عبدالله الأيوبي
سلاح «الديمقراطية» الغربية يدمر الشعوب
تقدم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الحليفة لها، نفسها على أنها المصباح الذي لا يخفت نوره «لإرشاد» الشعوب في جميع دول العالم، إلى الطريق «السليم» و«الصحيح» الذي يجب عليها أن تسلكه إن هي أرادت «علو» شأنها و«الارتقاء» بمستوى حياتها إلى «البحبوحة» الأوروبية والأمريكية، فهذه الدول تقدم نماذجها السياسية على أنها وصفة صالحة لجميع شعوب العالم، في كل زمان ومكان، ولأن وراء هذا العمل تقف أهداف خبيثة وخسيسة، فإن المبادئ التي تحتكم إليها الأنظمة السياسية لهذه الدول لا تقدم على أنها وصفة اختيارية للدول الأخرى، وإنما هي في الواقع أسلحة تستخدمها هذه الدول لتحقيق تلك المآرب التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من جوهر النظام الرأسمالي القائم على الاستغلال والنهب والسيطرة على خيرات الشعوب الأخرى.
لم يتوقف سعي هذه الدول عن ممارسة الاستغلال الذي لازم سياستها منذ صعود نجمها الرأسمالي مع التحولات الصناعية الكبرى وما حققته من إنجازات على الصعد المختلفة، العلمية منها والاقتصادية بالدرجة الأولى، وارتباط حاجتها إلى المواد الخام للرفع من وتيرة الإنتاج والتصنيع فانفتحت شهيتها للتوسع الاستعماري واستغلال ثروات الشعوب الأخرى في مختلف القارات وتجلت صور ذلك من خلال انتشار مستعمراتها في هذه القارات على مدى قرون عدة، واستمر الاستغلال المباشر لثروات العديد من الشعوب حتى بداية القرن العشرين حين بدأ الاستعمار المباشر يلملم أوراقه ويغادر البلد تلو الآخر، ورغم ذلك احتفظت هذه الدول بأسلحة أخرى في جعبتها تسلطها على رقاب الشعوب وقت ما اقتضت حاجتها ذلك.
بعد أن أجبرت هذه الدول على التخلي عن سلاح الاستعمار المباشر للشعوب ونهب ثرواتها الطبيعية واستغلالها، لم تتخل هذه الدول عن نهجها الاستعماري واللجوء إلى أسلحة أخرى من أجل ديمومة سيطرتها وإخضاع الشعوب والحكومات الأخرى لإرادتها، فكانت من بين أسلحتها التي مازالت قيد الاستخدام، فرض العقوبات الاقتصادية، استنادا إلى هيمنتها على عجلة الاقتصاد العالمي حتى الآن، إلى جانب لجوئها إلى مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية واستخدامها كأسلحة تشهرها في وجه الدول التي تسعى للخروج عن الركب الغربي والأمريكي وتسعى للاستقلال السيادي القائم على احترام حقها في بناء دولها وفقا لمصالحها وخصوصياتها الاجتماعية والسياسية.
لا أحد ينكر النجاح الكبير والنوعي الذي حققته هذه الدول في تقدمها التشريعي والذي بدوره أسهم وعزز من مشاركة مواطني هذه الدول في صناعة القرار الوطني وما يتمتعون به من إنجازات حقوقية واسعة، تتمثل في استفادتهم من سيادة قوة القانون وضمان المشاركة السياسية الشعبية الواسعة، فاستطاعت هذه الدول أن تكرس لنفسها نهجا سياسيا ديمقراطيا نابعا من بيئتها وإرثها السياسي والاجتماعي الذي تراكم منذ نهضتها الصناعية والعلمية التي تفجرت بداية من القرن الثامن عشر، هذا النهج السياسي الديمقراطي جاء ملائما للواقع الذي ولد فيه وأثبت نجاعته بالنسبة إلى مجتمعات هذه الدول.
هذا النجاح السياسي وتطور الديمقراطية في هذه الدول، كان بمثابة السلاح المخفي الذي جهدت الدول الغربية في استغلاله لأهداف أبعد من المبادئ التي يقوم عليها، والأهداف التي يسعى لتحقيقها، عملت هذه الدول على تسويق «ديمقراطيتها» على أنها الخلطة الصالحة لجميع شعوب المعمورة، وأنها «القبلة» التي «تحلم» العديد من الشعوب في القارات الأخرى بالوصول إليها، وهذه من العوامل الموضوعية التي شجعت النخب الحاكمة في الدول الغربية على تحويل هذه «الديمقراطية» ومبادئ حقوق الإنسان إلى سلاح تشهره وقتما تشاء وفي وجه من تختار وتبقيه مسلطا على رقاب الشعوب الأخرى التي ترغب في تحسس طريقها الخاص بها بعيدا عن الفوقية الغربية.
الواقع بالنسبة إلى العديد من شعوب القارات الأخرى يقول عكس الصورة الجميلة والمناخ الصحي الذي تتمتع به شعوب القارة الأوروبية، فبالقدر الذي يتمتع فيه مواطنو هذه الدول بالكثير من الحقوق السياسية والتزام النخب الحاكمة بمعايير حقوق الإنسان ذات الصلة بعلاقتها مع مواطني دولها، فإنها بالقدر نفسه المعكوس تتعاطى مع الشعوب الأخرى، فهذه النخب الحاكمة في الدول الأوروبية تستخدم حقوق الإنسان والديمقراطية أسلحة في وجه شعوب القارات الأخرى، والأنظمة السياسية التي ترفض الانصياع للتوجهات السياسية لهذه الدول، والعديد من دولنا العربية (العراق وسوريا وليبيا) تقدم الأمثلة الساطعة على ذلك بعد أن دمرت حياة شعوبها بهذا السلاح، بغض النظر عن المآخذ على طبيعة الأنظمة الحاكمة فيها.