في كردستان العراق… “جرائم الشرف” تتوالى ومقبرة الضحايا النساء بالأرقام
13-02-2022 | 06:20
المصدر: النهار العربيرستم محمود
تظاهرة نسائية في السليمانية ضد الجرائم. (أرشيف)
A+A-هزت حادثتا مقتل “متحوّل جنسي” على يد شقيقه في مدينة دهوك، والعثور على جثة امرأة مجهولة الهوية بالقرب من مقبرة “بكره جو” في مدينة السليمانية، الأوساط المدنية والحقوقية والنسوية في إقليم كردستان العراق، ودفعتا الناشطين في هذه القطاعات إلى التساؤل عن نجاعة مجموعة الخطوات والقرارات التي اتخذتها سلطات الإقليم للقضاء على ظاهرة “جرائم الشرف” في كردستان، والتي تُعد واحدة من المناطق التي تشهد هذه الظاهرة بكثافة، حيث تعد مختلف القوى السياسية والحكومية باتخاذ مختلف الإجراءات والقرارات الكفيلة بالقضاء عليها، أو الحد منها على أقل تقدير. أصدرت حكومة إقليم كردستان قراراً مباشراً بمنع دفن الجُثة التي عُثر عليها في مدينة السليمانية، متابعة التحقيق وكشف الجناة. فعادة ما يُلقي القتلة بالضحايا في أماكن عامة من المدينة، ولا يعود الأهل للتعرف إلى جثة الضحية، حتى يدفعوا عن أنفسهم التبعات القانونية العقابية جراء ذلك، حيث تصل العقوبة في هذه الحالة إلى حد الإعدام. فالقانون العام في الإقليم لا يمنح عقوبات تخفيفية لمثل هذه الجرائم. والجثث المجهولة الهوية لا تجري عمليات تحقيق وتقصي مطولة بشأنها، بسبب انتفاء إمكان التتبع والملاحقة، وهو أمر دفع بالعديد من الناشطين لمطالبة حكومة الإقليم بالتعرف إلى الجثث عبر آليات بصمة العين أو نشر صور وجوه الضحايا على وسائل الإعلام. مدينة السُليمانية في إقليم كردستان، مثل غيرها من مُدن الإقليم، تضم مقبرة خاصة بالنساء اللواتي قُتلن على أيدي أفرادٍ من عائلاتهن، ولم يتم التعرف إلى هوياتهن في ما بعد، فيُدفنّ في مقبرة خاصة “مقبرة سيوان” حيث لا توجد على شواهد القبور أسماء الضحايا، بل مجرد أرقام وأرشيف لمكان وقوع الجريمة وزمانها. الأرقام التي كشفها النشطاء الحقوقيون في الإقليم أفادت بأن عشر جرائم من هذا النوع تقع في مختلف مناطق الإقليم شهرياً، وأن عمليات العنف التي تطاول النساء تنوعت خلال الأشهر الثمانية الأخيرة الماضية بين 10 حالات قتل و41 حالة انتحار و45 حالة إقدام على الحرق و77 حالة اعتداء جنسي، مذكرة بأن مختلف تلك الحالات أنما هي في المحصلة عُنف أسري يُمارس ضد النساء، بداعي “الدفاع عن الشرف”، أياً كانت المحصلة والصورة النهائية التي تخرج بها الجريمة إلى المجال العام. وكانت وزارة الداخلية في إقليم كردستان العراق أطلقت مشروع تطبيق إلكتروني عبر الهواتف المحمولة “SAVE YOU”، مخصصاً للإبلاغ عن أي أشكال للعنف قد تتعرض لها النساء في الحياة العامة والاجتماعية في الإقليم. حيث يُمكن لأي شخص أن يُبلغ عن تلك الحالات، سواء تعرض لها بنفسه أو كان شاهداً عليها. فالتطبيق يمنح المُبلغين مجموعة من التسهيلات التي تساعدهم في تحديد مكان الجريمة وزمانها وهوية الفاعلين، وتُبقي بياناتهم الشخصية محفوظة بالنسبة إلى الجهة الحكومية. الناشطة المدنية رحيلة سيد عباس شرحت في حديث لـ”النهار العربي” أهمية هذا التطبيق الأخير، والصعوبات التي يُواجهها، ليتحول إلى أداة شعبية قادرة على المساهمة في الحد من جرائم العنف ضد النساء، وقالت إن “التطبيق خطوة أساسية لأن يكون أي فرد في المجتمع “مُسلحاً” بأداة قادرة على ضبط أي سلوك يستهدف تعنيف النساء في المجتمع، وفي مختلف البيئات الاجتماعية، وهو سهل الاستعمال للغاية. لكن إدخاله على هواتف النساء يُعد أمراً صعباً للغاية. فعادة ما تكون الهواتف النقالة في البيئات الاجتماعية المحافظة والتي تشهد أشكالاً من العنف الأسري ضد النساء، أكثر الأدوات تعرضاً للمراقبة من قِبل الجهات نفسها التي تُعنف النساء، وهذا سبب أولي وأساسي لعدم انتشار التطبيق بما فيه الكفاية، إلى جانب القصور في الدعاية له على وسائل الإعلام وفي المؤسسات التربوية والجامعية في الإقليم، فالأمر يحتاج إلى حملة حقيقية في ذلك الاتجاه”. قانونياً، المادة 406 من القانون 111 لسنة 1969 هي النافذة في إقليم كردستان، حيث تصل عقوبة الإقدام على مثل تلك الجرائم إلى حد الإعدام لو كان القتل بسابق إصرار وتخطيط، وإلى السجن بالمؤبد في حالات آخرى.وعلى العكس من باقي مناطق العراق، فإن القانون في إقليم كردستان لا يمنح أي تخفيف للجناة لأسباب تتعلق بـ”العذر” في هذه الجرائم. المادة 409 من قانون العقوبات العراقي غير معمول بها في الإقليم، والتي تُخفض عقوبة الجاني من الإعدام أو الحُكم المؤبد إلى قرابة ثلاث سنوات فحسب!. الناشطة النسوية شلير بنجويني لفتت في حديث إلى “النهار العربي” إلى التعارض الموضوعي بين الإرادة السياسية والحكومية وبين تعثر المؤسسات في العمل بحيوية في إنجاح مثل هذه البرامج والتوجهات، “فيما نرى الساسة والقادة الحكوميين يُظهرون يومياً رغبتهم في اتخاذ الخطوات الحثيثة للحد من هذه الجرائم نهائياً، من خلال برامجهم السياسية المعلنة ولقاءاتهم بناشطي المجتمع المدني والنسوي، وإتاحة المجال لبعض المنظمات العالمية بالعمل في الإقليم، لكن مؤسسات مثل وزارات التربية والثقافة والتعليم العالي لا تُظهر نشاطاً وديناميكية للتخطيط والعمل على برامج واسعة المدى والأفق للحد من الظاهرة، إذ تميل لأن تكون مؤسسات بيروقراطية محافظة، لا تسعى لإحداث أي تغير “مُرهق” لنشاطها التقليدي، والذي قد تتلقى إثره بعض الانتقادات من الأوساط المحافظة داخل البيئة المجتمعية، لذا تتجنب ذلك تماماً”.