بقلم : عمر الردّاد
ثلاث هزات متتالية ومتزامنة شهدتها المملكة السعودية، اثنتان ذات بعد إقليمي تمثلتا بإطلاق الحوثيين صاروخا إيرانيا على الرياض، وإعلان الرئيس سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من الرياض، احتجاجا على ابتلاع إيران للبنان من خلال حزب الله اللبناني، فيما الهزة الثالثة ذات بعد داخلي تمثلت بوقف عدد من الأمراء السعوديين ورموز مؤسسات إعلامية ووزراء على خلفية قضايا فساد والتحفظ على أموالهم .
الهزات الثلاث، قوبلت بردود فعل مختلفة، ألقت سياقات الحرب الإعلامية التي تشهدها دول الخليج منذ أزمة قطر بظلالها عليها، وجاءت ردود الفعل استمرارا لمخرجات الحملات الإعلامية لتلك الأزمة، حيث شكك الإعلام القطري والإعلام الإيراني وتوابعهما بالهزات الثلاث، وربطها فقط بكونها تخدم هدفا واحدا وهو تهيئة انتقال سلس للسلطة في السعودية إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان . ورغم أن هذا الهدف ربما يكون فيه الكثير من الوجاهة، لكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى ، ربما تكون أكثر أهمية من قصرها على عامل وحيد .
فعلى صعيد إطلاق الصاروخ الإيراني من قبل الحوثيين على الرياض ، فان التهديدات التي صدرت عن الحوثي لاحقا بتوجيه ضربات لكافة المطارات والموانئ السعودية ، ينفي مقاربة المؤامرة ، كما أن الحوثيين سبق وأطلقوا صواريخ إيرانية على مكة والمدينة المنورة ومواقع أخرى في جنوب المملكة ، ومن المرجح ان التصعيد الإيراني من خلال الحوثي يعكس فيما يعكس حجم ألازمة لتحالف الحوثي علي صالح من جهة وفحص إمكانيات الرد السعودي وإرسال رسالة إيرانية في ظل تزايد الضغوط عليها أن لديها أوراقا بإمكانها تغيير قواعد اللعبة في المنطقة لصالحها، خاصة وان التصعيد من قبل الحوثيين ضد السعودية يرتبط دوما بخيارات إيرانية ، تحدد طبيعة التصعيد وكيفيته.
وفي الوقت الذي تم فيه ربط استقالة رئيس الوزراء اللبناني ، كونها صدرت من الرياض ، بالإجراءات التي تم اتخاذها ضد عدد من الأمراء على خلفية قضايا فساد ، فقد جاءت مقابلته الملك سلمان للحريري ثم زيارته للإمارات لتبدد كل تلك الإشاعات ، وربما تكون عودته قريبة الى بيروت كما يتردد في أوساط مؤيديه ، ومع ذلك لا يمكن إنكار ان استقالة الحريري من الرياض جاءت في سياقات التصعيد المعلن بين الرياض وأمريكا مع طهران ، إذ يبدو ان لبنان سيشهد تصعيدا في إطار حروب الوكلاء ، غير ا ن الأهم في استقالة الحريري إضافة لكونها تعكس تصعيدا في لبنان ، ما كانت لتتم في ظل وجود الحريري على الحكومة باعتباره شاهد زور، اذ ان لبنان اليوم بعد هذه الاستقالة سيظهر في اية مواجهة لاحقا بدون المكون السني ، وسيكون الرئيس عون ومعه حليفه حزب الله في مواجهة خصوم إيران وعلى رأسهم إسرائيل ، التي تمارس ضغوطا على الفاعلين وخاصة أمريكا وروسيا ، على هامش الحلول المطروحة للقضية السورية لضمان إنهاء خطر إيران وحزب الله وإنهاء التهديد الاستراتيجي والوجودي لإسرائيل، ودون ان يعني ذلك ان الحرب قاب قوسين او ادني.
أما بخصوص الإجراءات التي اتخذت ضد الأمراء والوزراء ورموز المؤسسات الإعلامية الفاعلة ، والتي شكلت صدمة للرأي العام العربي والسعودي ،لكونها غير مسبوقة ولثقل الأسماء المشمولة بتلك الإجراءات، وخاصة الأميرين الوليد بن طلال ومتعب بن عبدالله ، فلا يمكن عزلها عن سلسلة التحولات الجارية في السعودية ،والتي تسير باتجاه تحويل السعودية الى دولة مدنية ، تغادر مربع الدولة الدينية والقبلية ، والتي بدأت بتحجيم هيئة الأمر بالمعروف وتحويل مهماتها الى الشرطة، كأي دولة في العالم ، وإنشاء نيابة عامة للدولة والإجراءات الخاصة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة والجنسية وإنشاء المدن السياحية وغيرها من الإجراءات بما فيها ما يتردد عن اعتقالات لرموز سلفية معارضة لإجراءات التحديث ، غير ان ما يميز الإجراءات الجديدة أنها فتحت ملفات الفساد من أعلى ،مع تشكيل هيئة لمكافحة الفساد، ومؤكد انها ستتواصل بما ينسجم مع مفاهيم الدولة السعودية الجديدة،والتي تستهدف إعادة إنتاج ملفي الاقتصاد والمالية العامة والإعلام وفق أسس ومعايير جديدة تنسجم مع المعايير الدولية ، وتنهي صيغة الإعلام والاقتصاد الموازي للدولة، ومن الملفت للنظر ان حجم الأموال المتوقع استعادتها من صفقات الفساد تتجاوز (2) تريلون دولار.
وفي الخلاصة، فانه بعيدا عن مقاربات المؤامرة وصيغ الاتهامات المعلبة الجاهزة، فان الهزات المرتبطة بالبعد الإقليمي المتمثلة بالصاروخ الإيراني على الرياض واستقالة الحريري تؤشر لفصل جديد في الصراع مع إيران ، ربما تكون ساحته القادمة في لبنان ، الذي شكل عبر تاريخه الحديث مرآة تعكس موازين القوى في الإقليم ،ولا يستبعد أن تتجاوز ساحة لبنان إلى ساحات أخرى ، خاصة وان هذا التصعيد يجري بتوافق مع الإدارة الأمريكية ،التي يبدو انها قررت وضع ملف إيران على الطاولة بعد “داعش” بخيارات واسعة ومفتوحة، فيما تعكس القرارات على خلفية قضايا فساد ضد الأمراء نهجا جديدا في السعودية الجديدة ، يؤشر لاحتمال اقتراب موعد انتقال السلطة لصالح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، وربما تصدر قرارات ومراسيم سعودية جديدة صادمة ،على نحو إنشاء برلمان سعودي منتخب بإشراف هيئات دولية، تشارك فيه المرأة، ويتم تحديد موعد قريب لإجراء الانتخابات ، بحيث تتقدم فيه السعودية على الدول العربية والإسلامية في بناء مؤسسات ديمقراطية فاعلة ، تحت العنوان العريض ” قوننة ودسترة الدولة السعودية الجديدة” .