2

“المتلازمة العراقية” حكومات ولا حكومة

آراءعبد اللطيف السعدون

13 ابريل 2022

كاريكاتير حكومة العراق / البحادي

+الخط

في العراق أكثر من حكومة، ولكلّ واحدة سياساتها وبرامج عملها وميزانياتها واستقلاليتها، وكل منها تسلك الطريق الذي تريده. هذا ليس مزحة ماكرة، إنه واقع ماثل أمام عيون من يتابعون أوضاع العراق وما يجري فيه. وبحساب هذا الواقع، من الطبيعي أن نرى مفارقات ومتناقضات كثيرة، وكذلك الأعراض والعلامات المرضية التي يصحّ أن يُطلق عليها صفة “المتلازمة العراقية” التي عرفناها في العقدين الماضيين، وهي تستدعي إمعان النظر والتأمل في ما آل إليه الحال بعد الاحتلال الأميركي للبلاد الذي أوجد وضعا هجينا، من الصعب مقاربته في مقالة عابرة قد يفوتها الكثير.

أولى هذه الحكومات هي حكومة “تصريف الأعمال” التي يرأسها مصطفى الكاظمي التي جاءت نتيجة توافق أطراف “العملية السياسية” على قيامها، كي تتولى مهمة إجراء انتخابات نيابية مبكّرة استجابة، كما قيل، لمطلب رفعه ثوار تشرين. وإذ أنهت حكومة الكاظمي مهمتها على النحو الذي انتهت إليه، فقد أصبح دستورياً تخليها عن السلطة لصالح حكومة جديدة تنبثق عن الانتخابات، إلّا أنّ التجاذبات السياسية والانقسامات داخل الطبقة الحاكمة فرضت بقاءها إلى حين.

التجاذبات السياسية والانقسامات داخل الطبقة الحاكمة فرضت بقاء حكومة مصطفى الكاظمي إلى حين

عمّرت حكومة الكاظمي سنتين، وربما تعمّر أكثر، إلّا أنّها لم تقدّم منجزاً واحداً يُحسب لها، باستثناء الانتخابات البرلمانية التي قاطعتها شرائح واسعة من العراقيين، وتعرّضت للنقد على نحو واسع، بسبب مما شابها من قصور. كما أنّ جرد أفعال الحكومة على أكثر من صعيد في السنتين الماضيتين يوحي أنها فشلت في أداء المهمات التي تصوّر بعض حِسني الظن أنها يمكن أن تقوم بها، ولكن العكس هو ما حصل، فقد تحدّث رئيسها أكثر من مرة عن مشروعه لإعادة هيبة الدولة، ووضع السلاح في يدها، ولكن ذلك بقي مجرّد فكرة على الورق، فما زالت المليشيات المسلحة تطوف البلاد شرقا وغربا. كما تحدّث عن إجراءاتٍ لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ولكن ذلك كان أشبه بهواء في شبك، فما زال الفساد ضاربا أطنابه في كل مرافق الدولة والمجتمع، وما زال الحيتان الكبار يصولون ويجولون وينهبون. وتحدّث رئيس الحكومة أيضاً عن نيته محاسبة قتلة أكثر من سبعمائة من ثوار تشرين، لكن هذه النية لم تُترجم إلى فعل، وظل القضاء عاجزاً عن مقاضاة أحد منهم. وفي مجال الاقتصاد، أصدرت الحكومة ما سمتها “الورقة البيضاء” لمعالجة السياسات الخاطئة وسوء الإدارة وغياب التخطيط، لكنّ هذه “الورقة” تآكلت بمرور الزمن، ولم يبق لها أثر يذكر.

ودعك من غياب الأمن، وتفاقم الجريمة المنظّمة، وانتشار تجارة المخدّرات على نطاق واسع، وظواهر أخرى تؤكّد الفشل في إدارة شؤون البلاد، وعدم القدرة حتى على تخفيف معاناة الناس اليومية وخفض جرعة الإحباط لديهم.

ثانية هذه الحكومات تستحقّ تسمية “حكومة الأمر الواقع”، بحكم سيطرتها الميدانية على مؤسسات الدولة ومرافق المجتمع، مستمدّة قوتها من ارتباطاتها الخارجية، ومن امتلاكها السلاح بمختلف أنواعه، حتى الثقيل منه، وتضم مليشيات ومافيات وأحزابا وشخصيات نافذة تتبادل الامتيازات والمنافع على نحوٍ يجعل منها “قوة قاهرة”، لا ينجو من سطوتها أحد، وهي التي زرعت الفوضى والخراب والفساد في كلّ أرجاء الوطن من دون أن يستطيع أحدٌ كفّ يدها أو التخفيف من شرورها وجرائمها، وسلطاتها مستمدّة من حكومة “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” التي تحدّد مسارها وتعدّها من منظومات أمنها القومي!

تحولت دولة العراق إلى غابة تضم من المفارقات والتناقضات الكثير

و”ثالثة الأثافي” حكومة إقليم كردستان التي أعطتها التشريعات النافذة موقعاً دستورياً وحقوقياً، إلّا أنّها تخطت ما هو مرسوم لها، لتتحوّل إلى “دولة مستقلة” تستحوذ على 17% من الميزانية العامة، وتطالب دوماً بأكثر من ذلك وتحصل عليه. وتمتلك جيشاً خاصاً (البيشمركة) له قيادته الخاصة، ولا يخضع للقائد العام للقوات المسلحة، وتتعامل في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دول العالم باستقلالية كاملة عن المركز، وحتى من دون إطار قانوني، وتصدّر النفط المستخرج من آبار الشمال، بموجب اتفاقات غير شفافة وتستحوذ على عائداته.

وثمّة حكومات أخرى في هذه المحافظة أو تلك، تمارس سلطاتٍ موزّعة بين عشائر ومليشيات ومافيات وعصابات جريمة منظمة. .. وفي ظلّ هذا كله، تحولت دولة العراق إلى غابة تضم من المفارقات والتناقضات الكثير، وقد لا يمكنها أن تتجاوز واقعها الماثل، قبل أن تتخلّص تماما من هذه “المتلازمة” المرضية المستوطنة وشرورها.

التعليقات معطلة.