1

“مناورة أم انسحاب”… ماذا تمثل مبادرة الصدر لحلفاء طهران في العراق؟

تدور نقاشات حول إمكانية “الإطار التنسيقي” صناعة تفاهمات تمكّنهم من تشكيل الحكومة المقبلة

أحمد السهيل مراسل

السبت 2 أبريل 2022  

عراقيون يتبضعون قبيل حلول شهر رمضان في أحد أسواق الموصل، الخميس 31 مارس الماضي (رويترز)

مع دخول اليوم الأول من شهر رمضان، تدخل مبادرة زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر إلى “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” حيّز التنفيذ، إذ يبدو أن محاولات “الإطار” إجبار الصدر على العودة إلى تفاهمات “البيت الشيعي” من خلال “الثلث المعطل”، زادت تعقيد المشهد السياسي في العراق.
وأعلن الصدر في 31 مارس (آذار)، الانسحاب لمدة 40 يوماً وإعطاء الفرصة لقوى “الإطار التنسيقي” لتشكيل الحكومة. وأتت تلك الخطوة بعدما تمكنت قوى “الإطار” الممثل الأكبر للميليشيات الموالية لإيران، تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، الأمر الذي دفع زعيم التيار الصدري إلى إصدار بيان أكد فيه رفض العودة إلى التوافق مع تلك الأطراف.

مهلة الصدر

ومثلت مهلة الصدر تلك، مفاجأةً مدوية في الأوساط السياسية، حيث قال في تغريدة على “تويتر” إن “نعمة أنعمها الله عليّ أن مكنني أن أكون ومَن معي الكتلة الفائزة الأكبر في الانتخابات، بل فوز لم يسبق له مثيل. ثم جعلنا الكتلة أو التحالف الشيعي الأكبر. ثم منّ عليَّ بأن أكون أول مَن ينجح بتشكيل الكتلة الأكبر وطنياً (إنقاذ الوطن) وترشيح رئيس وزراء مقبول من الجميع. ولن أستغني عن ذلك”. وتابع الصدر، “فأزعجت تلك التحالفات الكثير فعرقلوا وما زالوا يعرقلون”. وأضاف، “ولكي لا يبقى العراق بلا حكومة فتتردى الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية وغيرها، ها أنا ذا أعطي الثلث المعطل فرصة للتفاوض مع جميع الكتل بلا استثناء لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من دون الكتلة الصدرية، من أول يوم في شهر رضمان المبارك وإلى التاسع من شهر شوال المعظم. وإلى ذلك اليوم أسألكم الدعاء وقبول الطاعات”.
وختم تغريدته بتوجيه إلى “الكتلة الصدرية” بـ “عدم التدخل بذلك لا إيجاباً ولا سلباً”، مردفاً، “بذلك فقد أبرأت ذمتي أمام الجميع”.

نتائج اجتماع الإطار التنسيقي

ومنذ إطلاق المبادرة، باتت النقاشات السياسية في البلاد تدور حول مدى إمكانية زعماء “الإطار التنسيقي” من صناعة تفاهمات تمكّنهم من تشكيل الحكومة المقبلة بمعزل عن الصدر، وهو الأمر الذي لا تبدو بوادره متوافرة حتى الآن. ويبدو أن خطوة الصدر أحرجت الأطراف الموالية لإيران، ودفعتهم إلى تقديم مبادرة في المقابل تتضمن دعوة “الكتلة الصدرية” إلى التوافق والعودة إلى “الإطار التنسيقي”، وتأكيدهم عدم اعتزام التخلي عن التيار الصدري كأحد أبرز الأجنحة السياسية الشيعية.
واجتمعت أطراف “الإطار التنسيقي”، إثر مبادرة الصدر، في منزل زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، الجمعة 1 أبريل (نيسان)، وأصدرت قرارات أبرزها وضع آليات لاختيار رئيس الوزراء المقبل.
ولم تخرج مبادرة الإطار التنسيقي من مساحة الدعوة إلى التوافق مجدداً بدعوى “ضمان حق المكوّن واكتمال الاستحقاق الوطني للمكونات الأخرى بالرئاسات الثلاث”.
وأشار “الإطار التنسيقي” في بيان عقب الاجتماع، إلى “التزامه بالمدد الدستورية وتسجيل الكتلة الأكثر عدداً من الطرفين لضمان حق المكوّن واكتمال الاستحقاق الوطني للمكونات الأخرى بالرئاسات الثلاث، ضمن رؤية موحّدة يشترك فيها الإطار والمتحالفون معه والكتلة الصدرية والمتحالفون معها”. وأضاف البيان، “بعد إعلان الكتلة الاكثر عدداً، يتم الاتفاق على المرشح لمنصب رئيس الوزراء وفق الشروط والمعايير المطلوبة كالكفاءة والنزاهة والاستقلالية ويكون ذلك عبر لجنة مشتركة من الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية”، مردفاً “بعدها يتم الاتفاق على البرنامج الحكومي ضمن سقف زمني محدد يتم الاتفاق عليه ويشترك في ادارة تنفيذه مَن يرغب من الكتل الفائزة التي تلتزم بالبرنامج”.

ماذا يريد التيار الصدري؟

ويستبعد مراقبون أن تحظى مبادرة “الإطار التنسيقي” بقبول من “التيار الصدري”، خصوصاً مع وصول منسوب الخلافات إلى أعلى مستوى له منذ سنوات.

