مجاميع مسلحة متعددة الوجوه يجمعها عداء روسيا في أوكرانيا
يستمر التحشيد على الحدود الأوكرانية الروسية في الوقت الذي تزداد فيه احتمالية بدء غزو روسي للأراضي الأوكرانية في أي لحظة، وكل ذلك استنادًا للتقارير الغربية التي تصدر من أجهزة المخابرات الغربية وخاصة الأمريكية، بموازاة ذلك فإن المسؤولين في كييف يوجهون دعواتهم للسكان بالهدوء، كما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن التحذيرات من غزو روسي وشيك لبلاده تثير الهلع، مطالبًا بدليل قاطع على هجوم مخطط له.
وعلى الرغم من ادعاء القيادة الأوكرانية الهدوء، فإنها بدأت منذ شهور بالاستعداد للحرب على الأصعدة كافة، وليس آخرها بدء التدريبات التي يجريها ضباط من الجيش الأوكراني للمدنيين المتطوعين وتدريبهم على السلاح لمواجهة الخطر الروسي الذي يداهم البلاد، خاصة أن أوكرانيا لها تجربة صعبة مع روسيا عام 2014 حينما بدأت روسيا ضم القرم دون أن تستطيع كييف المواجهة.
لم تعد المسألة اليوم مسألة القرم أو إقليم الدونباس، إنما الأمر سيصل إلى غزو كييف نفسها، وتعلم القيادة الأوكرانية كما يعلم العالم حجم المفارقة بالعدة والعتاد والعناصر والتكتيكات، من أجل ذلك تتجه أوكرانيا لعدّة خيارات من أجل المواجهة، لعل أهمها إطلاق يد المجموعات المسلحة العاملة خارج إطار الجيش النظامي ودعم المجموعات الشعبية وتدريب المدنيين على السلاح وهو ما يعتبر إشارة إلى أن كل الأوكرانيين سيخوضون الحرب هذه المرة للحيلولة دون تكرار سيناريو 2014.
تشكلت الكثير من مجموعات المتطوعين الأوكرانيين المسلحين بعد أحداث ضم القرم وانفصال إقليم الدونباس عام 2014، وتنحدر هذه المجموعات من خلفيات مختلفة منها ما هو يميني متطرف ومنها ما هو شعبي ومنها ما هو إسلامي، ولعل المقاتلين المسلمين يثيرون استغراب الكثيرين بشأن جدوى وماهية وجودهم في هذه البقعة من الأرض، في هذا التقرير سنتحدث عن بعض المجموعات الأوكرانية التي تقاتل إلى جانب الجيش الأوكراني أو بموازاته.
مقارنة
بدايةً لعلنا نتحدث عن الجيش الأوكراني النظامي ومقارنته بالجيش الروسي وهو ما سيجيب عن سؤال: لماذا تستعين كييف بمجموعات غير نظامية؟ وطبعًا الفرق شاسع بين الجيشين، فالجيش الروسي يعدّ ثاني أقوى جيوش العالم، بينما يأتي الجيش الأوكراني في المركز الـ25، ويفوق عدد جنود الجيش الروسي المليون عنصر فيما يبلغ تعداد الجيش الأوكراني 255 ألف عنصر.
يضم الجيش الروسي 15500 دبابة، مقابل 4000 دبابة فقط للجيش الأوكراني، كما تملك موسكو 27600 عربة مدرعة بينما تمتلك كييف نصف الرقم برصيد 11400، أما في مجال المدافع فإن روسيا تمتلك ما يقرب من 6500 مدفع ذاتي الطلق و3800 راجمة بمقابل 600 راجمة لدى الجيش الأوكراني، وبالانتقال إلى القوة الجوية فإن الجيش الروسي يتقدم بمراحل كبيرة عن الجيش الأوكراني، فيمتلك الأول 3000 طائرة مقاتلة بينما يمتلك جيش أوكرانيا 400 مقاتلة.
أما عن القطع البحرية، فالأرقام تبين البون الشاسع بين الجيشين، إذ يمتلك الجيش الروسي أكثر من 600 قطعة بحرية من بينها غواصات ومدمرات وفرقاطات، بينما تمتلك أوكرانيا 25 قطعةً بحريةً فقط، وكذا تجد الفارق في الميزانية المخصصة للجيش، فتخصص موسكو أكثر من 43 مليار دولار لجيشها بينما تخصص كييف 10 مليار دولار.
