بطريركيّة المشرق الآشوريّة تعود الى أربيل وسط احتضان رسمي وشعبي
27-02-2022 | 05:40 المصدر: النهار العربيرستم محمود
من حفل تنصيب البطريرك الجديد لكنيسة المشرق الآشورية.
A+A-وسط “المربع الذهبي” في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وعلى مساحة 65 ألف متر مربع، وُضع الحجر الأساس لمقر البطريركية العالمية لكنيسة المشرق الآشورية، تقدمة تقديرية من حكومة الإقليم، بعد قرار مجلس كنائس المشرق الآشورية نقل الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية من الولايات المتحدة إلى مدينة أربيل. كان رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني قد طالب بنقل الكرسي البطريركي إلى مدينة أربيل منذ عام 2006، باعتبار أربيل وكامل الإقليم هي الأرض التاريخية لأبناء القومية الآشورية وكنيستهم العالمية، إلى جانب ما توفره حكومته من حريات دينية وسياسية لأبناء هذه القومية/الديانة. إذ للآشوريين كوتا برلمانية في البرلمان المحلي، ويحظون بوزارة في كل تشكيلة حكومية، إلى جانب المدارس العمومية والأهلية ذات الطابع القومي والديني الخاص بهم، ومديرية عامة خاصة بشؤونهم، ضمن ملاك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة الإقليم. مشروع المقر البطريركي المتوقع الانتهاء منه خلال أقل من عام، سيضم كنيسة كبرى إلى جانب العشرات من القاعات الثقافية والمعرفية والاجتماعية، بالإضافة إلى مكاتب خاصة لإدارة الأبرشيات والكنائس والإرساليات المرتبطة بالبطريركية، والمنتشرة في مختلف أنحاء العالم. كذلك ستشكل طابعاً جمالياً وروحياً مختلفاً للوسط التجاري غرب مدينة أربيل، حيث تتوزع مئات الأبراج السكنية ومراكز الأعمال، بحسب القائمين التنفيذيين على المشروع. تأسيس المقر البطريركي يأتي بعد أقل من خمسة أشهر على تنصيب مار آوا روئيل بطريركياً على رأس كنيسة المشرق الآشورية، خلفاً لمار كوركيس الثالث صليوا، ولأول مرة في إقليم كردستان العراق، وبحضور أغلب القيادات السياسية والدينية والاجتماعية في الإقليم. الحدث جاء بعد قرابة مئة عام من الانقطاع، إذ نُقل المقر البطريركي لهذه الكنيسة من العراق إلى الولايات المتحدة وبقي هناك منذ عام 1933.
الباحث والناشط الآشوري يوحنا استبرق شرح في حديث مع “النهار العربي” كيف أن عودة المقر والكرسي البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية تشكل قطيعة مع ماض سياسي دام، وخطوة في اتجاه تشجيع باقي الكنائس الآشورية والمسيحية عموماً على العودة والاستقرار في الجغرافيا التاريخية لأبناء هذه القوميات والأديان. وقال: “شكلت الحرب العالمية الأولى ضربة قاصمة للوجود المسيحي/الآشوري في المنطقة، فمثلما طالت الإبادة الكبرى أبناء القومية الأرمنية، فمجازر “سيفو” طالت الآشوريين في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا، طوال الأعوام 1915-1933، إذ كانت مجزرة سيميل الشهيرة التي نفذها الجيش بقيادة بكر صدقي عام 1933 بآشوريي العراق، بمثابة قطيعة جذرية، وعلى إثرها اتخذت كنيسة المشرق الآشورية قراراً بنقل المقر البطريركي إلى الولايات المتحدة”. يتابع استبرق: “لم تسمح سنوات الاستبداد المديدة، ومن بعدها ظروف الصراع العراقي الدامي، الذي استنزف الوجود الآشوري والمسيحي عموماً، بتنفيذ قرار عودة الكرسي الرسولي إلى العراق، الذي كان متخذاً منذ عام 2006. وتنفيذه راهناً يعني المصادقة على وجود بيئة مشرقة آمنة للمسيحيين، ومحاولة للحفاظ على من تبقى من مسيحيي المنطقة، وتشجيع باقي الكنائس على نقل مقارها ومراكزها إلى بيئاتها التاريخية”. تفيد إحصاءات غير رسمية بأن تعداد أتباع كنيسة المشرق الآشورية العالمية يقارب ستة ملايين شخص، يتوزعون بين العراق وسوريا وإيران وتركيا ولبنان ومختلف الدول الأوروبية والولايات المتحدة والهند. كانوا حتى قبل سنوات قليلة يُقدرون في العراق بنحو نصف مليون، وفي سوريا بقرابة ربع مليون، إلا أن تلك الأعداد تراجعت إلى أقل من الربع خلال السنوات الماضية، بالذات منذ هجوم تنظيم “داعش” الإرهابي على المناطق الآشورية في كل من سوريا والعراق، في مناطق الموصل وسهل الخابور.
الكاتبة والناشطة الحقوقية الكردية العراقية بيمان صالح شرحت لـ”النهار العربي” أهمية تحول إقليم كردستان مقراً عالمياً مركزياً لكنيسة المشرق الآشورية مجدداً، وتأثير ذلك في الحياة العامة في الإقليم، وعموم العراق. قالت: “لا يمكن تصنيف المسيحيين الآشوريين والكلدان في كردستان كأقليات قومية أو دينية، فهؤلاء كانوا العنصر التأسيسي لكامل تاريخ هذه المنطقة، منذ أنشأوا المدن والحواضر التاريخية فيها، مثل زاخو ونصيبين والرها، مروراً بقرون طويلة من التعايش المشترك، وحتى الحركات التحررية القومية، كانت كردية/آشورية مشتركة في مختلف محطاتها. لذلك فوجود المقر البطريركي في الإقليم، وبدعم من المؤسسات والأموال العامة لأبناء الإقليم، هو بمثابة البداهة التي كان يجب تنفيذها منذ سنوات كثيرة”. وتضيف: “يعرف العقل الثقافي والسياسي في إقليم كردستان أن المسيحيين الآشوريين هم احتياط ذهبي للقيم المدنية ومعايير التعايش ومنظومة حقوق الإنسان. فكامل تاريخهم السياسي والاجتماعي يثبت أن ما قدموه من مبادرات وأعمال وسلوكيات، كان ضمن ذلك السياق التاريخي، والشواهد التي على ذلك لا تُعدّ. وبذا فإن الحفاظ على كردستان كبيئة لاستقرار آشوريي العراق ومسيحييه، وغالباً مختلف مسيحيي المنطقة، إنما يدخل في إطار تنمية البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والحياتية في الإقليم، ويمنح مواطنيه ومؤسساته وتجربته قيمة مضافة في مختلف الاتجاهات، هذا غير الاعتراف بأن ذلك الأمر حق أولي وبديهي ومطلق لأبناء الإقليم من أبناء هذه الديانة”.