1

محطة مفصلية في التاريخ

افتتاحية الخليج

عندما يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن، في معرض حديثه عن الأسلحة التي تتدفق من بلاده ودول حلف الأطلسي الأخرى على أوكرانيا، إننا “أمام محطة مفصلية في التاريخ”، فهو يعتقد أن روسيا ستهزم، وأن الولايات المتحدة سوف تبقى متفردة على عرش النظام الدولي، من دون إدراك أن الأسلحة المتطورة التي يتم تزويد أوكرانيا بها لن تحسم الحرب لمصلحتها، وأن روسيا لن تهزم أو تصاب بالتفكك، كما تخطط إدارته، كما أعلن ذلك كبار المسؤولين فيها، بدءاً من وزير خارجيته أنتوني بلينكن، ووزير دفاعه لويد أوستن، أو كما يتمنى رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون الذي يرى أن الحرب الحالية هي “بين الخير والشر”.

قول بايدن فيه تعبير عن رغبة وليس عن قدرة؛ لأن مجريات الحرب لا تقررها المساعدات العسكرية التي تُقدم؛ بل القدرة والإمكانيات. وكلام الرئيس الأمريكي يشي بأن الإصرار الأمريكي على استخدام أوكرانيا “كبش فداء” في معركتها ضد روسيا، فيه مغالطة ومخاطرة ترتكبها إدارته، قد تؤدي إلى اتساع الحرب الحالية وانزلاقها إلى ما هو أخطر؛ لأن مسار الحرب قد يتحول في حال شعرت روسيا بأنها تتعرض لتهديد وجودي، وعندها نكون فعلاً أمام «محطة مفصلية في التاريخ»، قد تكون فعلاً “نهاية التاريخ”.

من الواضح أن الولايات المتحدة تعمل على تجميع كل العوامل التي تؤدي إلى هذه “المحطة المفصلية”، باستخدام كل الأسلحة المتاحة لديها: العسكرية والاقتصادية والمالية، والضغوط السياسية على مختلف دول العالم لحشدها في المعركة، ما يجعل العالم حسب المفكر والكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي “يقترب من أخطر مراحل التاريخ البشري”، في حين يؤكد الخبير الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس، أن الولايات المتحدة “ترتكب خطأ فادحاً بتدخلها في أوكرانيا”، ويقول إن “عدم قدرتها على التفاوض مع موسكو “تلاعب كارثي بأوكرانيا لصالح السياسة الخارجية لواشنطن، من أجل إضعاف روسيا، متجاهلة الخيارات الأخرى لحل النزاع”.

ويرى جورج بيبي كبير محللي الشؤون الروسية في وكالة الاستخبارات الأمريكية أن إدارة بايدن، ربما تتناسى أن المصلحة الأكثر أهمية للولايات المتحدة هي تجنّب حرب نووية، مضيفاً أن “الروس لديهم القدرة على جعل الجميع يشعرون بالخسارة في حال فرضت الخسارة عليهم.. وربما هذا هو الاتجاه الذي تسير عليه الأمور.. إنها زاوية خطرة يصعب العودة عنها”.

هذا التحذير عبّر عنه أيضاً المسؤول الأمريكي السابق تشارلز كوبشان الذي يعمل حالياً خبيراً في العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون والذي قال: “إن الأمور تزداد خطورة.. نحتاج إلى تحرك يتجاوز صواريخ جافلين المضادة للدبابات، والتحدث عن مخرج سياسي”.

لتجاوز هذا المنزلق الخطر، يحتاج العالم إلى قيادة تدرك ماذا تفعل، وإلى عقلانية تعي أن العالم يتغير، والتخلي عن الاستعلاء ومنطق القوة.

التعليقات معطلة.