وخلال الفترة المقبلة، على قوى الإطار التنسيقي أن تجرب حظها في تشكيل حكومة أغلبية، مقابل أن تكون الكتلة الصدرية في المعارضة البرلمانية، وهو الأمر الذي تدرك القوى الموالية لإيران مخاطره، خصوصاً مع امتلاك الصدر الكتلة البرلمانية الأكبر، فضلاً عن قواعده الشعبية التي لطالما مثلت مساحة للضغط على الخصوم السياسيين للتيار الصدري.

ولتحقيق ذلك، على “الإطار التنسيقي” الخوض في مفاوضات موسعة مع أطراف تحالف “إنقاذ وطن” لإقناع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني، وتحالف “السيادة” بزعامة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر بالدخول ضمن تحالفهم والتوجه إلى انتخاب رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي يبدو معقداً خصوصاً مع وصول تفاهمات التيار الصدري مع الطرفين المذكورين إلى مراحل متقدمة.
ويشير رئيس مركز “كلواذا” للدراسات، باسل حسين، إلى عدة أبعاد تحملها مبادرة الصدر الأخيرة، من بينها أنها مثلت “رسالة تحدٍ للإطار التنسيقي وما إذا كان قادراً على تشكيل الحكومة المقبلة”، مبيناً أن تلك المبادرة وضعت قوى الإطار التنسيقي “في زاوية حرجة أمام جمهوره والرأي العام العراقي”. وأضاف حسين أن من بين الأبعاد الأخرى لمبادرة الصدر، توجيه رسالة إلى الرأي العام العراقي مفادها “أن الصدر ماضٍ في مشروع الأغلبية الوطنية، ولا عودة للتوافق مع الإطار التنسيقي مرة أخرى”.
ويبدو أن ما يعقّد مهمة “الإطار التنسيقي”، بحسب حسين، هي صعوبة صناعة تفاهمات مع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة”، لافتاً إلى أن الكتلتين “لن تجازفا بترك الصدر لوحده والتحالف مع الإطار التنسيقي مهما كان منسوب المغريات أو التهديدات”. وختم حسين  بالقول إن مبادرة الصدر “هدمت إمكانية العودة إلى التوافق مرة أخرى، وأكدت على المضي قدماً بفكرة الأغلبية الوطنية”.

اختبار لتماسك تحالف “انقاذ وطن”

وعلى الرغم من فسح الصدر المجال أمام “الإطار التنسيقي” لتشكيل الحكومة المقبلة، ما زال أعضاء في “الإطار” يتحدثون عن أن الحكومة المقبلة لا يمكن أن تتشكل إلا بجناحَي الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية، في محاولة لجرّ التيار الصدري إلى تفاهمات “البيت الشيعي” من جديد.
وستثمل فترة الأربعين يوماً التي أعطاها الصدر لقوى “الإطار التنسيقي” اختباراً حقيقياً لمدى تماسك تحالف “انقاذ وطن”.
وعبّر رئيس “مركز التفكير السياسي”، إحسان الشمري، عن اعتقاده أن الصدر “أدرك أن الثلث المعطل أصبح مانعاً أمام عملية تحقيق مشروع الأغلبية، وهو الأمر الذي دفعه إلى النأي بنفسه عن موضوع التعطيل ورمي الكرة في ملعب الإطار التنسيقي، خصوصاً بظل الاستياء الشعبي من تأخر تشكيل الحكومة”. وأضاف الشمري أن مبادرة الصدر تحمل مسارين، يتعلق الأول بـ “محاولة إحراج أطراف الإطار التنسيقي أمام الرأي العام العراقي مع صعوبة إمكانية حصوله على أغلبية برلمانية، أما المسار الثاني فيتضمن اختباراً من الصدر لحلفائه، خصوصاً مع الحديث عن تواصل بين أطراف من التحالف الثلاثي مع جهات في الإطار التنسيقي”.

ولعل التساؤل الأبرز يتعلق بإمكانية استمرار حكومة بمعزل عن وجود التيار الصدري كطرف رئيس فيها. ولفت الشمري إلى أن “أطراف الإطار التنسيقي تدرك مخاطر تلك الخطوة، وهو ما يعقد حركتها في الفترة المقبلة”.

إعادة ترتيب الأحجام البرلمانية

في السياق، قال أستاذ العلوم السياسية، هيثم الهيتي، إن الغاية الرئيسة لمبادرة الصدر تتمثل بـ” محاولة إظهار الإطار التنسيقي على أنه كيان سياسي معزول وغير قادر على تشكيل تحالفات برلمانية توصله إلى الأغلبية”. وأضاف الهيتي، أن “خطوات الإطار التنسيقي خلال الفترة الماضية، لاسيما تعطيل لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية لم تكن سوى مناورة للحصول على حصة في حراك تشكيل الحكومة”، مبيناً أن “هذا الأمر بدا جلياً عندما أطلق الصدر مبادرته، فسرعان ما طالبت أطراف الإطار التنسيقي بضرورة دخول الكتلة الصدرية ضمن تحالفهم”. وختم قائلاً إن خطوة الصدر الأخيرة “أعادت ترتيب أحجام الكتل البرلمانية بعدما غطت عليها الخلافات السياسية خلال الفترة الماضية”.

التعليقات معطلة.