العراق يدخل مرحلة حسم الحكومة
20 يناير 2022 23:33 مساء قراءة 4 دقائق
د. محمد عزالعرب*
نجح التيار الصدري في حسم المشهد الأول للخروج من المأزق المركب الذي تشهده الساحة العراقية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات العراقية وتثبيتها من قبل المحكمة الاتحادية، إذ تحالف الصدر مع تحالف «تقدم» بقيادة محمد الحلبوسي، على نحو أدى إلى انتخاب الأخير في 11 يناير(كانون الثاني) الجاري رئيساً للبرلمان العراقي للمرة الثانية على التوالي.
يستعد التيار للمشهد الثاني حيث يتم فتح باب الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، والذي سيحسم وفقاً للمؤشرات للرئيس برهم صالح لولاية ثانية. ويبقى المشهد الثالث متعلقاً بإعلان التيار الصدري عن مرشحهم لرئاسة مجلس الوزراء والذي بدوره يقوم بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
قدم التيار الصدري إلى رئاسة البرلمان قائمة بأسماء النواب الفائزين في الانتخابات لإعلانها الكتلة البرلمانية الأكبر، ما يؤهلها لتشكيل الحكومة وفقاً للدستور. كما أعلن السيد مقتدى الصدر أن اختيار رئيس البرلمان ونائبيه خطوة في الاتجاه الصحيح نحو الحكومة الأغلبية الوطنية، مشيراً إلى أنها الخطوة الأولى لبناء عراق حر مستقل بلا تبعية ولا طائفية ولا فساد. كما طالب الصدر الكتل السياسية بأن تكون على قدر المسؤولية وعدم تكرار أخطاء الماضي.
ولا يعني ذلك أن حسم المشهد سيكون يسيراً، انطلاقاً من خبرات سابقة أو أوضاع حالية. فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية تصاعد التوتر بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وبعض الأحزاب السياسية الشيعية ضمن الإطار التنسيقي (أغلبه معارض لكتلة التيار الصدري)، لاسيما بعد انتخاب الحلبوسي. ولعل ذلك يمثل تطوراً طبيعياً لما تشهده مخرجات الانتخابات البرلمانية العراقية، إذ يرى التيار الصدري أنه لا يمكن للخاسرين تشكيل حكومة جديدة بل توجد جبهة قوية مكونة من التيار الصدري وجميع القوى السنية وأغلبية الأكراد «الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان» على نحو يؤهلها تشكيل حكومة لاسيما مع دخول بعض الأحزاب الشيعية المنضوية تحت الإطار التنسيقي.
حكومة أغلبية
ويمكن القول إن هناك مساراً هو الأقرب للتحقق وهو، تشكيل حكومة أغلبية، كما يصفها مقتدى الصدر منذ إعلان فوز التيار الذي يعبر عنه بالأكثرية داخل مجلس النواب العراقي، إذ يصرّ على الطابع الوطني لتلك الحكومة، دون النظر لأي احتمال آخر، بل اعتبر أن أي حديث بشأن تشكيل حكومة توافقية أشبه بالانتحار.
وتجدر الإشارة هنا إلى تغريدة نشرها مقتدى الصدر على تويتر بتاريخ 11 الجاري قائلاً «اليوم لا مكان للطائفية أو العرقية، بل حكومة أغلبية وطنية، يدافع الشيعي فيها عن حقوق الأقليات والسنة والكرد، ويدافع الكردي عن حقوق الأقليات والسنة والشيعة، كما سيدافع السني عن حقوق الأقليات والشيعة والكرد»، مضيفاً: «اليوم لا مكان للفساد، فستكون الطوائف أجمع مناصرة للإصلاح.. واليوم لا مكان للميليشيات، فالكل سيدعم الجيش والشرطة والقوات الأمنية، وسيعلو القانون بقضاء عراقي نزيه».
كذلك جدد الصدر خلال الآونة الأخيرة تمسكه باستبعاد ممثلين عن حزب الدعوة الذي يتزعمه نور المالكي رئيس الوزراء السابق، الذي جاء في مرتبة تالية للتيار الصدري في الانتخابات الأخيرة.
