1

انضمام التغييريين لبرلمان لبنان يفاجئ “حزب الله” وخشية من سيناريو العراق

حصول جعجع على أكبر كتلة مسيحية يؤهله للرئاسة والتفاف درزي حول جنبلاط بفعل النقمة على الحزب

وليد شقير كاتب صحافي @ChoucairWalid  الثلاثاء 17 مايو 2022 4:40

استفاد حزب “القوات اللبنانية” وحلفاؤه من ارتفاع نسبة الاقتراع في عدد من الدوائر المسيحية (أ ف ب)

فعل المزاج الشعبي العام والشبابي، فعله في الانتخابات النيابية في لبنان فأحدث مفاجآت قلبت نسبياً توقعات محور “الممانعة” الذي يتزعمه “حزب الله” بالحصول على أكثرية وازنة في البرلمان الجديد الذي جهد من أجل تقليل خسائر حلفائه فيه، فجاءت النتيجة في غير مصلحة هذا التوجه، وساهم التصويت “العقابي”، سواء الموجه ضد الطبقة السياسية برمتها بفعل النقمة على تسببها بالأزمة الاقتصادية المالية الخانقة في البلد، أو الرافض لسطوة الحزب وهيمنته على القرار السياسي، والمعترض على استتباعه لبنان لمشاريع إيران الإقليمية، بخيبة في تقديرات الحزب وحلفائه في يوم الاقتراع الطويل لاختيار 128 نائباً لمدة 4 سنوات مقبلة. 

وفي انتظار صدور النتائج الرسمية النهائية، وتحليل اتجاهات تصويت الطوائف والمذاهب في الدوائر الانتخابية الـ 15، التي جرت فيها عمليات الاقتراع، يمكن تلخيص الظواهر التي حددت النتيحة التي خرجت بها الانتخابات بأربع:

الأرقام خذلت مراهنات “حزب الله” مسيحياً

أولاً:على الصعيد المسيحي خذلت الأرقام التي حصل عليها مرشحو حزب “القوات اللبنانية” سعي “حزب الله” إلى إسقاط ما يتيسر منهم، لمصلحة الإبقاء على تفوق نواب “التيار الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل، “ولو بنائب واحد”. فالأمين العام للحزب حسن نصر الله كان يخطط، حسب قول بعض حلفائه، للحؤول دون أن يتمكن رئيس “القوات” سمير جعجع من أن يتصرف على أن كتلته النيابية هي الأكبر مسيحياً، وبالتالي يضعف الغطاء المسيحي له عبر “التيار الوطني الحر”، فإذا بالنتائج تخذله. وعلى الرغم من التضييق الذي مارسه مناصرو الحزب ضد مرشحي “القوات” ومناصريهم خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، حيث جرى طرد مندوبي هؤلاء المرشحين سواء في البقاع الشمالي إذ سُجّل أنه تم إخراج مندوبي المرشح النائب أنطوان حبشي بالقوة من قلمي اقتراع في قريتين شيعيتين، وجرى الاعتداء عليهم بالضرب، فيما جرى تكسير خيمة لمندوبي “القوات” في قرية كفرحونة الجنوبية… فيما أعلن عن تعرض المرشح الشيعي على اللائحة المدعومة من “القوات” في دائرة جبيل النائب السابق محمود عواد للاعتداء ولتكسير سيارته… أو غيرها من الحوادث التي سجلتها “الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات – لادي“.

سقوط حلفاء الحزب وصعود “القوات اللبنانية”

وعلى الرغم من فائض القوة الذي يمارسه “حزب الله”، حصد حزب “القوات” 21-22 نائباً، مقابل إعلان الماكينة الانتخابية لـ “التيار الوطني الحر” أن عدد نوابه بلغ 15 نائباً. ومع أن “القوات” خسر نائباً عن المقعد الماروني في معقله في بشري، لمصلحة أحد مرشحي رئيس تيار “المردة” الحليف لـ “حزب الله” ودمشق سليمان فرنجية، رأى مراقبون أن “التيار الوطني الحر” ضخّم هذا العدد لأنه شمل نائبي حزب “الطاشناق” الأرمني، أمينه العام هاغوب بقرادونيان الذي نجح بتحالفه مع ميشال الياس المر في المتن الشمالي وليس مع “التيار”، ونائب “الطشناق” عن بيروت هاغوب ترزيان. والنتيجة هي سقوط أرجحية “التيار” المسيحية التي كان يستند إليها الحزب بانحياز رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وصهره رئيس التيار النائب جبران باسيل إلى سياسات “حزب الله” الداخلية والخارجية. 

وهذا يفترض أن ينعكس على حسابات تشكيل الحكومة المقبلة، وعلى انتخابات رئاسة الجمهورية. وعكس هذا التحول مدى انفضاض الجمهور المسيحي عن تحالف بعض الرموز المسيحية مع “حزب الله”، وخصوصاً عون وباسيل، مع أن الأخير استخدم خطاباً تعبوياً من العيار الثقيل قبل 48 ساعة من موعد الاقتراع، باستحضاره اتهامات للخصوم بأنهم مع إسرائيل ومع “داعش”. يضاف إلى ذلك سقوط مرشحين مسيحيين حلفاء للثنائي الشيعي ورئيس البرلمان نبيه بري، مثل نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي في دائرة البقاع الغربي، والنائب ابراهيم عازار في منطقة جزين، إضافة إلى النائب عن التيار في الدائرة نفسها زياد أسود، والنائب السابق أمل أبو زيد. كما سقط أحد جناحي “الحزب السوري القومي الاجتماعي” المنقسم على نفسه، النائب أسعد حردان عن المقعد الأرثوكسي في دائرة الجنوب الثالثة (مرجعيون، حاصبيا، النبطية وبنت جبيل) وهو الحليف التقليدي للقيادة السورية، والذي حل مكانه أحد مرشحي التغيير الياس جرادي. 

واستفاد حزب “القوات” وحلفاؤه من ارتفاع نسبة الاقتراع في عدد من الدوائر المسيحية والذي سبقه ارتفاع عدد المقترعين في الاغتراب في 7 و 8 مايو (أيار)، ما شكل عاملاً إضافياً شجع المقترعين على النزول إلى صناديق الاقتراع في 15 مايو.

النقمة على الحزب ومحاولات إضعاف جنبلاط

ثانياً: أخفق “حزب الله” في تحقيق هدف إنهاء تحكم رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بما يسمى “الميثاقية” في الطائفية الدرزية، بحصوله على مجمل المقاعد الدرزية الثمانية كما كان يحصل في السابق، والتي تحتم، وفق المعادلات الطائفية اللبنانية عدم تجاوزه في القرارات الرئيسة. لم يتمكن الحزب، الذي كان شديد الاهتمام بتكريس ازدواجية الزعامة الدرزية، من أن يحرم جنبلاط من الأرجحية الكاسحة في الطائفة، بسقوط رمزين حليفين لـ”حزب الله”، هما سليل الزعامة الإرسلانية النائب طلال أرسلان الذي اعتاد جنبلاط أن يترك له مقعداً شاغراً منذ العام 1992 كي يدخل الندوة البرلمانية، وكذلك بسقوط حليف الحزب وسوريا وئام وهاب، على الرغم من أن الحزب زوده بكافة إمكانات الفوز في مواجهة مرشح جنبلاط وصديقه الشخصي النائب المستقيل مروان حمادة. ويعود ذلك إلى التفاف أكثرية الجمهور الدرزي حول الزعامة الجنبلاطية، التي رفعت الصوت في تعبئتها الانتخابية، ضد هيمنة محور الممانعة على الحياة السياسية واستهدافها تلك الزعامة متجاوزة حرص جنبلاط في السنتين الأخيرتين، على تجنب استفزاز الحزب تحت عنوان ما يسمى “تنظيم الخلاف” معه منعاً لتصاعد الحساسيات المذهبية. 

كما أن اقتراع المغتربين جاء لمصلحة “الاشتراكي” في عدد من دول الانتشار، فحقق جنبلاط التفافاً درزياً استثنائياً حوله وحول مرشحيه، بسبب الدعم العلني الذي تلقاه منافسوهم من “حزب الله” ومن سوريا. فالنقمة ضده وضد الدعم السوري لخصوم “الاشتراكي” تصاعدت في الوسط الدرزي، الشديد الحساسية إزاء محاولات إضعاف الزعامة الجنبلاطية. وذهب الأمر إلى حد تمرد محازبي جنبلاط في دائرة حاصبيا مرجعيون على اتفاقه مع رئيس البرلمان نبيه بري، على دعم المرشح للمقعد الدرزي الوزير السابق مروان خير الدين في دائرة الجنوب الثالثة، نظراً إلى قرابة النسب مع أرسلان الذي رشحه، ولقربه سياسياً من “حزب الله” ودمشق، فاقترع أكثر من نصف هؤلاء لمصلحة المرشح الدرزي فراس حمدان على لائحة الثوار.

اقرأ المزيد

الحراك الشعبي والموقف الشبابي

ثالثاً: أن مرشحي الحراك الشعبي أو الانتفاضة الشعبية وثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) التي اندلعت في 2019 كردة فعل على التدهور المريع في الوضع الاقتصادي المالي، أحدثوا اختراقات وساهموا مساهمة رئيسة في المفاجآت الأساسية في سائر المناطق. إذ ظهر أن المزاج الشعبي العام تخطى الثغرات التي واجهت توحيد لوائح المعارضة، وتعددها وبروز خلافات بين رموزها وتعرضهم لانتقادات في وسائل الإعلام لشرذمة المجموعات الشبابية، واتهامهم بخذلان الجمهور الواسع الذي نزل إلى الشارع على مدى سنتين. فعلى الرغم من كل ذلك، شهد يوم الانتخابات في لبنان تصميماً، ولا سيما من فئة الشباب على رفض الاقتراع للقوى التقليدية، حتى السيادية منها الرافضة لهيمنة “حزب الله”، إضافة إلى رفضهم الاقتراع لحلفاء “حزب الله” في سائر الطوائف. 

وجذب شعار رفض التجديد للطبقة الفاسدة التي تسببت بالهدر وسرقة أموال المودعين من قبل من شاركوا في السلطة وغطوا الصفقات والهدر والهندسات المالية لمصرف لبنان، وهرّبوا أموالهم إلى الخارج، الجزء الأكبر من الجمهور الذي أيد الثورة في 2019، ورفدوا مرشحي لوائح التغيير بالأصوات. ورافق ظاهرة التمسك بتغيير الطبقة السياسية التي شاركت في السلطة، ما يمكن وصفه بـ “صراع الأجيال”، إذ افترق كثر من الشباب، وبينهم عدد كبير من العاطلين عن العمل، عن عائلاتهم وأهاليهم الذين يدينون بولاءات تاريخية لزعماء أو وجهاء في مناطقهم، ورفضوا الامتثال لطلبهم التصويت لتلك الزعامات، متسلحين بمقولة أنه “لم يعد جائزاً أن نأتي بالأشخاص أنفسهم” إلى الندوة البرلمانية لأنهم كانوا سبب الكارثة التي أصابت البلد. وبذلك نجح من يمكن تسميتهم القوة الثالثة أو “التغيريين” في حصد 10-12 مقعداً يمكن أن يشكلوا جبهة مع بعض الرموز الأخرى المعارضة مثل نواب حزب “الكتائب” (4) وميشال معوض ونعمة فرام وأسامة سعد وميشال الضاهر. وسيكون على هؤلاء بدخولهم الندوة البرلمانية، تحدي خوض غمار التشريع للقوانين الإصلاحية التي نادوا بها، ودرجة تعاونهم مع الكتل النيابية الأخرى في الندوة البرلمانية.

التشرذم السني 

رابعاً: على الرغم من الدعوة إلى المقاطعة في الساحة السنية، بعد عزوف زعيم تيار “المستقبل” رئيس حكومة السابق سعد الحريري عن خوض الانتخابات قبل أكثر من 4 أشهر من قبل مناصريه، فإن نسبة الاقتراع عادت فارتفعت نسبياً، من دون أن تحول دون نجاح “حزب الله” في حصد أربعة من أصل المقاعد السنية الخمس في دوائرالبقاع الثلاث، وواحد في الجنوب، إضافة إلى حصول حلفائه على مقعدين في بيروت وواحد في طرابلس، مقابل سقوط حليف أساسي له في عاصمة الشمال هو النائب فيصل كرامي الذي يطرح اسمه كمرشح لرئاسة الحكومة، مقابل نجاح الخصم المتشدد في معارضة “الحزب” الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، بالتحالف مع حزب “القوات اللبنانية” التي فاز أحد مرشحيها للمرة الأولى في المدينة. أما في عكار ودائرتي الضنية والمنية الشماليتين حيث لتيار “المستقبل” الغلبة تقليدياً، فقد شهدت خلطاً للأوراق بسقوط بعض الذين كانوا يدورون في فلك الحريري، بينما غلب التشتت على النتائج في ما يخص المقاعد السنية الستة في العاصمة بيروت، والتي توزعت بين حلفاء “حزب الله” وقوى مستقلة عنه. ونجم ذلك عن شرذمة الكتلة السنية الناخبة بفعل تنشيط الموالين للحريري دعواتهم لمقاطعة الانتخابات، فيما يقول ناشطون في المجال الانتخابي بأن بعض قياديي “المستقبل” ذهبوا إلى حد الدعوة إلى الاقتراع ضد اللوائح التي دعم تشكيلها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. 

شلل البرلمان المقبل… وبديل بري

القراءة الأولية لنتائج الانتخابات، مع إخفاق “حزب الله” في استعادة أرجحية حليفه “التيار الوطني الحر” على غالبية المقاعد المسيحية التي انتقلت إلى حزب “القوات”، وتمكّن جنبلاط من مقاومة تحجيم زعامته، ونجاح لوائح الثوار في تحقيق اختراقات نوعية في العديد من الدوائر، وتوزع النواب السنة على انتماءات مختلفة الولاء، تنبئ بقيام برلمان متعدد الكتل النيابية حيث لا أكثرية فيه لأي فريق. فمقابل فقدان “حزب الله” قدرته على السيطرة على المؤسسات الدستورية كافة وومنعه من استخدام الأكثرية النيابية للتحكم بتشكيل الحكومة المقبلة ثم الانتخابات الرئاسية، فإن حصوله وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري على النواب الشيعة الـ 27 في الندوة النيابية يقطع الطريق على ترشيح أي نائب شيعي لرئاسة البرلمان الجديد من خارج قرار الثنائي الشيعي، وهذا يطرح إشكالية على النواب الذين سيمثلون الانتفاضة الشعبية وعلى القوى المعارضة لانتخاب الرئيس بري مجدداً للمنصب.

جعجع مرشح رئاسي 

وترددت معلومات بأن نصر الله طالب باسيل حين التقاه قبل أقل من 3 أسابيع، بأن تنتخب كتلته النيابية بري لرئاسة البرلمان.

وفي وقت بدأ بعض النواب المسيحيين المعارضين لـ “حزب الله” يطرحون ترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية” لرئاسة الجمهورية على القاعدة التي أتت بالعماد عون للرئاسة، لأنه يرأس أكبر كتلة نيابية مسيحية، فإن إعلان “القوات” و”التيار الوطني الحر” وبعض النواب المسيحيين المستقلين والمعارضين والذين يمثلون الثوار، أنهم لن ينتخبوا بري لرئاسة البرلمان، سيطرح إشكالية كبرى. فالبديل ليس متوفراً إلا من ضمن كتلة النواب الشيعة المنضوين في تحالف “الحزب” و”أمل”، ما يضع سائر الكتل النيابية ولا سيما المسيحية، أمام تحدي الاضطرار لانتخاب بري مجدداً تحت طائلة التسبب بفراغ في السلطة التشريعية وشل نشاطها في وقت عليها الانكباب على ورشة القوانين الإصلاحية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي.

وإذا كان “حزب الله” لم يعد قادراً على التحكم بالبرلمان لفقدانه الأكثرية، فإنه قادر على فرض ما يريد عبر تعطيل تأليف الحكومة ثم انتخاب رئيس الجمهورية ما يعيد طرح السيناريو العراقي، حيث حاز المعارضون لدور إيران في بلاد الرافدين على الأكثرية قبل أشهر لمصلحتهم، من دون أن يتمكنوا من انتخاب رئيس أو تأليف حكومة.

التعليقات معطلة.