابات عام 2005 وحتى الآن من خلال التوافقات داخل “البيت الشيعي” مع مراعاة أوزان كل كتلة. 

وبالرغم من محاولات كسر هذا السياق بعد انتخابات 2018 من خلال تشكيل تحالف “الإصلاح” الذي يضم التيار الصدري وكتل أخرى من بينها كتلة “الحكمة” وائتلاف “النصر فضلاً عن كتل كردية وسنية، من جهة، وتحالف “البناء” الذي يضم كتلة “الفتح” التي تنضوي ضمنها كتل المليشيات وكتل سنية وكردية من جهة أخرى، إلا أن كلا التحالفين لم يتمكنا من تشكيل الحكومة، ما أدى إلى توافق بين كتلتي “الفتح” و “سائرون” لإنتاج حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي وعودة سيادة “البيت الشيعي” للمشهد مرة أخرى. 

وتشكلت أيضاً حكومة مصطفى الكاظمي، في يونيو (حزيران) 2020، وفقاً لنفس السيناريو بعد مباحثات طويلة داخل أطراف “البيت الشيعي”.

ولعل السيناريو يبدو مختلفاً هذه المرة، حيث حصدت “الكتلة الصدرية” على 73 مقعداً وهي تمثل غالبية مقاعد المكوّن الشيعي، الأمر الذي ربما يجعلها قادرة على الذهاب للتوافق خارج سياقات “البيت الشيعي” هذه المرة وتشكيل حكومة بالتفاهم مع الأطراف السنية والكردية الرئيسة.

وقدمت “الكتلة الصدرية” ورقة في الجلسة الأولى للبرلمان الحالي لاعتبارها الكتلة الأكبر داخل البرلمان، الأمر الذي يجعل رئيس الجمهورية المقبل مرغماً على تكليفها بتشكيل الحكومة. 

وتعد تلك المرة الأولى التي يتم فيها تشكيل الكتلة الأكبر من قائمة واحدة ومن دون اللجوء إلى توافقات داخل المكون الشيعي. 

محاصصة بسياق جديد

وبالرغم من حسم إشكالية الكتلة الأكبر نوعاً ما، إلا أن هذا الأمر لا يعني نهاية المحاصصة في البلاد، حيث يتطلب تشكيل الحكومة تفاهمات مع غالبية الكتل لتمريرها في البرلمان.

ولعل المتغيّر الوحيد في هذه الانتخابات يتمثل بخلق 3 زعامات للمشهد الشيعي والسني والكردي تكون محور تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، حيث يرى مراقبون أن المحاصصة الطائفية ما تزال قائمة بسياق مختلف. 

ويقول الباحث في الشأن السياسي، بسام القزويني، إن الأطراف الرئيسية التي شاركت بكتابة الدستور “وضعت مصدات أمام محاولة دفعها إلى الخلف وإحدى أهم نقاط التطمينات هي عدم خروجها من المحاصصة الطائفية”.

اقرأ المزيد

ويضيف القزويني في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن “التيار الصدري يسعى لقيادة العملية السياسية وليس تشكيل حكومة فقط وهذه القيادة قد تتعارض فيها زعامات تلقي بظلالها على شكل التحالفات، خاصة وأن الصدر لا يمتنع من التحالف مع الإطار التنسيقي بقدر ما يرفض تحالفه مع الإطار بوجود المالكي”.

ويختم أن “المحاصصة أصبحت جزءاً من ثقافة القوى السياسية، وبالتالي لن تتمكن هذه القوى من الخروج من دائرة المحاصصة إلا عند احتدام الصراع في ما بينها”، مبيناً أن ما جرى بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري “هو دليل على نزع المحاصصة من مكون واحد وإيداع المكاسب لدى جزء من هذا المكون”.

معادلة جديدة

وشهدت الانتخابات الماضية متغيرات رئيسة، حيث خسرت كتل المليشيات الموالية لإيران غالبية مقاعدها البرلمانية، ما دفعها إلى إثارة تصعيد واسع خلال الأشهر الماضية وتشكيك بنتائج الانتخابات، فضلاً عن رفعها دعوى للمحكمة الاتحادية العليا في العراق لإلغاء نتائج الانتخابات، إلا أن المحكمة ردت الدعوى وصادقت على النتائج. 

ويبدو أن خسارة القوى الرئيسة داخل المكوّن الشيعي والتي كانت تمثل عماد “البيت الشيعي” أدى إلى الدفع نحو معادلة جديدة، إذ بات التيار الصدري متمسكاً بشكل كبير بما يطلق عليه “حكومة الأغلبية الوطنية”، وهو الأمر الذي ربما سيقصي القوى الموالية لإيران من مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة”.