وتشير بعض المصادر العراقية إلى أن الصدر ألمح خلال لقائه بزعيم تحالف الفتح هادي العامري بتاريخ 16 يناير الجاري إلى أن أبواب التشكيل الحكومي مفتوحة للإطار التنسيقي في حال تخلّيه عن المالكي.
وعلى الرغم من التجاذبات السياسية بين الأحزاب الشيعية ستجعل تشكيل الحكومة أمراً صعباً خلال أمد زمني قصير، إلا أنه في نهاية المطاف سيحسم التيار الذي حصد الأكثرية الأمر بتنفيذ تصوراته. وما يدعم هذا السيناريو هو حرص مؤسسات الدولة العراقية على تثبيت دعائمها وعدم التعرض للابتزاز والضغوط التي تمارس من قبل بعض الأحزاب والميليشيات المسلحة الداعمة لها.
حكومة توافق
في حين تشير تحليلات أخرى إلى مسار ثانٍ، وهو تشكيل حكومة توافقية عراقية، ويستند هذا السيناريو إلى أن استبعاد الأحزاب الشيعية الموالية لطهران من الحكومة الجديدة يمثل مخاطرة غير محمودة العواقب؛ إذ قد يدفعها إلى ممارسة أعمال عنف والتلويح بدور الميلشيات وحشد الشارع في بعض المناطق للحصول على بعض المكتسبات وتجنب فقد السيطرة السياسية على البلاد، لاسيما بعد أن حذر زعيم تحالف الفتح هادي العامري من التداعيات الخطيرة لأي إقصاء. كما أعلن الإطار التنسيقي الشيعي أنه قدم لرئيس البرلمان المؤقت ما يفيد أنه الكتلة الأكبر في المجلس، ما أشعل خلافات بين كتلة الصدر وبين التيار التنسيقي وصلت إلى حد التدافع في الجلسة الأولى للبرلمان.
وشارك أعضاء «الكتلة الصدرية» في تلك الجلسة، وهم يرتدون أكفان الموتى. وهذه إشارة من أعضاء الكتلة، إلى استعدادهم للموت.
وتحاول مختلف الأطراف الإيحاء للرأي العام العراقي بأن ثمة ضرورة لتصحيح المسار الخاطئ والحسابات غير الصحيحة التي حصلت خلال الفترة الماضية، وكان آخرها خلال الجلسة البرلمانية الأولى، وما تقود إليه من تراكمات سلبية. وتبعاً لهذا السيناريو، فإن هناك مسارات قلقة تشهدها الساحة العراقية عبر المواجهات بين الفصائل المسلحة؛ إذ يمتلك التيار الصدري فصيلاً مسلحاً (سرايا السلام) والأطراف المختلفة في الإطار وخاصة تحالف الفتح لديها أيضا فصيل مسلح، بما قد يغري بممارسة العنف والدخول في دوامة من العنف والعنف المضاد. غير أن هذا السيناريو ضعيف لأنه يفضي إلى مسار مجهول.
تصحيح المسار
خلاصة القول إن انعقاد جلسة مجلس النواب وانتخاب رئيسه ونائبيه يمثلان بداية جديدة للعملية السياسية في العراق، ثم تليها انتخاب الرئيس ثم الدفع برئيس للوزراء من الكتلة الأكبر (التيار الصدري) حتى لو تأخر تشكيل الحكومة نسبياً، لاسيما أن هناك تحديات ضاغطة تواجه العراق في اليوم التالي لتشكيل الحكومة تتعلق بالأمن والاقتصاد والصحة، بعد تفشي الجائحة وتوازن في علاقات العراق الخارجية وتلبية مطالب قوى الحراك، وهو ما صرح به رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بعد انتخابه قائلاً «نحتاج لتصحيح المسار لاستعادة ثقة الشارع». وسوف تكشف المباحثات التي تجري في بغداد وأربيل والنجف خلال المرحلة المقبلة القدرة على تشكيل حكومة وحدة وطنية أو توافقية يسعى الصدر إلى إغلاق الحديث بشأنها التي ينادى بها الإطار الشيعي، الذي يسعى بدوره لكسب المستقلين إلى صفوفه.
* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية