سبيل نجاح تونس بينٌ لو كانوا يعلمون
الهاشمي نويرة- البيان
مرة أخرى يحاول الإرهاب الغادر زعزعة الاستقرار في مصر، والإرهاب في هذه الدولة المحورية له عنوان معلوم، إذ ومنذ أن دَك الجيش المصري أركان حُكمِ الإخوان في 3 يوليو 2013 استجابة لإرادة ملايين المصريين الذين فاضت بهم الشوارع مطالبين بإنهاء حُكْمِ الإخوان، منذ ذلك التاريخ، وهؤلاء يسعون بكل الطرائق إلى خلق حالة من عدم الاستقرار بعدما فشلوا بُعيد إزاحتهم عن الحكم في تنفيذ سياسة الأرض المحروقة، بفضل تكاتف القوى الوطنية المصرية والتفافهم حول قواتهم المسلّحة، والكلّ يتذكّر تهديدات القيادي الإخواني خيرت الشاطر قبيل سقوط حُكْمِ الإخوان إذ هو أكد قائلاً: “لن نترككم تحكمون هذا البلد”.
فقد أعلن الجيش المصري السبت الماضي عن مقتل 11 عسكرياً، بينهم ضابط، إثر هجوم إرهابي غادر نفّذته مجموعة من العناصر الإرهابية التكفيرية على إحدى نقاط رفع المياه غربي سيناء، شرقي العاصمة القاهرة.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد في بيان فوري على صفحته الرسمية، إصرار المصريين والقوات المسلّحة على رفع التحدّي وقال: “أؤكد لكم أن تلك العمليات الإرهابية الغادرة لن تنال من عزيمة وإصرار أبناء هذا الوطن وقواته المسلحة على استكمال اقتلاع جذور الإرهاب”.
وبالتأكيد فإن مصر ستنجح لأنها اختارت توسيع الجبهة الوطنية ضدّ الإرهاب وضد الإخوان الذين يمارسون السياسات ذاتها أينما حلّوا في مصر أو في أي بلد آخر.
التجربة المصرية أظهرت لباقي المجتمعات والدول أنّ محاربة مثل هذه القوى الهدامة لن تكون سوى بأمرين اثنين أوّلهما، التصدّي المادّي بقوّة للإرهاب الإخواني الذي لا ضوابط أخلاقية وإنسانية له.
وثانيهما، التعاطي الذكي مع الانحراف السياسي لحركة الإخوان التي تبني سياساتها على ما تعده “حقائق خالصة ومطلقة” وهي في واقع الأمر مجرد تعبير عن مصالح فئة محدودة وذات طابع تسلطي وإقصائي، وهي عادة ما تستعمل ما توفّره المجتمعات المفتوحة من آليات ديمقراطية حتّى تتمكّن من الدولة والمجتمع، وهذا التعاطي المرن والذكيّ لمواجهة سياسات الإخوان لن يكون إذن إلا في إطار جبهة وطنية وسياسية موسعة ما أمكن، وهي جبهة تكون متفقة في الأصل، الذي هو الدفاع عن الوطن بكل أبعاده ومختلفة في الطرائق والتفاصيل، وتبقى المسألة الديمقراطية إلى جانب هذين الشرطين، الضمانة الاستراتيجية لدرء خطر التطرّف والإرهاب والتسلّط وذلك متى أصبحت جزءاً فعلياً من الواقع المعاش، وهو الأمر الذي فهمته مصر منذ 2013 ولم تستوعبه تجارب أخرى في دول أخرى ومنها تونس للأسف.
في تونس ومنذ انتخابات أكتوبر 2011 الذي جاء بـ”النهضة الإخوانية” إلى الحُكمِ، وتمكنها من صوغ دستور على مقاسها، وهي في سباق مع الزمن من أجل تفكيك مفاصل الدولة تمهيداً للسيطرة عليها والتمكن منها وكذلك السعي المحموم لتغيير ثوابت المجتمع التونسي ونموذجه الحضاري.
وقد رأى التونسيون في نتائج انتخابات 2014 بداية خلاص، ولكن الحسابات السياسية الخطأ دفعت الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي إلى ابتداع مفهوم التوافق الذي مكن النهضة الإخوانية مجدداً من الرجوع إلى الحُكم عبر النوافذ بعد أن أخرجها التونسيون من الباب، لتتواصل عملية التدمير الممنهج للمجتمع والدولة من أجل وضع حجر الأساس لدولة الإخوان.
وحينما تحرك التونسيون بحدّة وعنف وإصرار قبيل ويوم 25 يوليو 2021 مطالبين بخروج النهضة الإخوانية من الحُكمِ، الشيء الذي دفع الرئيس قيس سعيّد إلى الإعلان عن الحركة التصحيحية، كان التصور أنها فرصة أمل جديدة تتاح لتونس من أجل تصحيح مسارها، ولكن الآن كبرت المخاوف من إمكان تبدد هذه الفرصة وذلك نتيجة عدم الاتفاق على سياسات الرئيس الذي لا يزال يُصر على انفراده بعملية التغيير رغم أن الأرضية خصبة لتكوين جبهة وطنية واسعة وتضم قوى سياسية ومجتمعية من غير جماعات الإخوان ومن حالفهم، ولا تريد الرجوع إلى ما قبل 25 يوليو 2021، وهي سياسات من شأنها أن تضيق حزام الحلفاء والأصدقاء للرئيس التونسي قيس سعيّد وتوسع موضوعاً وواقعياً حزام النهضة الإخوانية.
وإن أكبر الأخطار المحيقة بتونس عدم فهم واستيعاب أن خوض الحرب ضد جماعات الإخوان عمل فكري وسياسي ومجتمعي تتضافر فيه جهود القوى السياسية والمدنية مع رغبة وإرادة عموم المواطنين، وكان من المأمول أن يقوم الرئيس قيس سعيّد بهذا الدور التسهيلي حتى يجنب تونس احتمالات سقوطها مجدداً في مستنقع الجماعات الإخوانية، ولكنه بدأ، فيما يشبه الاستجابة لمطالب داخلية وخارجية بإجراء حوارات أرادها وطنية، ولكن الجميع متأكد من نتائجها مسبقاً.
الاتحاد العام التونسي للشغل أكد مرّة أخرى أنه “لن يقبل مطلقاً بالمشاركة في حوار شكلي، وفي ظروف غير مناسبة”، وإنّ موقف الاتحاد هذا نذير فشل محتوم لأي حوار يعتزم الرئيس استعجال إجرائه، وهو بوصلة جل المواقف الوطنية والدولية، ولعل أهم المعوقات التي تحول دون الرئيس التونسي والنجاح في تحقيق أهدافه، إصراره على التحرك في ظروف مثالية ليست موجودة سوى في المدينة الفاضلة التي يحلم بها الجميع.
إن تونس في مفترق طرق صعب، وإن عودة الرئيس قيس سعيّد إلى المجتمع والناس سيساعدها على تجاوز ما هي فيه من صعوبات، عسى تونس تنجح في مسعاها من أجل التصدي لقوى الدمار الإخوانية التي تتأقلم وتتحول وتتحور في كل الظروف كأي آفة أو فيروس قاتل من أجل مواصلة نهجها التدميري، إن سبيل النجاح بيّنٌ لو كانوا يعلمون.