حرب أوكرانيا.. فضائح الغرب وبوتين والشبيحة في آن
ياسر الزعاترة الأحد، 06 مارس 2022 09:05
بعد أن ذكّرته بأنّ له ابنة؛ سألت المذيعة البريطانيّة وزير الخارجية الروسي (لافروف): “كيف تنام ليلا، وأنت تعلم أن القنابل الروسيّة تقتل الأطفال”.
ردّ بأن كل العمليات العسكريّة تؤدّي إلى خسائر في صفوف المدنيين، بجانب العسكريين، وأن الجيش الروسيِّ لديه “تعليمات صارمة” بتجنّب إصابة المدنيّين.
ردّت عليه بأن مئات المدنيّين لقوا حتفهم رغم ذلك، وسألته كيف سيدافع عن نفسه أمام محكمة الجنايات الدوليّة، فلم يجد بدّا من القول إن روسيا ليست هي من اخترع “تعبير الأضرار الجانبيّة في الحرب”، بل الغربيّون “خلال مغامرتهم في العراق”، وقبله كثير. ثم سألها عمّا إذا كانت قد استخدمت “أسلوب الشحن العاطفي” في تلك الحالات!
وجه آخر للصورة:
قالت صحيفة “الغارديان” البريطانيّة، إن القوات الروسيّة لجأت في بلدتي “شاستيا” و”فولنوفاكيا” الأوكرانيّتين إلى سياسة “الأرض المحروقة” التي استخدمتها في مدينة حلب شمالي سوريا عام 2016 (تذكير بمجزرة حلب!). ونقلت عن نائب محلّي في “فولنوفاكيا”، قوله إن “الهجوم لا يزال شديدا لدرجة أن الجثث لم تُجمع بعد”.
لم تتوقف المقارنات بطبيعة الحال، فاستعادة السجل الغربي في استهداف أمّتنا، كانت سمة بارزة في وسائل الإعلام العربيّة (وبعض الغربيّة المنصفة) بجانب مواقع التواصل، مع كثير من أحرار العالم، بما في ذلك التناقض السافر في الخطاب المتعلق بأوكرانيا، مقابل ما جرى ويجري في فلسطين (عقوبات مرعبة خلال أيام، بدعوى تجاوز القانون الدولي والاعتداء على دولة ذات سيادة، مقابل لا شيء ضد كيان الاحتلال طوال سبعة عقود)، فيما جاء ردّ الطرف الغربيّ من خلال التذكير بمجازر بوتين في سوريا وقبلها “الشيشان”.
فضيحة التناقض الكبرى التي تورّط فيها الغرب، فتمثّلت في تبنّيه لفكرة أن يتطوّع مواطنون أوروبيّون للقتال في أوكرانيا ضد الغزو الروسي، فيما اعتبر هو ذاته أن الشبان العرب والمسلمين الذين تطوّعوا لقتال الغزو الأمريكي للعراق إرهابيّون
لم يكن دمنا ذا قيمة في السياق؛ لا في العراق ولا في سوريا، ولا في فلسطين، وهذا الغرب الذي يبكي اليوم دماء الأوكرانيّين، لم يتوقف عند التناقضات السافرة المُشار إليها، بل أضاف إليها عنصرية وقحة حيال البشر الفارّين من الحرب، حين ذكّرت وسائل إعلامه وبعض ساسته بلون أولئك الفارّين (بشرة بيضاء وعيون زرقاء!)، ولا تسأل بعد ذلك عن سياسات رسميّة في التفريق بين الفارّين، بحسب اللون.
أما فضيحة التناقض الكبرى التي تورّط فيها الغرب، فتمثّلت في تبنّيه لفكرة أن يتطوّع مواطنون أوروبيّون للقتال في أوكرانيا ضد الغزو الروسي، فيما اعتبر هو ذاته أن الشبان العرب والمسلمين الذين تطوّعوا لقتال الغزو الأمريكي للعراق إرهابيّون، وكذلك من تطوّعوا للقتال بجانب الشعب السوري في مواجهته مع طاغية متوحّش، وتبعا له غزو إيراني وروسي، مع أن بعضهم لم يكن جزءا من جماعات تُصنّف إرهابية.
تناقضات تفضح تلك القوى التي تدوس الإنسانية تحت أقدامها لأجل تحقيق مصالحها، وتستخدم كل أشكال الكذب والتزوير كي تصل مبتغاها، ولنا أن نتذكّر هنا أسطورة أسلحة الدمار الشامل التي اخترعها بوش وبلير لتبرير غزو العراق. ثم نتذكّر تبرير بوتين لحرق المدن السوريّة، عبر القول إن نظاما “شرعيا” قد استدعاه لتنفيذ المهمة!!
لا نتحدث في هذا الجانب؛ فقط كي نكشف تناقض الغرب وحسب، أو المنطق “البوتيني” الساقط، فهذه قوىً لا تعرف للإنسانيّة أيّ معنى حين يتعلق الأمر بمصالحها، بل أيضا كي نشير إلى جانب من فضائل هذه الحرب التي صنّفناها منذ البداية ضمن إطار “المدافعة” البشرية (وفق التعبير القرآني)، والتي جعلها الله فضلا منه على العالمين.
يحيلنا هذا إلى فضائح أدعياء “الممانعة” الذين رقصوا وما زالوا يرقصون في حرب بوتين، إن كانوا من المؤدلجين الذين يتحدّثون عنه كأنّه “لينين العصر”، فيما هو كائن إمبريالي يريد استعادة “روسيا القيصيريّة”؛ وبروحيّة دينيّة أرثوذكسيّة، أم كانوا من أتباع إيران الذي يعملون في سلك الدعاية البوتينيّة، رغم أن “مرشدهم” الأعلى حاول تبني الحياد، عبر معارضة الحرب. وفي الحالتين نحن أمام موقف يتعلق بمساعدة الطاغية الروسي لطاغية سوريا في البقاء، مع أن بقاءه كان خيار القوى الكبرى جميعا، بما فيها أمريكا، وبتوجيه من الكيان الصهيوني الذي أراد سوريا “ثقبا أسود” يستنزف الجميع؛ من دون إسقاط النظام.
هي إذن حرب مفيدة؛ أيّا تكن نتائجها، ليس لأنّها محطة لتكريس موازين قوىً دوليّة جديدة، وتعدّديّة قطبيّة تفيد المستضعفين إذا أحسنوا استثمارها، بل أيضا لأنّها فضحت تناقضات القوى (وتابعها الصهيوني) وجرائمها ضدنا كأمّة، بجانب عنصريّتها ضدنا وضد غيرنا أيضا.