التحديات الاستراتيجية العالمية عـام 2022.. وجـهـة نظر غربية
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
السبت ١٥ يناير ٢٠٢٢ – 02:00
مع بداية عام 2022. انتشرت التكهنات حول ماهية القضايا العالمية المتعلقة بالشؤون الخارجية، التي ستكون محل اهتمام، ومن المتوقع أن تهيمن على عناوين الأخبار العالمية خلال العام الجديد، حيث استعانت العديد من المؤسسات البحثية، ومراكز الفكر الرائدة في الغرب بمحلليها؛ لتقديم أفكارهم وتعليقاتهم حول هذه المسألة.
وحول التوقعات الخاصة بالشرق الأوسط، أشار «إميل حكيم»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، إلى أن كل الأنظار ستتوجه نحو «المفاوضات النووية المتعثرة» بين إيران والغرب. وفي توضيح لهذا، أكد أن «طهران ردت بالمثل»، على سياسة الضغط الأقصى لإدارة ترامب من خلال «زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، ووقف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتعامل بعدوانية» مع إدارة بايدن، وذلك رغم أن واشنطن أصبحت الآن أكثر «حرصا» على العودة إلى الاتفاق.
وفي هذا السياق، يرى العديد من المحللين، أن احتمالية التوصل إلى حل ناجح للقضية النووية الإيرانية في عام 2022. لا تزال «بعيدة المنال». ويوضح «جريجوري برو»، من معهد «ريسبونسبل ستيت كرافت»، أن «الاتفاق النووي»، الآن «على شفا الانهيار»، في حين أقر «جيمس ليندسي»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، أن إحراز تقدم في عام 2022. «غير مرجح»، بالنظر إلى فشل سبع جولات منفصلة من مفاوضات عام 2021 في ذلك، وأنه في ظل الوضع الراهن، «يبدو أن تحول إيران إلى دولة نووية أو شبه نووية، هو أمر محتم». ومن نفس المنطلق، آثار معلقون آخرون مخاوف بفشل المفاوضات وتحولها إلى نزاع مسلح. ووفقًا لـ«ماثيو بوروز»، و«روبرت مانينغ»، من «المجلس الأطلسي»، فإنه من «غير المستبعد» أن تنهار المفاوضات في ظل سلوك إيران التصعيدي، وتؤدي إلى «عمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني»، من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل.
من ناحية أخرى، لا يبدو أن أنشطة طهران الإقليمية، أصبحت أقل كثافة مما كانت عليه في السنوات السابقة. ويرى «حكيم»، أن «أنشطة المليشيات والصواريخ والطائرات المسيرة التي ترعاها إيران»، ستضع بقية الشرق الأوسط «في حالة من التوتر» عام 2022. وأوضح «جون جامبريل»، من وكالة «أسوشيتد برس»، أنه في الذكرى الثانية لاغتيال «قاسم سليماني»، تعرضت المنطقة لـ«سلسلة من الهجمات» شملت؛ الاستيلاء على سفينة ترفع العلم الإماراتي في البحر الأحمر من قبل المتمردين الحوثيين، وهجوم طائرة مسيرة على مطار بغداد، واختراق موقع صحيفة إسرائيلية، ما يدل على امتداد نفوذ المليشيات الإيرانية.
وبعيدا عن إيران، أكد «حكيم»، أنه على الرغم من «الاتجاه العام للتخفيف من التصعيد في عام 2021»، إلا أن هناك «الكثير من البؤر المشتعلة الأخرى في المنطقة»، والتي تشمل ليبيا، وعملياتها السياسية «الهشة»، فضلاً عن الصراعات المستمرة وعدم الاستقرار في سوريا والعراق ولبنان. وبالمثل، أوضح «غالب دالاي»، من جامعة «أكسفورد»، و«طارق يوسف»، من معهد «بروكينجز»، أنه على الرغم من زيادة النشاط الدبلوماسي العام الماضي، إلا أنه «لا صراع في المنطقة على وشك الحل».
وفي تحليله، يرى «حكيم»، أن هذه الصراعات تفاقمت بسبب الوضع الجيوسياسي، الذي توجد فيه هذه الدول، حيث سلط الضوء على علاقة تركيا المشحونة بالدول الأخرى في شرق البحر المتوسط ، فضلاً عن التوترات المتصاعدة بين المغرب والجزائر في شمال إفريقيا، كمثالين لكثير من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبشأن المجال الأمني، يعتقد أن المنطقة «لا تزال تعاني من تداعيات استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، فضلا عن مخاوف من أن هذا سيخدم «مصلحة الحركات الإرهابية». ومرددًا هذه المخاوف، سجل «مارفن وينباوم»، من «معهد الشرق الأوسط»، أن «تيار حقاني الصاعد» لطالبان معروف بأنه لم يقطع أبدًا علاقاته الوثيقة مع القاعدة»، ما جعل صعود حكام أفغانستان الجدد «مقلقًا» لجهود مكافحة الإرهاب في بقية أنحاء الشرق الأوسط.
