1

أبو خالد… صاحب أنغام الناي في بغداد القديمة

قضايا وناس بغدادمحمد الملحم26 فبراير 2022

بين حارات بغداد القديمة التي تتصل بشارع الرشيد وصولاً إلى شارع المتنبي ومشارف نهر دجلة المطل على جانب الرصافة من بغداد، يتجول أبو خالد مع حزمة من أعواد القصب العراقي الجنوبي التي حوّلها إلى ناي يبث عبره، على طول طريق تحصيل رزقه بين المارة، أنواعاً مختلفة من المعزوفات.
لم يعد وجود أبو خالد في شارع المتنبي ينحصر في نهار الجمعة، بل يمتد طوال أيام الأسبوع، على غرار شبان آخرين يعملون في مهن مختلفة يصفونها بأنها “أفضل من اكتساب صفة عاطل عن العمل”، في إشارة إلى العائدات البسيطة التي تدرها هذه المهن عليهم.
وخلال تجوله بين المارة، يروّج أبو خالد بضائع مصنوعات الناي بطرق مختلفة. ويقول لـ”العربي الجديد” إن “سماع صوت الناي يجذب الناس للشراء”، معتبراً أن سر رواج عمله “هو حب العراقيين للموسيقى، خاصة آلة الناي التي تعتبر موروثاً عراقياً يرتبط بالحزن والقصائد ومواويل الحب والفراق والموت”.المرأة

شغف المهنة يغلب على قيود المجتمع لدى مهندسات نفط عراقيات

ويخبر أنه تعلم العزف على الناي في معهد الفنون الجميلة، بعدما كان هاوياً له في صغره حين نما ذوقه الموسيقي من خلال سماعه الطرب العراقي القديم الذي أداه الفنان ناظم الغزالي وفرقة الإنشاد العراقية، والمطرب ياس خضر وسعدون جابر. ويقول: “أوجد دائماً في شارع المتنبي، وعلّمت الكثير من الشباب العاطلين عن العمل العزف على الناي وصنعه، ليكون مصدر رزق لهم وينتشلهم من البطالة، من دون أن أحتكر المهنة. نحن شعب نحب الموسيقى ولنا تاريخ موسيقي كبير، وقد تأثرت في بداية حياتي بالفنان سعدون جابر”.

باعث الأجواء المثالية في السوق والشارع  (العربي الجديد)
باعث الأجواء المثالية في السوق والشارع (العربي الجديد)

أيقونة الحارات القديمة
ويصف زوار لحارات بغداد القديمة، التي تغص بالمهن والحرف اليدوية وبيع وتنجيد الكتب وغيرها، أبو خالد بأنه “أيقونة داخل مناطقها وتحب الناس سماع موسيقاه حين تدخلها”.
وتحفل حارات ومناطق بغداد القديمة على ضفتي نهر دجلة بمهن شعبية وتراثية كثيرة، خاصة في مناطق وشوارع المتنبي والفضل والكفاح والميدان والرشيد والكرخ القديمة والشيخ معروف والشيخ عمر، إضافة إلى مدينتي الكاظمية والأعظمية شمالي بغداد.
وتتضمن المهن التي تعتمد على المهارات اليدوية الدباغة والتنجيد وإصلاح الكتب والملابس وصناعة الدفوف والأواني والأحجار الكريمة وسك المعادن مثل النحاس والفضة بأشكال مختلفة، وحدادة السكاكين والسيوف، وغيرها. وغالبية حرفيي هذه المناطق لا يعلّمون أسرار المهنة إلا لمن يعمل لحسابهم أو يدفع لهم، كما الحال في مهنة إصلاح الكتب العتيقة ومهنة دباغة الجلود، لكن أبو خالد علّم شباناً العزف على الناي وصنعه، مؤكداً أنه لا يشعر بأي ضيق أو منافسة لدى تجولهم معه في المنطقة ذاتها التي يبيع بضائعه فيها، بل يؤكد أن شعوره بالسعادة كبير كلما رأى أحدهم يقوم بعمل صحيح في حرفة يحصل منها على لقمة حلال، بدلاً من الذهاب إلى طرق أخرى تقضي على حياة الشبان.

جلب الخير لشبان كُثر (العربي الجديد)
جلب الخير لشبان كُثر (العربي الجديد)

عراقي أصيل
ويقول نصير أبو علي الذي يقصد شارع المتنبي لشراء كتب قديمة أو متابعة نشاطات ثقافية تجرى في الشارع كل يوم جمعة: “أبو خالد أكثر من بائع ناي، فهو يُعلّم الشباب ويُنمّي لديهم موهبة العزف أيضاً. وهو بالتالي ظاهرة إيجابية في المجتمع البغدادي، بعدما ساهم في خلق فرص عمل وتحويل حياة شبان كُثر إلى جوانب إيجابية ومشرقة، بدلاً من الانجرار خلف الأوهام أو اللهو، وجعلهم يمارسون عملاً ينفعهم ويعينهم على مواجهة الحياة، والفن رسالة سامية تنقي الروح وتهذبها، ومصدر قوة للمجتمع”.
يتابع: “بصراحة، عزف أبو خالد جميل، وينقلنا إلى أجواء مثالية في السوق والشارع وأي مكان يجلس يبيع فيه بضائعه. وأشدد على أهمية أخذه الشباب الى عالمه الخاص الذي يسود فيه الخير، ويعتبر أفضل من جرّهم إلى أماكن أخرى سيئة”.بيئة

“كري قسروكا”… حكاية قرية عراقية مطمورة أعادها الجفاف إلى فوق الأرض

ويقول محمد سلمان، رئيس “رابطة الفن الأصيل” في بغداد التي أسستها قبل سنوات مجموعة من الفنانين والناشطين البغداديين، لـ”العربي الجديد”: “أبو خالد فنان ضروري في هذا الوقت، وعمله لا يقتصر على صنع الناي وبيعه والعزف، فهو أيضاً شاعر بارع وعازف محترف للعود، وله مواقف نبيلة وكثيرة، منها تعليمه هواة العزف على الناي وأساليب صنعه. وتخرّج على يديه الكثير من الشبان عازفين أو صانعين للناي. وهذه مواقف يسجلها له التاريخ، ونحن نشهد أنه عراقي أصيل ينشر في العالم رسالة الحب والسلام، ويعرّف العالم علينا بأننا شعب نحب الحياة”.

https://youtube.com/watch?v=958KtpWqpww

التعليقات معطلة.