بقلم: فاروق يوسف
ما شهده العراق عبر السنوات الماضية وما يشهده الآن يجعل من المنطقي القول إن المجتمع العراقي كله في حاجة إلى حماية دولية. كل شيء هناك لا يشير إلى أن لحظة يكون فيها ذلك المجتمع في مأمن من الجريمة المنظمة ستحل يوما ما. فالأمور كلها ليست تحت السيطرة.
كلما انتهت حرب بدأت أخرى. وما ظهور الميليشيات باعتبارها جزءا من المشهد اليومي إلا دليل على أن تلك الحروب لن تنتهي.
وهو ما انعكس سلبا على المجتمع الذي تدهورت أحواله الاجتماعية والاقتصادية والصحية والثقافية فاندفع مسرعا نحو هاوية سحيقة من الجهل والتخلف والمرض والانحطاط والفقر في ظل تمييز واضح بين المواطنين على أساس العرق والطائفة والطبقة والقبيلة والانتماء الحزبي.
لقد تم تدمير الكثير من أسباب الحياة في مواجهة صعود أصولية دينية هي الغطاء الذي يتستر به الفاسدون من لصوص وقطاع طرق وقتلة استباحوا المال العام ونشروا مبادئ الفساد مستعينين بلغة السلاح بحيث صارت هي اللغة الوحيدة الممكنة في التسويات والتفاهمات.
مجتمع هذه هي حاله انما هو مجتمع مشرف على الهلاك بكل أنواعه وإن بقي على قيد الحياة ولم يتعرض للانقراض العضوي. بمعنى أن وجوده حيا لا يمثل إشارة إلى حياة حقيقية بكل ما ينطوي عليه مفهوم الحياة من معان وحقائق متطورة في سياق حركة العصر.
لقد سُلم جزء كبير من الشعب العراقي لعالم الخرافة. وهو ما تعمل عليه ماكنة دعائية ضخمة، أدواتها مئات القنوات الفضائية الطائفية التي تبث من مختلف انحاء العالم ومنها ما تبث من إسرائيل وإيران.
ولأن العراق بلد معزول عن العالم منذ عقود فإن تلك العزلة كانت فرصة للأحزاب الطائفية لنشر مبادئ الجهل بين العامة معتمدة في ذلك على روايات مستعارة من عصور الظلام التي عاشها العراق.
وكان أسوا ما فعلته النخب الثقافية أنها ارتضت لنفسها أن تشارك العامة في القبول بتلك الحكايات إن من خلال ترويجها أو من خلال السكوت عليها.
لقد خانت تلك النخب دورها التاريخي متخيلة أنها عن طريق النفاق الذي مارسته ستتمكن من ردم الفجوة التي تفصل بينها وبين الشعب.
ما قام به الشيوعيون العراقيون على سبيل المثال حين تواطئوا مع الأحزاب الدينية قد أحدث شرخا عميقا في إمكانية أن تقوم جبهة تدعو لقيام دولة مدنية تستند إلى مبدأ المواطنة وتهتم بتعليم وصحة ورفاهية مواطنيها.
لقد خذلت تلك النخب الشعب حين خدعت نفسها في حين كان كبار السياسيين ‘التقدميين’ يقتسمون في ما بينهم الفتات التي يلقيه السياسيون ‘الرجعيون’ إليهم.
لم يكن مطلوبا من شعب فرض عليه العالم حصارا معرفيا لعقود طويلة أن يملك الوعي العلمي الكفيل برد الوحش الطائفي إلى كهفه في العالم السفلي الذي اقام فيه يوم كان العراقيون يبهرون أشقاءهم العرب بنزعتهم الجمالية وميلهم إلى حب الحياة وعاطفتهم التي لا تُجارى وقدرتهم على الاختلاف.
لقد انتهى بلد الملل والنحل إلى غير رجعة وحل محله بلد الطوائف التي يقتل بعضها البعض الآخر ويلجأ أبناؤها إلى لغة الرصاص لأتفه الأسباب.
العراق اليوم بلد تحكمه أقلية من اللصوص والقتلة الذين أخضعوا العامة بلغة الخرافات الطائفية التي لا يمكنها أن تنفع أحدا في حياته.
اما المجتمع العراقي الذي عمل أولئك اللصوص على تفكيكه وتمزيق نسيجه وحفر الخنادق التي صنعت منه جماعات متوحشة هي أشيه بالقبائل الأفريقية في عصر الاستعمار فإنه لا يملك المقومات التي تؤهله للدفاع عن نفسه في ظل هجمة دعائية هي الأكبر في التاريخ.
وليس هناك من أمل في مثقفي ذلك الشعب. فهم أما مستبعَدون أو محبَطون يائسون أو خائفون من القتل أو متواطئون مع الجهل.
لذلك فإن الدعوة إلى حماية دولية هي الحل الوحيد الذي يتمكن الشعب العراقي من خلاله أن يتعرف على إنسانيته ويستعيد صلته بالحياة الحقيقة.