وفي ختام رؤاه للمنطقة، رأى «حكيم»، أنه لا يمكن تجنب «عودة» عدم الاستقرار الجيوسياسي، إلا إذا كانت «القوى الإقليمية، التي وجدت أنه من المناسب خفض التوترات» في عام 2021. يمكنها الآن «التحرك نحو حل النزاع في 2022». وأوصى كل من «دالاي»، و«يوسف»، بأنه «ينبغي على اللاعبين الدوليين دعم الجهات الفاعلة الإقليمية من خلال أطر متعددة الأطراف»، مسلطين الضوء على مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في أغسطس 2021. كنموذج للحوار يمكن تكراره في العام الجديد.
وبالإضافة إلى معالجة التحديات بالشرق الأوسط، كانت هناك أيضًا قضايا عالمية أخرى تم التطرق إليها، متعلقة بأوروبا، وأمريكا الشمالية، وآسيا، وإفريقيا. وبالنسبة إلى أوروبا، علقت «سارة راين»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن «التحديات القائمة»، مثل جائحة كورونا، والهجرة إلى القارة، «ستندمج مع تحديات جديدة في سياقات جديدة». وكجزء من هذا، لوحظ أن فرنسا «ستقود المناقشات حول نموذج اقتصادي لمرحلة ما بعد الوباء»، بينما ستحاول المفوضية الأوروبية «صياغة استجابة أوروبية أكثر قوة، ولكن لا تزال موحدة» على «التنافس المنهجي» مع الصين. وعلى صعيد الديمقراطية، في هذه الأثناء، أوضحت أنه بينما ستضغط ألمانيا من أجل «تعزيز المرونة الديمقراطية»، فإن شرعية الاتحاد الأوروبي الديمقراطية سوف يتم تحديها، «وربما تجاوزها»، من خلال إجراء انتخابات محتملة في المجر وبولندا.
وفيما يتعلق بالدفاع في أوروبا، استشهدت «راين»، بتصريح رئيس «المجلس الأوروبي»، «شارل ميشيل»، بأن عام 2022. سيكون «عام الدفاع الأوروبي»، ملمحًا إلى اعتماد البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في مارس من نفس العام، مضيفة أن «الأمل سيكون من أجل الإرادة السياسية لتحويل الأفكار على الورق إلى أفعال». ونظرًا إلى أن سياسات الرئيس الروسي، «بوتين»، أدت إلى تصعيد التوترات بشأن أوكرانيا؛ فإن مفهوم «عام الدفاع الأوروبي» في عام 2022. «يمكن أن يتخذ معنى مختلفًا تمامًا».
وبالنسبة إلى أمريكا الشمالية، علق «دانا ألين»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أنه بعد مرور عام على اقتحام السادس من يناير 2021 لمبنى الكابيتول الأمريكي، «لا تزال الولايات المتحدة تواجه التهديد الأكثر أهمية لديمقراطيتها منذ الحرب الأهلية الأمريكية». واعتبر «بوروز»، و«مانينغ»، أيضًا أن العام المقبل يتشكل ليكون عامًا «تتآكل فيه الديمقراطية الأمريكية بشكل كبير»، حيث يبدو أن التوترات الطائفية والاستقطاب في أمريكا مهيأة فقط للتنامي».
وفيما يتعلق بدور أمريكا كقائد عالمي، رأى «ألين»، أن هذه الأزمة «أخطر بكثير» في «السياق الذي لا مفر منه لتقييم القدرة الأمريكية على توفير القيادة في نظام دولي متشابه ومشتت الاستقطاب»، وأنه «لأسباب ليس من الصعب تمييزها، فإن المزاج الأمريكي «يائس»، بسبب الأمل في أن يتم ترويض جائحة كورونا من خلال «خيبة الأمل» في طرح اللقاح، في حين أن «ارتفاع التضخم تسبب في قلق» بين الأمريكيين العاديين. وحول المحن السياسية الداخلية لواشنطن، أشار إلى أن «مؤشرات التأييد الوطنية لجو بايدن انخفضت بشكل حاد منذ الصيف الماضي»، وأنه «في الوقت الحالي من الصعب رؤية الديمقراطيين ينجون من تصويت آخر قريبًا ومتنازع قد يؤدي إلى أزمة دستورية».