الأرقام السابقة تشير إلى أن أوكرانيا في موقف ضعيف عسكريًا أمام موسكو، خاصة إذا تركت وحدها في ميدان المعركة دون دعم غربي من أوروبا وأمريكا بالذات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة أمرت بسحب شبه كامل للجنود الأمريكيين المتبقين في أوكرانيا الذين كانوا يدربون القوات الأوكرانية بهدف “إعادة نشرهم في مواقع أخرى في أوروبا”، من أجل ذلك تحاول أوكرانيا فتح المجال وإعطاء الصلاحيات للجماعات الأوكرانية المقاتلة بكل خلفياتها حتى تلك التي تملك أفكارًا متطرفةً لتكون رديفًا للجيش النظامي حال بدأت روسيا حربها.
المجموعات المقاتلة
قبل البدء بسرد أهم المجموعات المقاتلة في أوكرانيا، لا بد من الإشارة إلى أن أهم تشكيل ممكن أن يساعد في الحرب هو تشكيل جيش من المدنيين وتسليحهم، وهو ما بدأته كييف منذ أواخر العام المنصرم، فقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا تحت عنوان “المدنيون الأوكرانيون بدأوا التدرُّب على القتال استعدادًا لغزو روسي محتمل”، ورصدت الصحيفة استعدادات كييف لمواجهة روسيا حال وقوع الغزو وتعرض جيشها للهزيمة.
تقول الصحيفة: “هذه البرامج جزء من خطة الدفاع الإستراتيجية عن البلاد، حال أقدمت روسيا على غزوها المحتمل لأوكرانيا، وترمي إلى تعزيز المقاومة المدنية القادرة على الاستمرار في القتال إذا وقعت الهزيمة بالجيش الأوكراني”، كما تضيف الصحيفة “كتائب المتطوعين العمود الفقري لقوة البلاد في الشرق عام 2014، عندما شهدت أوكرانيا المعارك الأولى ضد الانفصاليين الموالين لروسيا، وكان الجيش الأوكراني وقتها في حالة من الفوضى”، ولعل هذا هو الهدف الأهم من دعم المقاومة الشعبية والمجموعات المسلحة التي تحاول أوكرانيا إضفاء الطابع الرسمي عليها.
ولم يصدر على وجه التحديد ما يرصد أعداد المجموعات والتشكيلات الأوكرانية، لكن صحيفة بلومبيرغ، تقدّر أعدادهم بين 50 و60 ألفًا، وتروي الصحيفة أن أوكرانيا لها تاريخ في تنظيم جيوش المتطوعين وبدأت ذلك في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
القطاع الأيمن والمقاتلون المسلمون
تأسست حركة القطاع الأيمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وهي حزب سياسي قومي يميني، وقد جمعت عدة أحزاب قومية خلال ثورة 2013 وشاركوا باشتباكات مع الشرطة آنذاك، ويقول الحزب إن منتسبيه يفوق عددهم 10000 عضو، وتصف روسيا هذه الحركة بأنهم من النازيين الجدد. فاز دميترو ياروش كمرشح في القطاع الأيمن بمقعد البرلمان في الانتخابات البرلمانية الأوكرانية عام 2014 كما فازت المتحدثة باسم القطاع الأيمن بوريسلاف بيريزا كمرشح مستقل.
يمتلك القطاع الأيمن كتيبةً متطوعةً تقاتل في حرب الدونباس وقد تم تشكيلها في أواخر أبريل/نيسان 2014، وبالإضافة إلى الأوكرانيين الموجودين في هذا القطاع فإن الوحدة تضم عشرات المواطنين الروس والبيلاروسيين.
يذكر تقرير لموقع “ميدل إيست آي” أن هذا القطاع يضم الكثير من المقاتلين المسلمين في صفوفه، ويروي شهادات لعناصر مسلمين ضمن هذا القطاع يقولون إنهم “يجاهدون ضد روسيا”، ووفقًا للموقع فإن مجموعات مثل “القطاع الأيمن” جذبت مقاتلين من جميع أنحاء جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، قدم الكثير منهم من مناطق شهدت نزاعات في الفترة الأخيرة مثل الشيشان وجورجيا وناغورنو كاراباخ.
يضيف التقرير “ليس جميع المقاتلين المسلمين من الخارج، ذلك أن أوكرانيا على الرغم من كونها بلدًا ذا أغلبية مسيحية أرثوذكسية، فإنها أيضًا موطن تتار القرم، وهم مجموعة عرقية من أصول تركية مسلمة يبلغ تعدادها نحو 280 ألفًا ويشكلون ما يصل إلى 12% من السكان في شبه جزيرة القرم – موطن أجدادهم”.