ويعتقد الباحث في الشأن الأمني والسياسي، أحمد الشريفي، أن ما حصل خلال الأيام الماضية يمثل “تراجع منظومة حلفاء إيران التي تطلق على نفسها تسمية البيت الشيعي”، مبيناً أن طهران “فشلت في إعادة فرض حلفائها على المجتمع الشيعي في العراق ما أدى إلى خلق معادلة توازن جديدة”.

ويضيف الشريفي أن “الهويات الفرعية ربما تبقى في إطارها العام لكنها ستكون أكثر تصالحاً في إدارة الدولة والبرنامج الحكومي المقبل”. وبحسب الشريفي، يمثّل ما جرى “خط شروع لعملية سياسية جديدة بعيداً عن الهويات الفرعية ذات الارتباطات الإقليمية وليس هويات المكونات الأساسية للمجتمع العراقي”.

ويتابع أن “التخندق في العراق ما زال قائماً على أساس الهويات الفرعية خصوصاً مع عدم تشكيل كتلة قادرة على تخطي تلك المعادلة”، مبيناً أن “مفهوم حكومة الأغلبية هذه المرة انحسر بالكتل التي تمثل المكونات الأساسية، وبات يعني توافق الكتل الأكبر التي مثلت المرتكزات الثلاث في المنتظم الاجتماعي في العراق وهم التيار الصدري كممثل للشيعة، وكتلة (تقدم) كممثل للسنة، وكتلة (الحزب الديمقراطي الكردستاني) كممثل للكرد”.

كسر قواعد اللعب السابقة

وصار التيار الصدري، الذي فاز بانتخابات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بشكل كاسح، لأول مرة كتلة أكبر، من دون تحالفات أو تفاهمات طولية وعرضية ومكوناتية داخل البرلمان، وهو الأمر الذي يفسره مراقبون بأنه كسر بلا عودة لتوافقات “البيت الشيعي”، إلا أنه لا يفترض بالضرورة كسر المحاصصة الطائفية.

في السياق، يرى الكاتب والصحافي العراقي، أحمد حسين، أن ما يجري حتى الآن يمثّل “استمراراً لآليات المحاصصة ذاتها مع اختلاف أساسي هذه المرة يرتبط بتفرد جهة سياسية واحدة متمثلة بالكتلة الصدرية مستفيدة من حجم مقاعدها، وتراجع تمثيل الأطراف الأخرى بما يسمح باستمرار جلسات البرلمان دون اختلال”.

وجرياً على العادة مضى تمرير رئاسة البرلمان استناداً إلى اتفاق الأطراف السنية الأساسية، وهذا السيناريو متوقع أيضاً بالنسبة لرئاسة الجمهورية، فعلى الرغم من تصاعد السجال بين الحزبين الكرديين، يرجح حسين، أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق قبل دخول جلسة التصويت على مرشح رئاسة الجمهورية.
ويبدو أن الاختبار الحقيقي سيتمثل في مدى استعداد الطرفين الكردي والسني للمضي في تمرير مرشح رئاسة الحكومة وتشكيلته بالشكل الذي يصر عليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حتى الآن، وإبعاد الإطار التنسيقي.

ويعتقد حسين، أنه في حال بات تشكيل الحكومة وفق السياقات التي يصر عليها الصدر أمراً واقعاً، فهذا يعني “كسر قواعد اللعبة التي تنص على عدم تدخل الأطراف الأخرى في الصراع داخل المكون الواحد، وقد تتجرع لاحقاً القوى الكردية والسنية من ذات الكأس، فضلاً عن الضريبة الأمنية المحتملة بالنظر إلى الهيمنة المسلحة لأطراف الإطار التنسيقي”.

في المقابل، يرجح الصحافي العراقي مصطفى المسعودي، أن تكون الدولة العراقية على أعتاب “أصعب تحدٍ منذ تأسيسها”، مبيناً أن “الحكومة المقبلة لن تكون مستقرة وستواجه اضطرابات داخلية رهيبة، مدعومة بحملة تضليل وتحريض غير مسبوقة”.

ويضيف أن “الجهات المسلحة الخاسرة ستبدأ عملية استنزاف كل شيء، من الحياة المدنية مروراً بالقواعد العسكرية، وليس انتهاء بإضرام النيران داخل العملية السياسية المختلة أصلاً”، مبيناً أن الحكومة المقبلة ستكون “حكومة الصدر وهو الطرف الشيعي الأقوى حالياً، وهذا في أدبيات الخاسرين المسلحين، إقصاء يستدعي تخريبه”.