لكن بالنسبة إلى منطقة روسيا الواقعة في نطاق قارة أوراسيا تحديدًا، علق «جولد ديفيز»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أنه «مع بداية عام 2022. توترت العلاقات الروسية الغربية بشدة»، وذلك بسبب الحشود العسكرية المتمركزة على الحدود الأوكرانية، فضلاً عن تورط موسكو في الاضطرابات الداخلية في كازاخستان»، مضيفا أن حشد روسيا لقواتها يهدف أيضًا إلى «الضغط على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للموافقة على مراجعات حتمية للنظام الأمني في القارة الأوروبية برمتها»، وأنه «في أسوأ الأحوال»، يمكن أن يؤدي العدوان -حال نشوبه- إلى وقوع أشد نزاع على الإطلاق بين عدد من الجيوش النظامية الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية». وحذر «ليندسي»، من أنه في حين أن «السبل الدبلوماسية قد توفر طريقًا يمكن من خلاله تجنب حرب لا يريدها أي من الطرفين على الأرجح»، فإن «التاريخ حافل بأمثلة ضيعت الكثير من الفرص الدبلوماسية السانحة».
وبالنظر إلى منطقة آسيا الوسطى، أشار «ديفيز»، إلى أن المنطقة بأسرها «تراقب أفغانستان بقلق بعد استيلاء طالبان على السلطة»، وتحديدًا من قبل الجارتين أوزبكستان وطاجيكستان اللتين «تجريان الطرق الدبلوماسية الأكثر نشاطًا»، لتهدئة أية اضطرابات في هذا الصدد. وبالإشارة إلى «الاضطرابات غير المسبوقة، التي شهدتها كازاخستان مؤخرًا»، أوضح أن تلك الأحداث المضطربة تُظهر «أن حالة عدم الاستقرار المفاجئة يمكن أن تؤرق، فيما يبدو نظامًا حاكمًا لطالما كان آمنًا في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي».
وفيما يتعلق بالتحديات الأمنية بمنطقة جنوب آسيا، رأى «راهول شودري»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن «مكافحة الانتشار العابر للحدود للآيديولوجيات المتطرفة والإرهابية» الكامنة في أفغانستان، إلى جانب «التخفيف من التداعيات الاقتصادية» لكوفيد-19. سيمثلان «التحديات الرئيسية» للعام الجديد، خاصة وأن عودة طالبان إلى السلطة، «ستشجع كل الجماعات المتطرفة، وستؤدي إلى تفاقم الأمن الإقليمي.
وبالانتقال إلى القوة الصاعدة الأولى في العالم، الصين، أشارت «مايا نوينز»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، إلى عام 2022. باعتباره «عامًا حساسًا من الناحية السياسية»، حيث من المحتمل أن تظل العلاقات مع واشنطن حادة، والمنافسة بينهما شرسة، لكن ربما تتناقص نوعًا ما مسألة استحواذ بكين على سلاسل التوريد العالمية في مجالات الاهتمام الحرجة، مثلما حدث خلال نهاية عام 2021. وعند مناقشة المنافسة العالمية بين واشنطن وبكين، أوضح كل من «ماثيو جودمان»، و«جيرارد ديبيبو»، و«جوناثان هيلمان»، و«ماثيو رينولدز»، من مركز «الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن «العام الجديد سيختبر ما إذا كان بإمكان إدارة بايدن تعزيز المصالح الاقتصادية الأمريكية» في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك إقناع «الحلفاء والشركاء الآسيويين المتشككين، بأن لدى واشنطن خطة موثوقة للقيام بذلك على أرض الواقع».
علاوة على ذلك، كتب «بنجامين بيتريني»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى «شهدت تصعيدًا للنزاع المسلح، وانعدام الأمن في الجزء الأكبر من العقد الماضي»، وأن «هذا التصعيد من المرجح أن يستمر في عام 2022»، وأنه في حين أن «الفصائل الإسلامية الراديكالية عانت من بعض الانتكاسات في قوتها العسكرية في عام 2021؛ فإن التوقعات بشكل عام توحي بأنه «لا يزال هناك انعدام للأمن والاستقرار على نطاق واسع في تلك المنطقة».
على العموم، عند النظر في التعليقات التي قدمها المحللون والمعلقون والباحثون الغربيون، يتضح أن هناك إجماعًا على أن القضايا الجيوسياسية، التي هيمنت على عام 2021. ستستمر تداعياتها في التأثير في العام الحالي، حيث ستظل المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن موضع اهتمام كبير، والتي من غير المرجح نجاحها بشكل متزايد، بعد أن فشلت جولاتها السابقة في إحراز تقدم ملموس، فضلا عن أنه من المتوقع استمرار الأنشطة العدوانية الإيرانية في الخليج العربي.
وكان هناك أيضًا توافق واسع على أن عام 2022. سيمثل تحديا خاصًا للولايات المتحدة محليا ودوليا، خاصة بشأن حالة الديمقراطية الأمريكية الحالية، واحتمال حدوث اضطراب مدني مع تزايد حالة الاستقطاب في السياسة الداخلية، وهو الأمر الذي قد يلحق الضرر بمكانتها، ويكون له تأثيرات غير مباشرة في مسار علاقاتها الدولية، في الوقت الذي تحاول فيه التعامل مع العدوان الروسي في أوروبا الشرقية، وتطوير استراتيجية عملية لتوسيع نطاق نفوذها في المحيطين الهندي والهادي.