صحيح أن عدد المقاتلين المسلمين في أوكرانيا ضمن التشكيلات غير النظامية لا بأس به، إلا أن كييف لا تحبذ وجودهم في إطار تجمعات خاصة بهم، فقد فككت “ثلاث مجموعات ذات أغلبية مسلمة تملك مهارات قتالية كبيرة ودوافع قوية للمشاركة في المعارك، تألفت وحدتا جوهر دوداييف والشيخ منصور من مقاتلين شيشانيين، بينما تشكلت وحدة القرم أساسًا من المقاتلين التتار”.
ينقل موقع “ميدل إيست آي” عن يفين هلوشينكو الزعيم المسلم والقائد العسكري أن المسؤولين في كييف رفضوا طلبات تتار القرم لتشكيل وحدة مسلمة بالكامل داخل الجيش الأوكراني، ويضيف “لم يكونوا يريدون شيئًا ذا طابع ديني أو عرقي”، مضيفًا “حل الميليشيات الإسلامية وأنواع أخرى من هذه الوحدات، هو أمر يبعث على اليأس ولا يخدم المصالح الوطنية”، خاصة في الوقت الحاليّ الذي تواجه فيه كييف خطر غزو روسي جديد.
العنكبوت
خدم روسلان بوستوفويت، الملاكم السابق في الجيش النظامي، كضابط مخابرات وحصل على أوسمة كما أنه أدار بعض العمليات خلف خطوط العدو، لكن بوستوفويت الملقب بالعنكبوت شكل وحدة ميليشيا للمشاركة في القتال عام 2014، حين عجزت القوات المسلحة النظامية عن مقاومة الانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، ويعود اليوم العنكبوت إلى الساحة لقيادة مجموعة مسلحة في وجه روسيا.
يعبر العنكبوت عن غضبه إزاء ما وصفه بـ”فشل سلطات البلاد في التجهيز النشط لقوةٍ متعددة الميليشيات في المؤخرة، تحسبًا لسيطرة الجنود الروس على ماريبول”، وقال العنكبوت إنه شكل مجموعته الخاصة لتخريب إمدادات العدو، وهي تتألف من قوامٍ أساسي يضم 70 من قدامى المحاربين، ووفقًا لصحيفة بلومبيرغ: “رغم أسلوبه الاستعراضي في الحديث، فإن العنكبوت وبعض رجاله قاتلوا على الأرض في نزاع أوكرانيا الطاحن لمدةٍ تُقارب الثماني سنوات، وليس هناك سبب قد يدفعهم للتوقف الآن”.
كتيبة المتطوعين
حالها حال الكثير من الجماعات، نشأت هذه الجماعة اليمينية عام 2013 للقتال ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا، وتضم هذه الحركة متطرفين قوميين، بالإضافة إلى أنصار اليمين المتطرف، وترتفع شعبيتها كما ينظر إليها على نطاق واسع على أنها “قوة مخلصة من المتطوعين الوطنيين الملتزمين بالحفاظ على وحدة أراضي البلاد”.
يعمل مقاتلو هذه الكتيبة في الخط الخلفي للجبهة، ويعتبرون كقوة احتياط رديفة، كما أنهم يعملون على تدريب جنود الاحتياط والمتطوعين في جميع أنحاء شرق أوكرانيا، وتجري الوحدة دورات تدريبية لمدة ثلاثة أشهر لما يصل إلى ألف شخص في السنة، ويُدرَّس التجنيد الأساسي والإسعافات الأولية القتالية، إلى جانب المهارات المتخصصة مثل مراقبة الطائرات دون طيار واكتساب الهدف.
في إطار التجهيز للحرب، تحاول كييف العمل على إثارة الشعب والمجموعات المقاتلة من أجل محاولة صد الغزو الروسي ما أمكن، لكنها في الوقت ذاته لا تريد لسمعتها أمام أوروبا أن تهتز نتيجة أفعال غير منضبطة ومتطرفة من هذه المجموعات المقاتلة، لكن الحرب أكبر من أي انضباط.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما سبق ذكره من جماعات إنما هي قاتلت في شرق أوكرانيا وفهمت الجغرافيا وطريقة القتال، وربما تكشف الأيام القادمة عن مجموعات أكثر في مناطق مختلفة، خاصة أن الحرب هذه المرة إذا حصلت لن تكون على قطعة محددة أو أرض معينة إنما على أوكرانيا كلها.