تلوث مياه نهر البتيرة يتحول إلـى كارثة بيئية فـي ميسان
ميسان/ مهدي الساعدي
يجتمع ابناء ناحية السلام، احدى نواحي قضاء الميمونة الواقعة غرب مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، كل يوم تقريبا لاتخاذ خطوات تصعيدية من اجل تلبية مطالبهم من قبل الحكومة المحلية في المحافظة والتي تروم فيها تغيير مجرى مياه الصرف الصحي التي تصب في نهر البتيرة.
تلوث مياه نهر البتيرة أصبح الحالة المؤرقة لأبناء قضاء الميمونة والنواحي والقرى التابعة لها ادارياً؛ بسبب حجم المعاناة الكبيرة التي ظهرت على ساكني تلك المناطق.
وأفاد أحد اعضاء مجلس المحافظة السابق، فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث إلى (المدى)، بأن “محطات تصفية مياه الصرف الصحي لغرب مدينة العمارة تقع على نهر البتيرة المار بقضاء الميمونة وناحية السلام والقرى التابعة لهما”.
وأضاف، أن “تلك المحطات تلقي مياه الصرف الصحي بعد ترشيحها وتصفيتها واعادة تدويرها بواسطة وحدات خاصة بمعالجة المياه الثقيلة الى مياه النهر منذ ما يقارب العشر سنوات”.
وأشار، إلى أن “ذلك يحصل على الرغم من اعتراض مجموعة من اعضاء مجلس المحافظة السابق على القاء المياه في النهر”.
التوسع العمراني الذي طرأ على احياء مدينة العمارة الغربية زاد من كميات مياه الصرف الصحي وبقاء وحدات المعالجة نفسها دون تطوير خصوصا وهي مجزأة الى عدة وحدات لفصل مكونات الصرف الصحي عن المياه.
وأدى ذلك الى عدم مقدرة استيعاب المحطة لتلك المياه وعبور كميات كبيرة جدا من المياه الآسنة والثقيلة واختلاطها بمياه النهر.
وقد تفاقمت الأزمة بانخفاض مناسيب المياه بسبب الشحة المائية التي تواجهها المحافظات والمدن الجنوبية على وجه التحديد لتكون مياه نهر البتيرة ملوثة بشكل كبير واصبحت غير صالحة للاستخدام وفق تقارير وتصريحات الجهات المختصة.
ويقول قائممقام قضاء الميمونة صبري هاشم لـ(المدى)، إن “وحدة معالجة مياه الصرف الصحي تسببت بتلوث مياه نهر البتيرة، الذي يعاني من قلة الاطلاقات المائية وهذه ظروف قد فاقمت الأزمة”.
وأدى تلوث مياه النهر الى ظهور اصابات مرضية مختلفة تنوعت بين الجلدية والمعوية تزايدت على مر السنوات الأخيرة.
ويؤكد هاشم، أن “تلوث المياه تسبب بظهور العديد من حالات الاصابة بالأمراض الجلدية والمعوية بين ابناء القضاء والنواحي والقرى المجاورة”، لافتاً إلى “مناشدات أطلقناها إلى الحكومة الاتحادية والمحلية لتدارك الوضع”. وأظهر جدول صادر من وحدة الامراض الانتقالية في مركز الميمونة الصحي بتاريخ (14 / 1/ 2019)، واطلعت عليه (المدى)، “اصابة 162 شخصا بالجرب و30 آخرين بالتهاب الكبد الفايروسي لعام 2018 فقط”. فيما أظهرت وثيقة صادرة عن قسم الاحصاء في مستشفى الميمونة في شهر حزيران من عام 2021 ازدياد الحالات المرضية بسبب تلوث المياه وجاء في الوثيقة التي اطلعت عليها (المدى)، أن “حالات الاسهال كانت خلال السنوات الثلاثة الاخيرة 3700 حالة اما الاصابات بحمى التايفوئيد والذي يكون التلوث سبباً اساسياً في الاصابة به فقد بلغت 745 حالة للسنوات الثلاثة الاخيرة بينما كانت اعداد الاصابة بالتهاب الكبد الفيروسي وهو من الامراض الخطيرة 821 حالة موزعة على مدى الاعوام الثلاثة الاخيرة”.
وسارعت الجهات المعنية في البيئة بدق جرس الانذار لما يحدث من تلوث مياه النهر وتهديد حياة ساكني القضاء والمناطق المجاورة له حيث بينت وثيقة صادرة من مديرية بيئة ميسان بتاريخ (9/ 8/ 2018) موجهة الى المجلس المحلي لقضاء الميمونة تتناول نتائج فحوصات محطة معالجة مجاري البتيرة جاء فيها “نتائج الفحوصات الكيمياوية لمحطة معالجة مجاري البتيرة قضاء العمارة ولشهر آب 2018 والتي تم فحصها في مختبر مديريتنا حيث لوحظ ارتفاع تركيز الفوسفات والكلوريدات والنحاس عن المحددات الطبيعية”.
من جانبه، ذكر مدير بيئة ميسان باسم محمد في تصريح اعلامي اطلعت عليه (المدى) مطلع شهر نيسان الجاري ان “الكشف البيئي الفني لمحطة معالجة البتيرة بين ان المحطة متوقفة عن العمل ويتم تصريف المخلفات السائلة للنهر مباشرة من دون معالجة”.
وأضاف محمد، أن “انذاراً تم توجيهه بضرورة ازالة المخالفة خلال عشرة ايام من تاريخ التبليغ وفقا لأحكام قانون حماية وتحسين البيئة رقم (٢٧) لسنة ٢٠٠٩ والتعليمات الصادرة من وزارة البيئة لضمان سلامة وصحة المواطنين وبخلافه ستتخذ كافة الاجراءات القانونية بحقها”.
وأشار، إلى أن “الانذار اتخذ وفقا للصلاحيات المخولة لنا ووفق قانون حماية وتحسين البيئة رقم (٢٧) لسنة ٢٠٠٩”.
وشكلت محافظة ميسان لجنة لمتابعة محطة الصرف الصحي وما تسببت به في القضاء والمناطق المجاورة له وتقديم التوصيات.
ويقول قائممقام قضاء الميمونة لـ (المدى)، إن “محافظة ميسان شكلت لجنة لدراسة الموضوع وتقديم الرأي والمقترحات وبموجب الضوابط والتعليمات وكنا أحد اعضائها وخرجنا بعدة توصيات اهمها تغيير مجرى المحطة وتحويلها بعيدا عن النهر وزيادة الاطلاقات المائية”.
كما بينت مديرية بيئة المحافظة في بيان اصدرته مطلع شهر نيسان الجاري واطلعت عليه (المدى)، أن “محافظة ميسان شكلت لجنة لمتابعة تصريف المياه الثقيلة برئاسة نائب المحافظ وعضوية مدراء الدوائر والجهات المعنية ومنها مديرية البيئة حيث بحثت تلك اللجنة اجراءات تحويل مسار هذه المياه الى مناطق بديلة وهذا البحث مدار الدراسة”.
لم تكن تحركات الحكومة المحلية مرضية لأبناء القضاء والناحية بسبب الظروف التي يعيشونها مع تلوث المياه، مما ادى الى انطلاق احتجاجات واعتصامات كان اولها في ناحية السلام وقطعهم الطريق الرابط بين محافظتي ميسان وذي قار واعلانهم الاعتصام لحين تحقيق مطالبهم القاضية بتغيير مسرى مياه الصرف الصحي وزيادة الاطلاقات المائية ليقوم بعدها ابناء قضاء الميمونة بالتوجه نحو محطة الصرف واغلاقها والاعتصام امامها.
وذكر أحد اهالي القضاء، طلب عدم كشف اسمه، في حديث إلى (المدى)، أن “كل الطرق سلكناها ومارسنا جميع الضغوط ولم نصل الى نتيجة”.
وأضاف، أن “أبناء القضاء مازالوا يعانون من الوضع الكارثي ولم يتبق من الحلول سوى تصعيد الموقف”.
وأشار، إلى “الاتفاق بعد مشاورة ممثلي اهالي القضاء على تشكيل تجمع من ابناء واهالي القضاء والتوجه نحو وحدة معالجة مياه الصرف الصحي واغلاقها بالقوة”.
وزار عدد من نواب محافظة ميسان قضاء الميمونة وناحية السلام ابان موجة الاحتجاجات والاعتصامات.
وبحسب وثيقة من النائب اسامة البدري الصادرة في شهر نيسان من العام الجاري موجهة الى رئيس الوزراء واطلعت عليها (المدى)، أن “اهالي ميسان يتعرضون الى كارثة بيئية خطيرة نتيجة لانقطاع الحصة المائية وتحويل مياه الصرف الصحي لمركز مدينة العمارة الى مجرى نهر البتيرة الذي يصب في النهر المؤدي الى قضاء الميمونة وناحية السلام الامر الذي ادى الى زيادة الملوثات في الماء بدرجة كبيرة”.
لم يكن تأثير مياه النهر الملوثة بمياه الصرف الصحي منحصراً بمواطني القضاء والناحية والقرى والمناطق المجاورة لها حسب بل تعداها الى التأثير على الحيوانات والماشية وأدى الى نفوق العشرات منها.
ويقول ابو حسين أحد ابناء ناحية السلام، إن “المنطقة شهدت نفوق وموت العشرات من الابقار والاغنام بسبب شربها من الماء الملوث بمخلفات المجاري مما اضطر مربي الماشية الى شراء المياه المفلترة والمعقمة لري ماشيتهم والحفاظ عليها من الهلاك”.
ورصد مكتب مفوضية حقوق الانسان في المحافظة ما يجري في قضاء الميمونة وناحية السلام وتعرض المواطنين فيها الى خطر يهدد حياتهم بعد ان فقدوا سبل العيش في بيئة سليمة ونظيفة ما يعد حقا من حقوقهم الدستورية.
واكد مصدر في المكتب الإعلامي لمفوضية حقوق الانسان في تصريح إلى (المدى)، أن “تلوث مياه نهر البتيرة أدى إلى إصابة عدد من المواطنين وخاصة الأطفال بالتسمم والامراض الجلدية ومنها (الجرب)”.
ونوه، إلى “اتخاذ إجراءات آنية وعاجلة إلا أن هذا الأمر مؤقت وغير كاف”، داعياً إلى “معالجة حقيقية بتحويل الأنبوب الناقل لمياه المجاري الثقيلة غير المعالجة إلى مكان آخر بعيد عن جريان نهر البتيرة المغذي للمناطق والاستمرار في زيادة الاطلاقات المائية”.
ومضى، إلى “تشكيل لجان لهذا الغرض تضم ممثلي عدد من الدوائر المعنية في المحافظة لإيجاد الحلول والمعالجات”.